فصل المحكمة عن تطورات الثورات العربية

تشكل عودة التوازن الاقليمي وتأثيراته في لبنان، هاجسا اساسيا بعدما مالت دفة الميزان في الاشهر الاخيرة إثر تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، الى فريق المعارضة ومن يمثل في المحور الايراني – السوري.وجاءت الاحداث المصرية وانشغال السعودية بترتيب اوضاعها الداخلية، وهما الدولتان الاكثر تأثيرا في احتضان قوى المعارضة الحالية، لتضاعف الخلل في التوازن المحلي نتيجة ميل الدفة اقليميا.
ولم تكن الانعطافة القطرية والمساعدة التركية لتشكلا وحدهما بيضة القبان، رغم ان الاحداث السورية جاءت في لحظة مفصلية لتشكل بداية الخرق في المحور الايراني السوري.

ومع تفاقم التطورات السورية، لم يبد الانتعاش واضحا على فريق المعارضة وفي 14 آذار، لان هذا الفريق، سعى الى تحييد نفسه خشية مضاعفة التأثيرات السلبية على الوضع الداخلي وما يمكن ان يزيد تورط لبنان في دوامة عنف، امتدادا الى العنف السوري. الا ان هذا الفريق عانى ايضا استمرار الغطاء العربي الذي شكل سندا له في ملفين اساسيين هما المحكمة وكف اليد السورية عن لبنان.

وبحسب مصادر مطلعة فان اهمية اللحظات الراهنة تكمن في ان ثمة فصلا جوهريا بين الملفين، ولم تغرق المحكمة الدولية تبعا لذلك في متاهات الثورة العربية. لا بل يتأكد يوميا ان مسار المحكمة مستمر ومنفصل عن معالجة الوضع العربي بحسب معلومات مسؤولين لبنانيين، بدليل بدء الجلسات التمهيدية للمحكمة الاسبوع المقبل، وحرص ارفع المسؤولين الدوليين والاممين على تحذير لبنان من مغبة عدم التزام تمويل المحكمة. وهذا يعني ان ملف المحكمة لن يكون من ضمن بنود اي بازار او تسوية اقليمية، الا في ما يمكن ان يقدمه هذا الطرف او ذاك من تنازلات تتعلق بوضعه ووضع حلفائه لا اكثر.  لذا تتحول الانظار تلقائيا الى اعادة التوازن الداخلي من طريق اعادة ترتيب البيت العربي. وقد بات من المسلم به لدى اكثر من طرف نتيجة ما تبلغه البعثات الديبلوماسية ان النظام السوري يريد ان يربح وقتا لا اكثر بقبوله المبادرة العربية. وسمعت شخصيات لبنانية في واشنطن كلاما عن ان النظام بات في حكم المنتهي، وان المسألة مسألة اشهر قليلة، نتيجة الضغط الداخلي الشعبي، والاهم بسبب الحصار الاقتصادي الذي سترتفع وتيرته تدريجا والى حد قاس، وقد يشمل ذلك لبنان ايضا في بعض مفاصله، بحسب تحذيرات غير مباشرة لمسؤولين لبنانيين. ولذا يتحول البحث مجددا عن مظلة عربية تحمي لبنان، في هذا الوقت المستقطع، بين جولات الحوار والعنف الاقليمي.

من هنا حمل تعيين الامير نايف بن عبد العزيز وليا للعهد في السعودية، اسئلة عن مدى تأثير هذا التعيين على الوضع اللبناني، كاحدى الساحات التي للرياض يد فيها. في ظل ارتياح المقربين من السعودية كمؤشر لاستعادة الرياض دورها في لبنان، في حين ان بعض اوساط الاكثرية الجديدة طرح اسئلة عن دعم الامير للحركات الاسلامية الاصولية وللمتشددين، وهو ما ينعكس في رأيهم على الوضع الداخلي اذا سارت الامور في لبنان نحو التأزم نتيجة العنف الطائفي السوري.
ويتحدث المطلعون على العلاقة السعودية اللبنانية عن ان هذا التعيين يحمل في طياته انعكاسا مباشرا بعدما كانت السعودية حتى الاسابيع الاخيرة، قد ابتعدت عن الدخول مباشرة على خط التطورات العربية في ضوء علاقاتها القديمة مع اركان الانظمة العربية التي سقطت، وانشغالها لاشهر طويلة بترتيب البيت الداخلي وصحة الملك عبدالله بن عبد العزيز، وبولي العهد الراحل الامير سلطان بن عبد العزيز الذي توفي في واشنطن.وجاء تجييرها لقطر قيادة المبادرة العربية تجاه سوريا، ليؤكد ابتعادها عن الدور الاول لبعض الوقت.

لكن ما حصل لجهة البدء بترتيب الاوضاع الداخلية بتعيين ولي عهد جديد، يفتح مجددا بحسب هؤلاء المطلعين احتمالات امام تاكيد الرياض مجددا دورها، وخصوصا ان السياسة السعودية كانت اصيبت بنكسة جراء سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري وما سبقها من فشل الدفع الذي قاده الملك عبدالله تجاه دمشق وانتج حينها زيارته مع الرئيس بشار الاسد لبيروت وعقد قمة بعبدا.
ووفق هؤلاء، فان خبرة ولي العهد بالملف الامني تعيد جملة اعتبارات الى الدور السعودي المبني على قاعدة معلوماتية واسعة في مقاربة ملفات المنطقة، ولبنان من بينها. ولا يخفى على السعودية ان ثمة محاولة لاستهداف دورها في لبنان، وان البعض انتهز فرصة ابتعادها للانقضاض عليها. الا ان ما يرتسم في الافق مجددا هو بداية مرحلة جديدة، تسمح مجددا برسم اطر سياسية تهدف الى حماية لبنان عربيا من خلال اعادة التوازن الاقليمي، اضافة الى تعزيز صورة الطرف الاسلامي المعتدل في لبنان وتعزيز حضوره في البلد في مقابل الوجه الاصولي الذي يحاول بعض الاكثرية التحذير منه، اذا نجحت الثورة السورية في فرض حضورها وتغيير النظام.
ويثير استعادة السعودية لدورها بطبيعة الحال ارتياح قوى المعارضة في ظل تأكيدات من جانب "المستقبل" أن العلاقة بين ولي العهد والحريري اصبحت جيدة منذ وقت. يضاف الى ذلك ان استتباب الحالة المالية للحريري وانتهاء الازمة المالية، وهو ما ستبدأ معالمه بالظهور تدريجا، يساهم الى حد كبير في اعادة تعزيز الوضع الداخلي للمعارضة .  

السابق
الانباء: ميقاتي لا مع ولا ضد دمشق.. والحريري يحذّر من الالتفاف على المبادرة العربية
التالي
السفير: واشنطن تدير الصراع في سوريا: لا تسلّموا السلاح إلى السلطة!