المازوت مقابل نحاس

قبل أيّام من انعقاد الجلستين التشريعيتين لمجلس النواب، استطاع الرئيس نبيه برّي أن يصل إلى اتفاق مع النائب ميشال عون. لم يُعرف ما هو هذا الاتفاق الذي جعل من رئيس "التغيير والإصلاح" يتخلّى بلمح البصر عن وزير العمل شربل نحّاس.. علماً بأنه كان ردد غير مرّة: إذا دقّوا بشربل بطيّر الحكومة. وما هي الا الأيّام أو ساعات، وبدل أن "يدقّوا" هم بشربل، قام الجنرال بـ"دقّ" شربل بنفسه.
هرج ومرجٌ. انتظار ثم انتظار. أدرك نحّاس أنه خارج الزمان الإصلاحي وفكره، حمل استقالته وذهب بها إلى من عيّنه وزيراً. قُبلت الإستقالة. وأُهين نحّاس معنوياً على منبر الرابية بعد اجتماع التكتل. انتهت رحلة الوزير المشاكس عند أقدام واقعية الصفقات التي يبغي التكتل ورئيسه تمريرها.

قيل الكثير عن غداء برّي – عون، التي مهّدت للاتفاق على إعادة تفعيل العمل الحكومي من جهة والتخلّص من الوزير المشاكس من جهة أخرى. قيل أيضاً عن رجل أعمال حرص على جمع الإثنين وعلى خروجهما متفقين على المرحلة المقبلة، التي على ما يبدو دسمة نفطياً. سيما وأنّ النفط في البحر يقترب من الشواطئ شيئاً فشيئاً. فضلاً عن فضيحة المازوت الأحمر التي حضرت في "الجلسة"، ومن ثمّ في الاتصالات الثلاثية، بين بري وعون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.

يختصر وزير العمل المستقيل في جلسة خاصة، كل ما حصل ببضع كلمات: القصّة بالمازوت الأحمر. ماذا يعني بقوله هذا؟ تجيب أوساط متابعة ومطلعة على كل ما يحصل بالقول: فحوى هذا الكلام ينبع من معلومات أكيدة لدى نحّاس بأن ثمن إخراجه من الوزارة، إخراج وزير الطاقة جبران باسيل من فضيحة المازوت الأحمر. أُقفل الملف. ذهبت الـ1200 مليون دولار أدراج المصلح الأكبر.
ولمعرفة أين أصبحت التحقيقات في هذه الفضيحة، أيضاً هناك انتظار، بين ديوان المحاسبة والمدعي العام المالي، وبين تحويلها إلى لجنة الطاقة وإخفاء التفاصيل عن مقرر اللجنة. اختلط الحابل بالنابل، وتوقفت التحقيقات على عتبة موظفين صغار.. قبل أن تختفي، وتُطوى إلى أجل غير مُسمّى.
 إذاً، المعادلة واضحة. تسيير عمل الحكومة مرّة جديدة يأتي نتيجة لصفقة ما، نُسجت على خط الرابية، راح ضحيّتها نحّاس، الذي بذهابه، ترك تململاً كبيراً لدى العونيين، الذين كانوا يرون فيه "جنرالاً صغيراً" يحاكي طموحاتهم في مكافحة الفساد، كما المُعلّم الأكبر، فإذ بهم يكتشفون أن هذا الطموح ينتهي حين تبدأ سياسة "مرقلي لمرّقلك"، والتي أصبح يُتقنها من في الرابية ومن يدور في فلكها.
قياديون في التيّار، يقولون المديح ثمّ المديح بأداء الوزير نحّاس، ثم يتوقفون للحظات، ويتابعون: لكنّه في النهاية قرّر أن يخرج عن قرار التيّار ككل، وهذا ما لا يجوز. أداؤه (أي نحاس) وصل الى مكان لم يعد متناغماً مع منهجية عمل التيار، فظهر وكأنه هو من يريد تحديد الأطر والقواعد السياسية للتكتل وللتيار، وهذا أيضاً كان من الأسباب التي دفعت العماد عون إلى التخلّي عن خدماته.

يقول أحد المتململين من أداء "التغيير والإصلاح": منذ العام 2005 ونحن نعيش على خطب مكافحة الفساد. لم نصل يوماً إلى سدة الحكم كما هي الحال اليوم، ولكن ماذا قدمنا لهذا المشروع الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه؟ الأرجح لا شيء يُذكر. لقد أُدخلنا في لعبة النظام كغيرنا، وفي التسويات الصغيرة على حساب المبادئ العامّة، وكان آخرها إقصاء أكثر الذين آمن به شباب التيار، على أنّه المُصلح المُنتظر.
إذاً، دخلت الصفقات على طريق مكافحة الفساد. وما حصل في الجلسة التشريعية أول من أمس، يفيد بأن ما كان موضوع معارضة لدى التيار حين كان الرئيس فؤاد السنيورة على رأس الحكومة، هو موضوع قابل للتمرير حين يكون "العونيون" جزءاً لا يتجزّأ من حكومة ليس فيها السنيورة ولا فريق عمله، ولا حتى أي أحد من الذين أعلن التيار الحرب عليهم.
في هذا الوقت، ليس هناك سوى انتظار الخطوة التالية لرجل الأعمال "النفطي"، الذي وحده يعرف كيف يُدغدغ الإصلاح، بالتفكير ملياً في المصالح الكبرى الآتية من البحار. 

السابق
مسألة التدخّل أيضاً وأيضاً
التالي
ربيع حزب الله