عقد اجتماعي جديد ضروري وغير ملحّ

طالب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بعقد اجتماعي جديد، ومثله فعل النائب وليد جنبلاط مطالباً بطائف بين السنة والشيعة، مختزلاً في صراعهم المضمر الوضع اللبناني برمته. ولم يكن رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بعد ممارسته المسؤولية اربع سنوات، بعيدا من هذا الخيار، وسبقه الى ذلك رؤساء ما بعد الطائف.
مشكلة في العمق لا يجرؤ احد في الداخل على مقاربتها بأكثر من تناول خطوطها العريضة، ذلك ان كل تعديل ينعكس على حصص الطوائف اللبنانية المتقاسمة الحكم، وقد صارت هذه الحصص اقوى من كل الاعراف والقوانين والدساتير. ألا تذكرون ان اتفاق الطائف نص على مجلس بـ 108 نواب فقط قبل ان ترفع تسويات الطوائف العدد الى 128، ولا حاجة فعلية الى هذا العدد ولا الى نصفه في البلد الصغير نسبيا بمساحته وبعدد سكانه.

الكلام عن عقد اجتماعي جديد كلام ملطف للبحث مجددا في اتفاق الطائف، والصلاحيات التي حاصرت الموارنة، فأعطت الوزير مساحة حرية حرمتها الرئيس، وهو رئيس الدولة وليس رئيس الموارنة أو المسيحيين وحدهم، علما ان من حق هؤلاء المطالبة بها لرئيس منهم، اذ كلما ارتفع صوت من هنا أو هناك، تمسكت الطوائف الاخرى بمواقعها ودافعت عنها كحصن لا يجوز المس به. وهذا ما عزز الشعور عند كثير من المسيحيين بأنهم خرجوا من الحرب خاسرين وأنهم يدفعون الثمن، وأنهم في جانب آخر صاروا ملحقين بسنة أو بشيعة. تأتي دعوة البطريرك الراعي محقة في هذا المجال، لأن المسيحيين الذين فقدوا دورهم كجسر عبور وتواصل بين الشرق والغرب، لا يزالون صمام امان في لبنان، وهم في بعض المحطات الرادع لمواجهة اسلامية – اسلامية تفتح على حروب معروفة البداية لا النهاية، وهو الامر المخيف والذي حرص الرئيس سعد الحريري ومثله السيد حسن نصر الله على التحذير منه، والعمل الحثيث على عدم تجرع هذه الكأس المرة، والتي يدرك جيدا النائب وليد جنبلاط بحدسه نتائجها وويلاتها.

هل الكلام عن عقد اجتماعي جديد ضروري وملح؟ هو ضروري بالتأكيد لانه يوفر للبلاد التوازنات الضرورية لحسن سير عمل مؤسساتها وحل مشكلاتها، ويضمن المشاركة الفاعلة للجميع، ويضمن للبنان في العالم الصورة الحضارية في المشاركة بين ابنائه من دون منطق الذمم السائد في محيطه. لكن هذا العقد الجديد غير ملح لان ظروفه غير متوافرة حاليا، وهي ليست ظروف الداخل حتما، ذلك ان اي فريق لن يمضي في مسيرة تنازل طوعا، وخصوصا من يملك السلاح أو المال. أضف ان الظروف الخارجية غير ملائمة ايضا، وما نحتاج اليه حاليا هو ابعاد لبنان عن صراعات المنطقة والعمل على احباط الخطط الآيلة الى توريطه وتصدير الارهاب اليه لتنفيس الاحتقان السائد في محيطه، وعدم ربطه بالملف السوري أو الايراني أو البحريني أو غيره، فلبنان عاش صراعاته، ودفع الاثمان الباهظة، وأحيا ثورته، وأخرج الاحتلالين الاسرائيلي والسوري من ارضه، ودفع كثيرا اثمان حروب الآخرين، وخصوصا القضية الفلسطينية، وآن له ان يرتاح، ويفكر ابناؤه بهدوء في اي عقد اجتماعي جديد ينضجونه للمستقبل من دون دماء تراق.
  

السابق
البناء: الاستفتاء على الدستور السوري عَكَسَ وعياً شعبياً جامعاً
التالي
الحزم السعوديّ ودوافعه