ملامح الحرب الأهلية تلوح في أفق كيان العدو أيضاً ؟!

أضاءت الأحداث الأخيرة داخل كيان العدو على واقعه الداخلي الاجتماعي وكيانه المزعوم، فطافت الى السطح أشكال الصراع السياسي والثقافي المتفجرة لهذا المجتمع المفكك والمتعدِّد الثقافات، والتي تعود أزمته لكونه مجتمعاً مستورداً لا ينتمي إلى هذه الأرض ولا لثقافة شعبها ولا يحمل ثقافة واحدة بل ثقافات عدة متنافرة تشكل عدة مجتمعات متنافرة لم تستطع الامتزاج لتشكل مزيجاً ثقافياً راقياً بل بقيت متنافرة تنافر الأرض والثقافات التي أتوا منها قبل استيطانهم واغتصابهم لهذه الأرض.
وقد جاءت أعمال الاعتداء التي قام بها الأصوليونن اليهود -الحريديم- أوائل هذا العام لتزيد المخاوف داخل كيان العدو من تفجر حرب أهلية داخلية، حيث قاموا في بلدة «بيت شيميش» القريبة من القدس بالاعتداء على فتاة تبلغ من العمر 8 أعوام للتنكيل بها أثناء ذهابها للمدرسة بسبب لباسها غير المحتشم بنظرهم ، بينما وُصِفت مجندة بالعاهرة لجلوسها في مقدمة الحافلة، كما قاموا سابقاً بعدة اعتداءات على النساء اللواتي لا يرتدين لباسًا محتشمًا بنظرهم، فضلا عن محاولة إقصائهن من الحياة العامة، وهو ما أدى إلى صراع متصاعد بين المتدينين والحريديم داخل الكيان الصهيوني.
ووصل الأمر برئيس جهاز «الموساد» الأسبق أفرايم هاليفي إلى اعتبار أن التهديد الحقيقي لـ «إسرائيل» يأتي من برامج ومعتقدات طائفة الحريديم، وليس من برامج إيران النووية، وأضاف أن الأخطار المحدقة بـ«إسرائيل» داخلية، وليست خارجية.

من هم الحريديم؟

حريديم (Hare dim) هم جماعة من اليهود المتدينين الذين يعتبرون كالأصوليون حيث يطبقون الطقوس الدينية ويعيشون حياتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية. ويحاول الحريديم تطبيق التوراة داخل دولة العدو.
لا يؤدي الغالبية العظمى من الحريديم الخدمة العسكرية كما أنهم يتقاضون أموالاً شهرية تساعدهم على العيش بالاضافة لعدم دفعهم الضرائب. وقد أُقِرّ هذا الأمر منذ تأسيس دولة العدو، ولاتزال هذه الممانعة قائمة حتى يومنا هذا. البنات المتدينات أيضاً لا يخدمن في الجيش، ولكن يجب عليهن أن يذهبن إلى المحكمة الدينية ويعلنَّ أمام قُضاتها بأن سبب عدم أدائهنَّ الخدمة، هو ديني!
يرتدي الحريديم أزياء يهود شرق أوروبا، وهي المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء ويضيفون له الطاليت ويرسلون ذقونهم إلى صدورهم كما تتدلى على آذانهم خصلات من الشعر الطويل. وهم لا يتحدثون العبرية على قدر استطاعتهم باعتبارها لغة مقدَّسة ويفضلون التحدث باليديشية كما تتميَّز عائلات الحريديم بزيادة عددها لأنهم لا يمارسون تحديد النسل، ولذا فأعدادهم تتزايد بالنسبة للعلمانيين الذين يحجمون عن الزواج والانجاب، بينما يتشددون تجاه النساء اللواتي يمنعن من الذهاب الى المدارس وأماكن الترفيه ويفرض عليهن زياً معيناً كما يعتبرون صوت المرأة «عورة»!

سلالات ثقافية متنافرة
ويعيش كيان العدو كل أنواع الصراعات الداخلية. وذلك يعود في الأصل لعدم وجود مجتمع «إسرائيلي» موحد، فهو مجتمع ممزق أساسا وعبارة عن خليط سلالي متنافر بين يهود غربيين (اشكناز) ويهود شرقيين (سفارديم)، والكراهية والعداء بينهما قديمة منذ تأسيس هذه الدولة المصطنعة، وهنالك أيضاٌ المتدينون (حريديم) وهناك العلمانيون، والعداء بينهما ايديولوجي قديم أيضا، وكذلك الصراع القائم بين اليهود الروس واليهود الفلاشا القادمين من اثيوبيا، وما بين المستعمرين والمستوطنين الجدد. كما تتزايد الصراعات السياسية والاجتماعية، بين اليسار واليمين والوسط واليمين المتطرف، وهنالك الفقراء والاغنياء الذين تتزايد الفجوة الاجتماعية بينهم على نحو متسارع…

ومع تزايد عدد الحريديم الى أكثر من 62% في كيان العدو حسب استطلاع للرأي أجراه معهد «داحاف» «الإسرائيلي»، برز الصراع بين المتدينين والعملمانيين، والتي تعود جذوره التاريخية داخل فلسطين الى ما قبل عام 1948، حيث كانت هناك محاولات متعددة من جانب المتدينين للاعتراض على المشروع العلماني لدى أول رئيس وزراء لكيان العدو «ديفيد بن غوريون» والحركة الصهيونية لإقامة دولة «يهودية»، وقد حاول رؤساء حكومات العدو المتعاقبة الحفاظ على علاقات وتفاهمات متبادلة معهم، استطاعت الصمود في السنوات التي تلت قيام هذا الكيان الغاصب.
ومع مرور الوقت، أخذت قوة الحريديم تتنامى وتتشعب داخل البنى واليهكيلية السياسية والديمغرافية لكيان العدو، ففي احصاء صدر عن دائرة الإحصاءات في كيان العدو منذ بضعة أشهر ظهر أن الحريديم سيصبحون المجموعة الإثنية الأكبر بين «اليهود» خلال العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة؛ وهذا يعني تغيراً في تركيبة المجتمع ككل، ما سيدفع إلى منع الاختلاط بين المرأة والرجل، كذلك منع النساء من الانخراط في الاقتصاد «الإسرائيلي» واقتصار وجودهن في المدارس الدينية الممولة من الحكومة، ومنعهن من الانخراط في الجيش، وصولاً إلى سيطرة الحريديم على جهاز التعليم ورفضهم تدريس العلوم أو الإنكليزية في المدارس الواقعة تحت نفوذهم. وبالتالي يحول وجودهم من دون بقاء النمط الغربي للحياة في كيان العدو راسخاً كما كان في الماضي، مما سيدفع الصراع مع العلمانيين الى قمته.

                                                                                                                                    

السيناريوهات المرتقبة
ومع تقدم الحريديم وتزايدهم داخل كيان العدو خاصة أنهم لا يحددون النسل على عكس العلمانيين، انعكس على وضع الأحزاب السياسية داخل كيان العدو ما أدى إلى تراجع الأحزاب اليمينية كحزبي العمل والميرتس وتقدم تلك المتشددة دينياً التي حصدت على أغلبية مقاعد الكنيست في الانتخابات الأخيرة مشكلة إئتلافاً موحداً في ما بينها. ويعتبر الصراع بين العلمانيين والمتدينين اليهود، ليس منفصلا عن الصراع بين الشرقيين والغربيين من المهاجرين اليهود، أو بين الروس المهاجرين بعد انهيار الاتحاد السوفياي والمهاجرين الأوائل، وهذا يعني أن هناك حالة من الانقسام المتسارع داخل كيان العدو، ما يعني أن «إسرائيل» التقليدية التي عرفناها في خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي تتغير كلياً.

الآن عاد الصراع الداخلي في المجتمع الإسرائيلي ليطفو على السطح من جديد، لكن ذلك يأتي هذه المرة في خضم أجواء عالمية من الأزمات، ما يجعل المشهد أكثر تعقيدا، ولأن المجموعات المتشددة دينيا هي في الأساس من أبناء لعائلات كبيرة تعيش تحت خط الفقر، وتحاول الاستفادة من قوتها السياسية من اجل الانقضاض على الوضع القائم محاكاة لما يجري في دول كثيرة، وفي هكذا وضع ونظرا لتجارب الماضي يشعر رئيس حكومة العدو أن تأجيج الصراع الخارجي هو الطريق الأسهل للخروج من المأزق والبقاء في السلطة لفترة أطول، ففي كل مرة يحتدم الصراع الداخلي في كيان العدو تلجأ قياداته لاشعال الأزمات الخارجية اما عبر حرب أو عبر تأجيج الصرارعات الداخلية للدول المحيطة وخاصة تلك المتعلقة بالساحة الفلسطينية.

هذا ويعتبر مصطلح "الحرب الأهلية" بين المتدينين والعلمانيين داخل كيان العدو شائع الاستعمال، بل وأكثر من هذا، بدأ الحديث عن احتمال حصول انقلاب عسكري وصراع جنرالات 

السابق
لحلّ الملف
التالي
النفايات تغزو الشاطئ الصيداوي