الكتائب: تناقضات الشيخوخة

يرفع حزب الكتائب شعارات كثيرة. كلّ يوم يُضيف إليها شعاراً. هو حامي حقوق المسيحيين، والمدافع عن الدولة تحت غطاء بكركي. لكن الشعارات شيء، والممارسة شيء آخر. تتزايد تناقضات الكتائب بين الشعار والممارسة يوماً بعد آخر. ربما هي عوارض الشيخوخة

يرسم النائب سامي الجميّل أحلاماً كثيرة. يطمح إلى زعامة تُضاهي زعامة عمّه الراحل بشير الجميّل. يضع لنفسه مهمات كبيرة، على رأسها الدفاع عن الوجود المسيحي. يُفكّر بحلول للنظام السياسي. تقفز اللامركزيّة السياسيّة أمام عينيه. يتبنّاها بمساعدة فريق مستشاريه المكوّن في أغلبه من «رفاقه» في حركة « لبناننا». تترجم أفكار المستشارين هؤلاء بمشاريع قوانين. يتبنى خيار النسبيّة عبر اقتراحه لقانون انتخابات للبلديّات. يُشيع في كلّ أوساط الكتائب أن النسبيّة هي الخيار النهائي. فجأةً، من دون مقدّمات، يعود الشاب إلى قوقعته. يُريد قانوناً ينتخب فيه المسيحيون المسيحيين والمسلمون المسلمين. لا مجال للنقاش. يحمل قانونه ويذهب به إلى اجتماعات اللجنة المؤلفة من بكركي للاتفاق على قانون للانتخابات. يُناقشه زملاؤه في النسبيّة. يرفضها، ثم يقول: «لكنني أوافق إذا اتفقتم على ذلك». لا يُريد سامي الجميّل أن يخرج من سقف بكركي.

غريب أمر الكتائب والنسبيّة. لكن مقعد فتى الكتائب في المتن غالٍ على القلب. الأمر لا يقف هنا. يُردّد مسؤولو حزب الكتائب ليلاً ونهاراً أن حزبهم يتمدّد، وأنه بات القوّة الأولى في المتن، ولاعباً أساسياً في زحلة وكسروان، لا بل يصل الأمر فيهم في بعض الأوقات إلى القول إنهم حصدوا من جمهور التيّار الوطني الحرّ. طيب، إذا كان ذلك صحيحاً، فلماذا الخوف من النسبيّة؟
 تبقى بكركي مربط الخيل. يتماهى فتى الكتائب معها بالكامل يوم كان البطريرك نصر الله صفير سيّدها. لكن الأمر مختلف عندما يتولّى بشارة الراعي قيادتها. يرغب حزب الكتائب في التماهي مع الراعي. يتفق كلّ من في الحزب على ذلك. لكن مواقف الراعي ليست على مزاج الكتائبيين، ولا سيما موقفه من سلاح المقاومة ومن النائب ميشال عون. مشكلة. لكنّ الكتائب، وإن كانت تُشدّد على مواقف مناهضة بالكامل لسلاح المقاومة، ووصل الأمر برئيس الكتائب، أمين الجميّل، إلى القول إن عصر المقاومة انتهى بعد تحرير الجزء الأكبر من لبنان في أيّار عام 2000، وأيضاً موقفها من سوريا يتباعد عن موقف الصرح، إلا أن مسؤولي الكتائب لا ينفكّون يؤكّدون التناغم مع بكركي. يرفض هؤلاء مشاركة حزبهم في لقاء سيّدة الجبل (مسيحيو 14 آذار). لا يُريدون تكتلاً يواجه بكركي. كلّ ما في الأمر أن حزب الكتائب يُريد أن يحجز مقعداً دائماً له في حضن بكركي، أو في حضن السلطة. سوّق الكتائبيّون لفكرة أنهم حزب رئيس الجمهوريّة، حتى خرجوا خالي الوفاض. واليوم يُسوّقون أنهم حزب البطريركيّة. وفي عقل الرئيس أمين الجميّل أن بكركي تكون المنقذ لحزبه إن سقطت في امتحان السياسة اللبنانيّة مرّة أخرى.

لا تقف تناقضات حزب الكتائب عند هذا الحدّ. يُنادي الجميّل الأب بالدولة ويُدافع عنها. يقول في تصريح له منذ ثلاثة أيّام الآتي: «الدفاع عن الوطن لا يكون إلا من خلال المؤسسات الدستوريّة ووحدة الشعب وتضامنه عملاً بالنظام الديموقراطي». لكن عندما يتواجه طلاب الكتائب مع القوى الأمنيّة والجيش بعد الانتخابات الطلابيّة في جامعة سيدة اللويزة في الزوق، ويُعتقل شبّان كتائبيّون، يخرج رئيس إقليم كسروان الكتائبي سامي خويري ويُطلق النفير. استطاع خويري أن يجمع ما يصل إلى 600 شاب في محيط الجامعة. تُحسب لخويري أن قسم كسروان نما في حضنه، لكنّ المشكلة ليست هنا. أقفل شباب الكتائب الطرق المؤديّة إلى الجامعة ورفضوا فتحها إلّا بعد إطلاق سراح «رفيقيهما». تواصلت معهم استخبارات الجيش، وطلبت منهم فتح الطرقات ليُطلق سراح الشباب لاحقاً. رفض الكتائبيّون. هيبة الجيش على المحك. لا يُمكن التراجع أمام حزب ما. أصرّ الكتائبيّون. لا يقف الأمر هنا. يُفاخر الكتائبيّون بالذي فعلوه في محيط الجامعة. يعدّونه نصراً. وهنا تناقض جديد. الدولة التي يُنادي الكتائب بها ذهبت دوساً تحت الأقدام في كسروان. أيّاماً قليلة بعد هذه الحادثة، كتب أحد الإعلاميين الكتائبيين على صفحته على الفايسبوك: «أيها البشيريون، يا أبناء القضية التي لا تموت، أحفاد الفينيقيين تلامذة البشير، اغسلوا بذلاتكم الزيتية. امسحوا الغبار عن أحذيتكم السميكة، احشوا بنادقكم… فأيام المقاومة قد عادت… لنُرِهم كيف يكون الرجال… ولنرَ كيف يهرب المخنثون الجبناء يوم نصرخ من جديد».

كتب هذا الشاب الكسرواني كلماته هذه قبل أيّام من احتفاليّة النائب نديم الجميّل في قصر الرئيس إميل لحود للمؤتمرات في الضبيّة (لم يكن اسم لحود وارداً في الدعوة)، إحياءً لذكرى «المقاومة اللبنانيّة». المطالبون بالدولة سقطوا في فخّ الميليشيات. عادوا إلى موسيقى سلاح الإشارة وسلاح المدفعيّة وغيرهما من قطعات القوات اللبنانيّة العسكريّة. استعيد تاريخ بشير الجميّل حينها من دون الإشارة إلى الاجتياح الإسرائيلي لبيروت. حشد الجميّل جمهور كبيراً في تلك الأمسية الموسيقيّة ـــــ العسكريّة، لكنّه جمهور متعطّش للغة السلاح، لا للغة الدولة.
التناقض الأبرز كان في تلك الأمسية. الحزب المنادي بالديموقراطيّة يُقاطع نفسه. الرئيس أمين الجميّل لا يحضر الأمسية. سامي الجميّل كذلك. لكن الأخير يملك عذراً، هو لم يكن في البلد. الانقسام الحزبي كان واضحاً. لم يُصفّق الجمهور لصورة أمين الجميّل. لولا العيب والحياء لـ«صيّح» الجمهور ضدّ الجميّل. 

السابق
الاخبار: العربي يُعدّ لمؤتمر موسَّع للمعارضة: غليون في موسكو لتجنُّب تدخُّل عسكري
التالي
تهنئة علوش !!؟