بوكو حرام ليست المشكلة في نيجيريا

نسبت الحكومات والصحف في جميع أنحاء العالم التفجيرات المروعة التي استهدفت 3 كنائس في مناطق متفرقة من نيجيريا كان يقام فيها قداس بمناسبة أعياد الميلاد، لجماعة «بوكو حرام»، وهي جماعة غامضة يتم النظر إليها على أنها منظمة إسلامية متطرفة في شمال شرقي نيجيريا. في الواقع، منذ تنصيب الرئيس غودلاك جوناثان، وهو مسيحي من منطقة دلتا النيجر في جنوب البلاد، في شهر مايو (أيار)، دائما ما يتم اتهام جماعة «بوكو حرام» بأنها تقف وراء أي هجوم تشهده البلاد.
ومع ذلك، تطارد وسائل الإعلام وصناع السياسة الأميركية تهديدا غير محدد الشكل، وذلك بسبب عدم وجود أي دليل على وجود منظمة إرهابية تتسم بالتنظيم الجيد والتماسك الآيديولوجي تسمى «بوكو حرام» حتى يومنا هذا. وبدلا من ذلك، تشير الدلائل إلى أن العصابات الإجرامية تستغل اسم «بوكو حرام» لتعلن مسؤوليتها عن الهجمات عندما يصب ذلك في مصلحة تلك العصابات، على الرغم من أن النواة الأصلية لتلك الجماعة لا تزال نشطة.

ويتعين على الولايات المتحدة عدم الانجراف إلى «الحرب على الإرهاب» في نيجيريا – سواء بصورة بلاغية أم حقيقية – لأن هذا من شأنه أن يجعلنا نبدو وكأننا متحيزون للرئيس المسيحي. إن التورط في النزاع الطائفي المتصاعد الذي يهدد وحدة البلاد قد يجعل المسلمين النيجريين يتخذون موقفا معاديا للولايات المتحدة دون معالجة أي من المشكلات الأساسية التي تؤجج عدم الاستقرار والنزاع الطائفي في نيجيريا.
 وقد ازداد التهديد الذي تمثله جماعة «بوكو حرام» منذ شهر أغسطس (آب) الماضي، عندما حذر قائد القوات الأميركية في أفريقيا الجنرال كارتر هام من أن الجماعة على علاقة بتنظيم القاعدة. وبعد فترة قصيرة من ذلك التحذير، تم قصف مقر الأمم المتحدة في أبوجا، وأصبح من المعتاد الإدلاء بتفسيرات تبسيطية تفيد بأن جماعة «بوكو حرام» هي المسؤولة عن الأزمة الأمنية المتصاعدة في نيجيريا. وقد أطلق شخص يدعي أنه المتحدث الرسمي باسم الجماعة – وهو اسم لا يعرفه أحد ولا يستطيع أي شخص التأكد من هويته أو تحديد لقاء معه – التهديدات وأدلى بتصريحات تعلن مسؤولية الجماعة عن الهجمات. وقد قبلت الحكومة النيجيرية ووسائل الإعلام الدولية تصريحات هذا الشخص بكل بساطة.
وفي أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أصدرت لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الأمن الداخلي في الكونغرس الأميركي تقريرا بعنوان استفزازي يقول: «(بوكو حرام): التهديد المقبل للأراضي الأميركية». ولا يقدم التقرير مثل هذه الحالة، ولكنه يشير إلى أنه قد تم إضافة هذه المنظمة للقائمة الأميركية التي تشمل المنظمات الإرهابية الأجنبية. ويختلف مكتب وزارة الخارجية الأميركية في أفريقيا مع هذه الرؤية، غير أن الضغوط التي تمارس من قبل الكونغرس والعديد من الوكالات الحكومية تتصاعد بصورة مستمرة.
يذكر أن جماعة «بوكو حرام» قد تأسست في عام 2002 بوصفها جماعة إسلامية سلمية، ولكن سرعان ما بدأ الساسة في استغلالها لأغراض انتخابية. وقد تحولت الجماعة لاستخدام العنف في عام 2009 إثر مقتل زعيمها، وهو شاب مسلم يدعى محمد يوسف، بينما كان يخضع للتحقيق من قبل الشرطة. وبعد ذلك، انتشرت لقطات فيديو توضح كيفية الاستجواب الذي خضع له يوسف، ولكن لم تتم محاكمة أو عقاب أي شخص مسؤول عن تلك الجريمة. وبناء على ذلك، قررت جماعة «بوكو حرام» الانتقام واستهدفت الشرطة والعسكريين والسياسيين المحليين؛ وجميعهم من المسلمين.
وكان واضحا في عام 2009، كما هي الحال الآن، أن السبب الرئيسي وراء العنف والغضب في كل من شمال وجنوب نيجيريا هو الفقر المدقع واليأس. وفي يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين، ناشد نيجيريون ذوو سلطة ونفوذ في مدينة مايدوغوري، التي يوجد بها مقر جماعة «بوكو حرام»، حكومة جوناثان أن لا تستخدم القوة وحدها في التعامل مع الجماعة. وعلاوة على ذلك، أكد السفير الأميركي في نيجيريا تيرني ماكولي، سواء سرا أم علنا، أنه يتعين على الحكومة إيجاد حلول للحرمان الاجتماعي والاقتصادي، والمستشري بدرجة أكبر في شمال البلاد، ولكن لم يستجب أحد لتلك المناشدات.
وبدلا من ذلك، تم تخصيص نحو 25 في المائة من ميزانية نيجيريا لعام 2012 للأمن، على الرغم من أن الجيش والشرطة دائما ما يتعاملان مع الهجمات باستخدام القوة والقتل بشكل عشوائي. في الواقع، صرح كثير من النيجيريين الذين تحدثت معهم في شمال شرقي البلاد أنهم يخافون من الجيش أكثر مما يخافون من جماعة «بوكو حرام».
وفي الوقت نفسه، تطورت جماعة «بوكو حرام» لتشمل العديد من الجماعات الإجرامية التي تدعي الانتماء لها. وقد أصدر جهاز أمن الدولة النيجيري بيانا في الثلاثين من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يحدد من خلاله أعضاء أربع «عصابات إجرامية» تقوم بإرسال رسائل تهديد نصية باسم جماعة «بوكو حرام». ويقوم النيجريون الجنوبيون – وليس المسلمون في الشمال – بإدارة ثلاث من هذه العصابات الأربع، بما في ذلك تلك العصابة التي دفعت السفارة الأميركية وغيرها من البعثات الأجنبية لإصدار التحذيرات التي جعلت كل المقيمين في الفنادق الراقية في أبوجا يتركونها بسبب الخوف. والأسبوع الماضي، اعتقلت أجهزة الأمن جنوبيا مسيحيا يرتدي زي الشماليين المسلمين بعد أن أضرم النار في إحدى الكنائس في منطقة دلتا النيجر. في الواقع، إن حقيقة الإرهاب الديني في نيجيريا ليست دائما كما يبدو.
ومع ذلك، لا تعد هذه تبريرات أو أعذار لقيام جماعة «بوكو حرام» بقتل الأبرياء، ولكنها تساؤلات حول التسرع في الحكم الذي يحجب الواقع المعقد للغاية في نيجيريا.
ويعتقد كثير من النيجيريين بالفعل أن الولايات المتحدة تقدم الدعم، من دون قيد أو شرط، لحكومة جوناثان، على الرغم من ضعفها وعيوبها. ويعود السبب وراء هذا الاعتقاد إلى أن واشنطن قد أشادت بالانتخابات التي عقدت في شهر أبريل (نيسان) والتي رأى المراقبون الدوليون أنها كانت تتمتع بالمصداقية، إلا أن العديد من النيجيريين، لا سيما في الشمال، يرون عكس ذلك. وبالمثل، فإن دعم واشنطن المالي لقوات الأمن في نيجيريا، على الرغم من ارتكابها انتهاكات جسيمة في مجال حقوق الإنسان، يثير غضب النيجيريين المسلمين في الشمال.
ولم تساعد الإجراءات التي اتخذها جوناثان مؤخرا في تحسين الأمور. وقال جوناثان في بيان للشعب النيجيري الأسبوع الماضي: «تعد قضية التفجيرات واحدة من الأعباء التي يتعين علينا أن نتعايش معها». وفي ليلة رأس السنة الجديدة، أعلن الرئيس جوناثان حالة الطوارئ في أجزاء من أربع ولايات في شمال البلاد، مما أدى لزيادة النشاط العسكري هناك. وأعلن في يوم رأس السنة الميلادية الجديدة عن رفع الدعم عن المنتجات النفطية، مما أدى إلى ازدياد الغضب الشعبي بسبب زيادة أسعار الوقود بأكثر من الضعف، وبالتالي زيادة تكاليف النقل وأسعار المواد الغذائية بشكل كبير في بلد يعيش 90 في المائة من سكانه بدولارين أو أقل يوميا.
ومنذ عودة نيجيريا إلى الحكم المدني في عام 1999، استغل العديد من السياسيين الاختلافات العرقية والإقليمية والدينية لتحقيق أغراضهم الشخصية. إن المسلمين في الشمال؛ بل وجميع النيجيريين، بحاجة ماسة لتشكيل حكومة تستجيب لاحتياجاتهم الأساسية: الأمن الشخصي، والأمل في تحسين أوضاعهم المعيشية. في الواقع، يشعر النيجيريون بغضب شديد من السياسات الحكومية.
وينبغي للولايات المتحدة أن لا تسمح لنفسها بالانجراف إلى هذه الرمال المتحركة من خلال التركيز على جماعة «بوكو حرام» وحدها. وينظر العديد من المسلمين في الشمال – بما في ذلك عدد كبير من المحبين للولايات المتحدة منذ وقت طويل – إلى واشنطن على أنها منحازة للرئيس المسيحي القادم من الجنوب. ويجب على الولايات المتحدة أن تعمل على تجنب تحويلها إلى عدو لنيجيريا، حيث إن وضع «بوكو حرام» على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية سوف يجعل مزيدا من النيجيريين يشعرون بالخوف وانعدام الثقة في الولايات المتحدة. 

السابق
مرارة فرنجية: تهميش معطيات غصن؟
التالي
الأعور: النائب وليد جنبلاط لا يمثل الدروز الذين أضعفهم واستعبدهم