البناء: الاستفتاء على الدستور السوري عَكَسَ وعياً شعبياً جامعاً

عكس الاستفتاء على مشروع الدستور السوري الذي يشكّل عقداً اجتماعياً جديداً يؤسّس لعملية إصلاح شاملة، وعياً شعبياً جامعاً إذ تحوّل إلى مناسبة للتأكيد على دعم أكثرية الشعب السوري للتوجهات الوطنية والإصلاحية للقيادة السورية، والتعبير عن رفضه للتدخل الخارجي في شؤونه الداخلية. وهذا الحضور الكثيف للمقترعين طوال يوم أمس أدى إلى تمديد عملية الاستفتاء حتى العاشرة ليلاً في عدد من المحافظات.
وقد جاء يوم الاستفتاء أمس رسالة قوية وحاسمة عبّر عنها الشعب السوري لكل المتآمرين ولأعداء سورية، بأن أبناء سورية بكل مكوناتهم واتجاهاتهم لن يسمحوا بضرب بلدهم أو تحويلها إلى مقر للتآمر على قوى المقاومة، وبالتالي ضرب تاريخها ودورها في دعم المقاومة واحتضانها على امتداد الساحة العربية.
وكانت معظم صناديق الاقتراع شهدت في كل المحافظات حضوراً لافتاً، حيث قالت أكثرية الشعب السوري بنعم كبيرة لمشروع الدستور الجديد وسورية الجديدة ولتوجهات الرئيس بشار الأسد. وتزامنت عمليات الاقتراع مع مسيرات حاشدة في دمشق وعدد من المدن، أكد خلالها المشاركون على دعم المشروع ودعم الرئيس الأسد وتوجهاته الإصلاحية. وتميزت هذه المسيرات خاصة مسيرة السبع بحرات في دمشق بحضور لافت لهيئات المجتمع المدني والنقابات المختلفة.
وقد سارت عملية الاستفتاء بشكل طبيعي في معظم المحافظات، على الرغم من الضخ الإعلامي الكاذب الذي قامت به القنوات الفضائية المحرّضة كـ"الجزيرة" و"العربية" وغيرهما من خلال بث الإشاعات المفبركة، وتزوير الأحداث واختراعها على غرار ما تقوم به يومياً منذ أكثر من عشرة أشهر.
وفي هذا السياق، أعلن وزير الداخلية السوري محمد الشعار أن عملية الاستفتاء تسير بشكل طبيعي في معظم المحافظات.

الأسد: سنربح الأرض والفضاء
وقد شارك الرئيس الأسد وعقيلته في عملية الاستفتاء في مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون. واعتبر في تصريح له بعد الإدلاء بصوته ان "الهجمة التي تتعرض لها سورية هجمة إعلامية، ولكن الإعلام رغم أهميته لا يتفوق على الواقع، ويمكن أن يكونوا أقوى في الفضاء لكننا أقوى على الأرض من الفضاء، ومع ذلك نريد أن نربح الأرض والفضاء".
ولفت الى أن "الإعلام السوري يقوم بجهود كبيرة جداً، ونحن نتابع التطور الذي قام به التلفزيون السوري والإعلام السوري بشكل عام، ولكن دائما تأتي مقارنات حيث يقارنون الإعلام السوري الذي هو الإعلام الرسمي بشكل أساسي بالإعلام غير الرسمي في الدول الأخرى، ولكن هذه المقارنة غير دقيقة وغير موضوعية ولا تجوز".
واعتبر الرئيس الأسد ان "الإعلام الرسمي يقارن بإعلام رسمي في دول أخرى لأن أهداف ومهام الإعلام الرسمي تختلف عن أهداف ومهام الإعلام الخاص"، مشيراً الى أنه "لو قارنا الإعلام الرسمي السوري الآن بالإعلام الرسمي في المنطقة، فأعتقد أنه الأفضل، ولكن مع ذلك لا يهمنا أن نقارن أنفسنا بمن هو أقل، وسوف نبقى نقارن أنفسنا بمن هو أفضل".
من ناحيته، أعلن رئيس الحكومة السورية عادل سفر ان "الاستفتاء يشكل نقلة نوعية في حياة البلاد"، وقال في حديث إلى الصحافيين بعد الإدلاء بصوته: "هو تحدٍ كبير أمام الأحزاب السياسية المؤسسة حديثاً في سورية للممارسة الديمقراطية بشكلها الحقيقي".
ورأى أنه "استجاب لتطلعات الجماهير وحاجات المجتمع في التعليم والصحة وضمان الملكية الخاصة وضمان الحريات واستقلالية القضاء وضمان حقوق المواطنين".
واعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم ان "مشروع الدستور الجديد سينقل سورية الى مرحلة جديدة"، مشيراً خلال الإدلاء بصوته في مبنى وزارة الخارجية، إلى أنه "يوم تاريخي في حياة الشعب السوري الذي يراهن على صموده وتماسكه".
ورأى أن "الشعب السوري استحق هذا الدستور الذي ينقل سورية الى مرحلة التعددية السياسية والى مرحلة الديمقراطية"، لافتا إلى أن "سورية تخرج بالدستور أقوى بكثير مما كانت".
 خطوة ستليها خطوات كثيرة
ومن بيروت، أكد السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، في حديث تلفزيوني إلى قناة الـ “NBN” أننا "نستبشر خيراً في أن يكون الدستور خطوة أولى تتلوها خطوات كثيرة تجدد فيها سورية فاعليتها ودورها"، معتبراً أنه "رد على حراك المؤامرة ضد سورية".
وأشار إلى أن "الاستفتاء على الدستور شكل استجابة لمطالب وحاجات الشعب، نرجو أن تنعكس تفاعلاً واستقراراً أكثر"، متمنياً أن "يكون الحراك الإصلاحي الذي تشهده سورية، وكان من أبرز ترجماته الدستور، واحداً من النقاط التي تحرّض الغيورين على دور سورية، وعلى مستقبل ودور المنطقة".
وعن "مؤتمر أصدقاء سورية"، لفت إلى "غياب الرؤية فيه"، ومعتبراً أن "التشوّش زاد في عمق القراءة لدى أصدقاء سورية والمؤمنين بدور سورية والدفاع عنه".
وعن استفتاء الجالية السورية في لبنان، أشار إلى "وجود صناديق في كل النقاط الحدودية والمطارات حسب إعلان وزارة الداخلية".

فضيحة المليارات الـ11
أما على الصعيد الداخلي، فإن الساعات الماضية لم تحمل أية إشارات إيجابية تشير إلى إمكانية التفاهم في ضوء ما جرى في جلسة مجلس النواب الأخيرة حول مشروع قوننة الإنفاق الحكومي للعام 2011 بسبب معارضة فريق "14 آذار" المصرّ على صفقة تبادل بين هذا المشروع وفضيحة الـ11 مليار دولار.
وقالت مصادر متابعة بارزة لـ"البناء" إن الاجتماع الذي سيترأسه الرئيس نبيه بري اليوم لهيئة مكتب المجلس ورؤساء ومقرري اللجان، لا يتوقع أن يتوصل إلى نتيجة إيجابية خصوصاً في ضوء الكلام الذي كرره رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة والذي كان عبارة عن تكرار ما قاله في مجلس النواب لا سيما لناحية الربط بين الارتكابات المالية لحكومته ومشروع الـ8900 مليار الحالي.
ونقل الزوار عن الرئيس بري عدم ارتياحه لكلام السنيورة وأنه سيعرض موقفه بوضوح وصراحة اليوم خصوصاً أن مثل هذه المواقف التي يكررها السنيورة لا تساعد على ولادة اللجنة التي كان اقترحها رئيس المجلس ولا على حل الموضوع.
وأشار الزوار إلى أنه إذا ما بقي الأمر على هذا المنوال فإنه سيصار إلى الاحتكام للذهاب إلى جلسة 5 آذار وبالتالي التصويت على مشروع القانون المطروح.
ولم تستبعد مصادر نيابية أن يصار إلى محاولات استدراكية في غضون الأيام القليلة المقبلة، لكنها قالت إن كل شيء في حينه.
في هذا السياق، أوضحت أوساط الرئيس ميقاتي أنه يدعم عمل اللجنة التي يرأسها الرئيس بري في سبيل التوصل إلى حلول القضية "فهذا الموضوع يجب أن نجد له الحلول لأن في ذلك تسهيلاً لعمل المالية العامة".

مجلس الوزراء
أما على صعيد العمل الحكومي، فإن جلسة مجلس الوزراء اليوم كما هو معلوم ستكون عادية لكن المعلومات المتوافرة لـ"البناء" تشير إلى أن وزير العدل بالتعاون مع الجهات العدلية والقضائية المختصة قد قطع شوطاً مهماً في وضع التشكيلات القضائية التي يؤمل أن تكون في مقدمة دفعات التعيينات المنتظرة. وأكدت مصادر وزارية في هذا السياق، أن لا تعيينات في جلسة اليوم. كما استبعدت حصول تعيينات في جلسة الأربعاء، وأوضحت أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يقوم بالاتصالات والمشاورات اللازمة للاتفاق على بعض التعيينات الضرورية.

نجاد وغصن
في سياق سياسي آخر، حذّر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد من أن "الأعداء يسعون للمساس بوحدة لبنان الوطنية"، داعياً "اللبنانيين إلى التيقظ من أجل إطاحة هذه المؤامرة".
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" عن نجاد قوله خلال استقباله وزير الدفاع اللبناني فايز غصن في طهران أمس، أن "لبنان يقف في الجبهة الأمامية للإنسانية والمحبة، ولهذا فإن الأعداء يسعون كثيراً للمساس بوحدة وتلاحم الشعب اللبناني مما يتعيّن التحلي بالوعي والحذر لمواجهة مؤامرات العدو"، وأشار نجاد إلى أن "الضغوط ضد المقاومة تتصاعد، والهدف منها إنقاذ "إسرائيل"، إلا أن أحلامهم هذه لن تتحقق.
من ناحيته، أكد غصن الذي التقى نظيره الإيراني أيضاً أحمد وحيدي "أن شعب لبنان لن ينسى أبداً وقوف طهران إلى جانبه، وأنه سيبقى إلى جانب الجيش والمقاومة لمواجهة بربرية "إسرائيل"".
وفي السياق، أكد وحيدي أن "دعم الجيش اللبناني من سياستنا الاستراتيجية لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة وبعض عملائها في المنطقة يمارسون ضغوطاً من أجل خلق وتأجيج الأزمة في سورية"، معتبراً أن "واشنطن التي خسرت بعضاً من عملائها في المنطقة تسعى الآن إلى القضاء على سورية لإضعاف جبهة المقاومة أمام كيان الاحتلال "الإسرائيلي"".  

السابق
جرائم الأسد تعد من أسوأ جرائم الحرب
التالي
عقد اجتماعي جديد ضروري وغير ملحّ