أزمة العقل الشيعي في لبنان (3)

من أهم أدوار العقل الديني الشيعي المفترضة , أو الدور الذي ينبغي أن يلعبه العقل الديني الشيعي , هو العمل من أجل تأسيس وتشكيل خطاب ديني تربوي يهدف الى الحفاظ على سلامة ونظافة الفطرة الانسانية , التي خُلق الانسان عليها , لان سلامة الفطرة تساعد الانسان على تلقي الملكة النفسانية الحميدة التي تجعله يتحلى تلقائيا بمجموعة من القيم الاخلاقية والدينية والاجتماعية والى ما هنالك من صفات جمالية وكمالية عند الانسان , وهذه هي المعايير التي يفترض ان يوّصف من خلالها الانسان على أنه متديّن او ليس متديّن , من خلال تفعيل النزعة الانسانية في الثقافة والفكر والسلوك , التي ركّز عليها الامام علي عليه في مقولته الشهيرة التي جعلها معيارا للعلاقات الانسانية , حيث قال : " الناس صنفان اما أخ لك في الدين , واما نظير لك في الخلق ".
عندما تسمع وتدقق في الخطاب الشيعي السياسي والديني في لبنان , وتلحظ التناقض في المواقف والتوصيفات لبعض القضايا الانسانية , وأبرز هذا التناقض يتجلى برفض واستنكار قتل الاطفال والابرياء في مكان دون مكان آخر ( لا يجوز قتل الاطفال والابرياء في فلسطين والبحرين وغيرهما بينما لا نسمع الاستنكار والتحريم لقتل الاطفال والابرياء في سوريا بغض النظر من هو الطرف الذي يقتل , هنا نؤكد اننا نرفض القتل والتعذيب واي نوع من انواع القهر للإنسان في كل زمان وكل مكان ) المفترض بالعقل الشيعي ان يستنكر ويحرّم هذا النوع من القتل اينما كان ومن أي جهة صدر , فان دلّ هذا على شيئ فانه يدل على ان العقل الشيعي في لبنان ليس في أزمة فحسب بل هو في أزمة بنيوية خطيرة , ويكمن خطر هذه الازمة في انها تشوّه الحّس الانساني لدى أتباع المذهب الشيعي الكريم , حيث اننا نسمع في حواراتنا اليومية مع البعض كلاما ليس له علاقة البتة بالثقافة الانسانية التي تفرض على الانسان ان يحب لأخيه الانسان كما يحب لنفسه , ومن أهم أسباب التأزم هذا هو سيطرة وهيمنة الخطابان السياسي والديني على العقل الشيعي مما جعلاه يتخبط في ما هو فيه , وبالتالي لا ندري من يصنع الاخر , الخطاب يصنع عقلا , او العقل يصنع خطابا .
يقول السيد أحمد الخميني :" اني اعتقد ان الذي جعل من الامام الخميني إماما وأدّى الى تنامي نهضته الاسلامية التاريخية , هو جهاد سماحته المتواصل ضد المتحجرين والمتظاهرين بالقداسة والمتخلفين ." هذا الامام الذي ما انفك يندد بأعلى صوته بمن سماهم علماء ( الحيض والنفاس ) , المتطربشين بالقدسية , الافاعي الرقطاء , الاغبياء , المتخلفين , الذين قصموا ظهر النبي(ص) والذين فيهم مرتزقة وعملاء وفيهم من هو أسوأ من شمر ويزيد بن معاوية ( مأخوذ من خطبة للإمام الخميني موجهة الى العلماء في 15 رجب 1409 ه ).
ويرى العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله "قدس" ان القداسة التي تُعطى لرجل الدين ليست ضرورية وليست دينية , وإن رجال الدين كغيرهم من الناس فيهم المخلص وفيهم المزيّف والمتخلف والواعي , وإنهم ليسوا معصومين وليسوا مقدسين , فإن أحسنوا كان لهم أجر المحسنين , وإن أساؤوا كان عليهم ما على المسيئين .( كلام السيد فضل الله مأخوذ من مجلة بيّنات ).
ما هو الذي دفع بعض العلماء لهذا القول او الاقوال اوالتنبيهات , لولا أنهم شعروا بأزمة العقل الشيعي .؟؟..كما نشعر الان في لبنان ..؟؟

السابق
ناشطون في المنطقة الشرقية: بيان الداخلية السعودي مهزلة وسخف
التالي
فوضى الضاحية: قميص الأمن يلطّخ لابسه