ايران تريد احتضانا

كم من آلات الطرد المركزي عند كوريا الشمالية؟ وكم من اليورانيوم المخصب عند الباكستان؟ وأي وقود ذري لاسرائيل؟ حتى لو كان عند شخص ما أجوبة عن هذه الاسئلة فليس ذلك لأن هذه الدول سخت بالمعلومات فالامر أبعد من ذلك. ان ايران بالقياس اليها لا تغلق فمها لحظة.
لا نعلم كل شيء، لكن أنظروا كيف قشر محمود احمدي نجاد أمام عدسات تصوير التلفاز قضيب الوقود الذري. وهو لا يخفي ان عنده يورانيوم مخصبا بنسبة 3.5 في المائة و20 في المئة، وتقول ايران ايضا عن عدد ما لديها من آلات الطرد المركزي الجديدة ومتى تم تركيبها. وأكثر مفاجأة من ذلك صورة اعلانها بما تنوي تطويره أو تركيبه أو تخصيبه ومتى، وكأن الحديث عن اعلان لبرنامج تلفاز. يجوز لنا ان نتساءل لماذا تكشف عن برنامجها الذري بهذه الصورة ولماذا لا تتبنى سياسة الغموض الاسرائيلية مثلا.
لأنها لا تحتاج الى ذلك. هناك اتفاق في الغرب وفي اسرائيل ايضا على ان ايران ما تزال لم تحسم أمر هل تطور سلاحا ذريا. ولو افترضنا أنهم في الغرب «يعلمون» هذا بيقين، فلماذا لم تحسم الامر بعد؟ لأنه اذا لم تكن تنوي تطوير سلاح كهذا فلماذا الذعر، واذا كانت تنوي تطوير سلاح ذري فلماذا تتردد. اذا كانت العقوبات الاقتصادية توقف قرار ايران فلا حاجة الى مهاجمتها بل يكفي ان تبقى العقوبات الاقتصادية الى الأبد ويُضمن بذلك السلام العالمي، بل يمكن ازالة العقوبات الاقتصادية والتهديد فقط بفرضها من جديد اذا غيرت ايران سياستها.

لكن يخيل الينا ان الجواب موجود في مكان آخر. يصعب ألا تؤثر فينا نجاحات ايران السياسية في العقد الاخير. فقد نجحت ايران بفضل الاحتلال الاميركي للعراق ان تصبح المنفقة على العراق. وهي ايضا العمق الاستراتيجي لسوريا وتسيطر بواسطة حزب الله على السياسة الداخلية في لبنان. وهي تستثمر مالا كثيرا في افغانستان وتساعد باكستان وتدير اعمالا واسعة النطاق مع الهند. وقد عرضت هذا الاسبوع على مصر ان تساعدها على اعادة بناء اقتصادها اذا استقر رأي الولايات المتحدة على تجميد المساعدة للقاهرة، وأصبحت تُسمع اصوات في مصر تشجع هذه العلاقة.
تحرص ايران على الحفاظ على علاقات وثيقة مع تركيا ومع قطر ومع عدد من دول المغرب. وهي غير انتقائية بصورة خاصة في معاملتها لدول سنية أو علمانية، وليس انشاء حلف شيعي هو بالضبط ما يوجهها ولا تصدير الثورة الاسلامية ايضا. فهي تعرف جيدا السور الحديدي الذي تقيمه دول سنية في مواجهة التيار الشيعي وتعلم مبلغ بغض الفقهاء السنيين للتيار الشيعي الذي يعتبره فريق كبير منهم كُفرا. ان تقديرات ايران هي استراتيجية وعقلانية لا صوفية، وهذا ما يعتقده ايضا رئيس الاركان العامة الاميركي الجنرال مارتن دامبسي.

لكن ايران لا تكتفي بمكانة اقليمية. ان نجاحها الكبير كامن في صورة احتيالها على السياسة الخارجية للقوى العظمى الغربية بازاء القوتين العظميين الشرقيتين، الصين وروسيا. وهي تجعل الولايات المتحدة التي تعارض الهجوم عليها تواجه الموقف الاسرائيلي. وهي تنجح في منع هجوم على سوريا لأنه لا توجد دولة أو حلف من الدول الغربية يريد امتحان ايران، دع ان الجميع يريدون محاورة طهران في المشروع الذري.
هكذا علم الغرب ايران أنها لا تحتاج الى السلاح الذري فحسبُها ان تعرض قدرتها على تطويره كي تصبح قوة عظمى تُملي سياسة عالمية. ان ايران لا تُسرع في اجتياز الخط الفاصل بين القدرة على الانتاج والانتاج وربما لن تجتازه أبدا. لماذا تمنح الغرب اسبابا لمهاجمتها أو لفرض عقوبات اقتصادية اخرى عليها اذا كانت تحرز أهدافها حتى من غير وجود قنبلة ذرية واحدة في مستودعاتها؟ هذا وضع مثالي في نظرها. وهو وضع لا يتجرأ فيه أحد على الاطمئنان في مواجهة قدرتها من غير ان تضطر الى التهديد في الحقيقة. هذا هو الردع الذي لا يوجد سواه. قُل للرفاق ما الذي تستطيع ان تفعله بهم اذا ما شئت فقط وانتظر ان يحتضنوك. لكن تمهلوا، أليست هذه هي السياسة الاسرائيلية؟  

السابق
شهيدٌ أو ضحيّة
التالي
خادمة سريلانكية قتلت مخدومتها في برج البراجنة