ماذا تعني أزمة اليورو للاقتصادات العربية؟

ما الذي تعنيه أزمة منطقة اليورو بالنسبة للاقتصاديات العربية؟ في الحقيقة، أنا لا أعرف إجابة هذا السؤال حتى الآن، ولكن من السهل للغاية أن نستكشف ذلك سويا.
في البداية، يجب أن نعرف أن أزمة منطقة اليورو هي أزمة ديون سيادية، وليست جزءا من الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008 والتي كان صناع السياسة يعلمون وقتها ما يتعين عليهم القيام به للحيلولة دون حدوث كساد على شاكلة الكساد الكبير الذي ضرب العالم في الثلاثينيات من القرن الماضي. ولكن أزمة منطقة اليورو مختلفة تمام الاختلاف، حيث لا توجد إجراءات محددة ومتعارف عليها يجب اتخاذها. لقد أدت أزمة الديون السيادية الأوروبية والمخاوف من حدوث ركود عالمي جديد إلى القضاء على شهية المستثمرين للدخول في مخاطر جديدة. وعلاوة على ذلك، أدى القلق من ارتفاع مستويات الديون الحكومية في جميع أنحاء العالم جنبا إلى جنب مع موجة من تخفيضات مستوى الدين الحكومي الأوروبي إلى انتشار الذعر والقلق في الأسواق المالية.

لقد اندلعت الأزمة الحالية نتيجة تراكمات على مدى عقود عديدة، ومن يعتقد أنها أزمة وليدة اللحظة فإنه لم يقرأ ما يكفي من تاريخ القرن العشرين. في الواقع، يجب إعادة بناء مصداقية السوق، حتى يتم استعادة الثقة في اليورو. وقد تحولت تلك المشكلة إلى مشكلة سياسية بسبب تراكم الديون السيادية على المدى الطويل. وربما تعود بعض الثقة إلى الأسواق الآن بعد استقالة رئيس الوزراء الإيطالي سلفيو برلسكوني من منصبه وتأدية لوكاس باباديموس لليمين الدستورية كرئيس للوزراء في اليونان.
وقبل الإجابة عن السؤال الذي طرحناه في البداية، يتعين علينا معرفة بعض ما حدث في الماضي لأن ذلك سيكون مفيدا للغاية.

في عطلة نهاية الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر (تشرين الأول) لعام 1990، كانت رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر في القمة الأوروبية في العاصمة الإيطالية روما، وأثناء تلك القمة كان الاتحاد النقدي الأوروبي على رأس جدول الأعمال. وكانت ثاتشر تتوقع أن يكون التضخم هو الهاجس الرئيسي لألمانيا، في حين أن اليورو سيكون قاتلا بالنسبة للبلدان الأكثر فقرا لأنه سوف «يدمر اقتصادياتها غير الفعالة». ويبدو كثير من توقعات ثاتشر أصبح معقولا الآن.
وعلى الرغم من تردد وحيرة النخبة السياسية في التعاطي مع أزمة اليورو، فإن استراتيجية زعماء منطقة اليورو ليست مجرد استراتيجية «تسويف»، حيث تهدف هذه الاستراتيجية إلى إيجاد وسيلة لتشتيت قوة الانفجار الناجم عن أزمة الديون. ويمكن القول بأن سوق السندات في إيطاليا قد زادت من فرص حدوث تفكك في منطقة اليورو في نهاية المطاف، على الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا من إمكانية حدوث ذلك. وإذا لم تتمكن إيطاليا من إيجاد تمويل بمعدلات معقولة وإذا لم تتوسع موارد بقية منطقة اليورو لإنقاذ المنطقة من المأزق المالي الحالي، فسوف تتلاشى إحدى أهم مميزات منطقة اليورو وهي «معدلات الفائدة المنخفضة»، وهو ما يضعف من إمكانية البقاء في منطقة اليورو.ولا أعتقد أن منطقة اليورو سوف تنهار، ولكني أعتقد أنه قد تم الاستهانة بالفوضى المالية والاجتماعية التي من شأنها أن تتبع ذلك الانهيار في حال حدوثه، حيث إن ذلك سيؤدي إلى صدمة مالية عملاقة، كما يمكن أن ينهار الائتمان لفترة ما. ولكن السؤال الآن هو: ما الذي تفكر فيه البلدان الكبرى الأخرى؟
لقد صرح وزير الخزانة الأميركي تيموثي جايتنر الأسبوع الماضي بأنه يعتقد أن القادة الأوروبيين سوف يلجأون لبعض الأساليب التي استخدمتها الولايات المتحدة أثناء الأزمة المالية. وقد أشارت صحيفة «الشعب» اليومية الصينية إلى أن أزمة الديون في منطقة اليورو سوف تلقي بظلالها على الصين من خلال تقليل حجم الطلب على الصادرات. لقد شاركت شخصيا في مشروعات كبرى للبنية التحتية في الصين لأكثر من خمسة عشر عاما وقد استمتعت خلال تلك الفترة بقراءة صحيفة «الشعب» اليومية، وأود أن أقول إن تعليقاتها مميزة للغاية وتتسم بالتبصر الشديد. وعندما تستقر أوروبا، وهذا ما أتوقعه، قد نجد أن النمو قد تضرر بشدة نتيجة لحجم الأزمة حتى الآن، ولكن تجنب هذا الضرر سيعد حافزا قويا للاقتصاديات التي تعمل على تعزيز النمو الآن. وقد تكون تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الدول العربية أقل حدة بالمقارنة بمناطق أخرى من العالم بسبب القوة الكبيرة لهذه الدول. في الواقع، لا تعد معظم الدول العربية عرضة للخطر من تأثير الأزمة المالية حتى الآن.
ومع ذلك، لا يزال تأثير الأزمة على الاقتصاد الحقيقي يتكشف في الوقت الحالي وقد يكون كبيرا في كثير من البلدان. ولكن الحكومات التي لديها قدرة مالية كبيرة ستكون في موقف أقوى لمواجهة تأثير الأزمة على الاقتصاد الحقيقي. ومع ذلك، كانت كثير من البلدان العربية تعاني من عجز مالي حتى قبل الأزمة. وسيكون لأزمة اليورو تأثير مباشر وكبير على الطلب العالمي على النفط، حيث إن أي انخفاض سريع في أسعار النفط أو استمرار انخفاض معدلات الأسعار لفترة طويلة نتيجة للانكماش الاقتصادي العالمي سوف يؤدي إلى تراجع في نمو الصادرات.
ويمكن تصنيف الدول العربية إلى أربع فئات – الدول المصدرة للنفط والتي تتمتع بقدرة مالية كبيرة وتعداد سكاني قليل؛ الدول المصدرة للنفط ذات الكثافة السكانية العالية؛ البلدان غير المصدرة للنفط والتي لديها علاقات قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ بلدان متنوعة لديها روابط قوية مع أوروبا في المجالات التجارية والسياحية.

تتمتع دول مجلس التعاون الخليج المصدرة للنفط والتي لديها قدرات مالية كبيرة وكثافة سكانية منخفضة بأنها في الوضع الأفضل الذي يمكنها من امتصاص الصدمات الاقتصادية. وأثناء الأزمة كانت هذه الدول تتمتع بمواقف قوية بشكل استثنائي، وهو ما أعطاها قدرة كبيرة على امتصاص تأثيرات التراجع العالمي. ومع ذلك، فإن انخفاض أسعار النفط بشكل مطرد سوف يجبر هذه الدول على السحب من الاحتياطي النقدي المتوفر لديها والحد من الاستثمارات. وأود أن أشير إلى أن هذا السيناريو قد لا يكون واردا. أما المجموعة الثانية فتشمل البلدان المصدرة للنفط والتي تحصل على عائدات نفطية كبيرة، ولكنها تعاني من تعداد سكاني كبير والتزامات اجتماعية كبيرة، وهو ما يجعل من الصعب عليها القيام بضبط النفقات وقت فترة الانكماش الاقتصادي. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة المالية العالمية ووضعها المالي والخارجي أضعف من دول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للنفط. ومن المرجح أن تواجه تلك الدول تحديات مالية، حيث تحاول حكومات هذه الدول مواجهة التحديات الاجتماعية طويلة الأمد.
وتأتي بعد ذلك البلدان غير المصدرة للنفط والتي تتمتع بروابط قوية مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التحويلات والاستثمار الأجنبي المباشر والسياحة. وقد دخلت هذه البلدان الأزمة وهي في الموقف الأضعف، سواء من حيث الموازين المالية أو الخارجية. إن استمرار انخفاض أسعار النفط سوف يجعل هذه البلدان عرضة لانخفاض التحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي، وستتزايد الضغوط الاجتماعية مع عودة العمال المهاجرين.
وأخيرا تأتي الدول التي ترتبط بروابط قوية مع أوروبا في التجارة والسياحة، وهي الدول التي ستشعر بأكبر أثر اقتصادي نتيجة قلة الطلب الأوروبي على الواردات وقلة الإنفاق السياحي، كما سيقل نصيب تلك الدول من الاستثمار الأجنبي المباشر من أوروبا. وسوف يكون تأثير أزمة منطقة اليورو بمثابة إضافة إلى العوامل الأقل أهمية التي أثرت على تلك الدول.
وبناء على ذلك يتعين على جميع البلدان العربية أن تسرع من عملية تطوير البنية التحتية والتطورات الاجتماعية وأن تسخر كافة إمكانات القطاع الخاص. ولكي يتم ذلك بصورة جيدة، يتعين عليها أن تتمكن من جذب التمويل اللازم. وفي الحقيقة، لم يختف التمويل، ولكن أصبح من الصعب الحصول عليه وأصبح يتطلب وضع خطط تجارية قابلة للتمويل. وعلى الرغم من أن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو تعد مشكلة كبيرة، فإنها تخلق فرصا لبعض الاقتصاديات العربية كي تغير من موقعها على المدى الطويل
 

السابق
عقبات إعادة هيكلة الديون السيادية اليونانية
التالي
عبود: موقف منصور إتخذ بالتنسيق مع رئيسي الجمهورية والحكومة