شباب الشيوعي في ذكرى التأسيس

احتفل الشيوعيون قبل أيام قليلة بالذكرى السابعة والثمانين لتأسيس حزبهم. لم يحضر الجميع. ثمة فئة تشعر بأنها ليست في وارد تلبية أي دعوة حزبية. اعتبارات شتى تقف خلف اعتكاف أفرادها، خاصة الشباب منهم، عن المشاركة. الحزب الذي شارف على بلوغ المئة عام، يبدو أن لا مكان فيه اليوم إلا لمن يمكن تسميتهم بـ"الجيل القديم". كيف للحزب أن يستمر بهيكلية تنظيمية هرمة؟ لماذا لا تشرع الأبواب أمام دخول الشباب بكامل قوتهم؟ لماذا بعض هؤلاء الشباب الحزبيين منكفئ على نفسه فلم تعد تجدهم في مقدمة كل تظاهرة مطلبية؟ أين هم رواد وبوصلة كل تحرك نقابي وعمالي؟

"عندما تدخل إلى الحزب تشعر وكأنك تخطو إلى تحقيق حلمك. لكنك ستكتشف لاحقاً أن حلمك هذا قد ضاع". يقول محمد غربية الذي قرّر الابتعاد منذ فترة. ينتمي محمد إلى تلك الفئة من الشباب التي حلمت بالتغيير والانعتاق من أسن الطوائف. دخلت الحزب ثم حصلت الصدمة. "هناك مسافة شاسعة بين طموحات الشباب وبين مصالح القيادة. حيث إن هذه القيادة تستغل الشباب لمصلحتها وذلك حفاظاً على هيمنتها. حتى إن ما يسمى بالمعارضة داخل الحزب، بعيدة كلياً عن المعارضة، هي تقوم أيضاً باستغلال الشباب"، يقول محمد.

التنافر بين الشباب والقيادة، حدا بالكثير منهم إلى الابتعاد عن التنظيم. يؤمنون بالفكر، يحبون الحزب، ويحفظون عن ظهر قلب تاريخه، لكنهم لن يبقوا في مكان لا يحضنهم. هذه حال مهدي الذي يفصح أنه "بعيد تنظيمياً ومتوقف عن ممارسة أي نشاط حزبي". لماذا؟ "لأن عندي الكثير من الملاحظات، إضافة إلى الإحباط من لا جدوى العمل السياسي بشكل عام داخل الحزب وخارجه. أنا مصدوم من كل شي داخل الحزب. من تقسيمه ومن الشباب المتوزعين إلى مجموعات بدلاً من أن يكونوا موحدين. لذلك قررت أن أبحث عن مصلحتي من دون الآخرين"، يجيب مهدي، ثم يضيف: "لم نعرف نقداً لكل المرحلة السابقة، ونحن الشباب، استنزفنا "الكبار" في صراعاتهم وما زالوا".
إذاً، لا مكان للشباب إلا بما يتلاءم ومصالح القيادة. وبالتالي فإن غياب هؤلاء عن ساحات "النضال" لن يغدو أمراً مستغرباً، بحيث يخسرون وقتهم وجهدهم في مساندة هذا والوقوف في وجه ذاك، فيما هم غير موجودين في مكانهم الطبيعي، في الجامعات والنقابات. "عندما يصير الحزب مجرد اسم فمن الطبيعي أن يغيب الشباب"، يقول محمد الذي يلفت إلى أن الحزب "لا مشكلة لديه إذا فرغ من الشباب".
ويأخذ على الحزب مواقفه الرمادية تجاه قضايا حساسة، ومنها الثورات الشعبية في العالم العربي وتحديداً في سوريا، في وقت يرى هؤلاء أن على الحزب اتخاذ موقف صريح لا يحتمل اجتهادات وتفسيرات. فهذا محمد يعتبر أن "مواقف الحزب دائماً فضفاضة وازدواجية، كموقفه من الثورة السورية مثلاً!".
هذا التنافر بين مصالح القيادة وأحلام الشباب يؤدي بحسب البعض إلى إبعاد الشباب عن دائرة القرار. سامر صالح يقول "كان يتوجب منحنا دوراً رئيسيا، لأسباب عدة أهمها أن القيادة الموجودة لا تمثلنا أو تعبّر عنا، فهي قيادة طامعة بالكرسي ويتملكها الخوف من التحقيق بالكثير من الأمور المشبوهة التي حصلت في الماضي، خاصة أن لدينا اندفاعا واستعدادا لكشف كل شيء من دون خوف من أحد. إضافة إلى أننا نعدّ العصب الرئيسي في الحزب، وأي حزب يسعى ليبقى في الواجهة. وكذلك الأمر بالنسبة لإبعادنا عن دائرة اتخاذ القرار فإنه يحصل لأننا لا ندخل زواريب السياسة، بل نناقش الأمور من منظار إنساني وفكري، على عكس القيادة التي تعتقد واهمة أنها تمارس السياسة في وقت لا تكفّ فيه عن "التخبيص". ويعتقد سامر أن "لا مستقبل للحزب إلا بالشروع في نقد ذاتي لكل الفترة الماضية، وإعادة الروح إليه بإجراء انتخابات ديموقراطية تسمح بلم الشّمل".

يعيش الشيوعي اليوم حالة من اللامبالاة، والطالب الجامعي مثال على ذلك. وعندما يتحرك لهدف مطلبي، كمساندة أساتذة الجامعة اللبنانية في إضرابهم مثلا، فإن ذلك يحصل بدافع شخصي. يشير محمد إلى أن "الشيوعيين الذين أعلنوا تضامنهم مع الأساتذة فعلوا ذلك من دون قرار حزبي. فالحزب لا يسأل ولم يحضن طلابه في الجامعات. الأمر الذي يدفعنا للابتعاد عن ممارسة أي نشاط".
في المقابل، يحمل حسان زيتوني آراء مختلفة. فهو يعتبر أن نشاط الطلاب الشيوعيين حالت دونه عقبات كثيرة، من اغتيال الحريري وحرب تموز وما تلاها، ليقلص هامش تحرك الطلاب داخل الجامعة اللبنانية. ويشير زيتوني إلى أن الشباب الشيوعي كان "الهيئة الوحيدة المنظمة التي شاركت ونسقت ودعت إلى تظاهرة إسقاط النظام الطائفي"، قبل أن يختم أن هذا "لا يبرر بالطبع خمود فاعلية البعض، ولكن لا يصح التقسيم الحزبي بين شباب وكهول".
"شباب السفير" حمل حصيلة النقاش هذه وطرحها على مسؤول قطاع الشباب في الحزب الشيوعي أدهم السيّد.
"قبل مؤتمر الشباب الأول في 21 تشرين الثاني من العام 2010 لم يكن للطلاب والشباب الحزبي هيكلية تنظيمية واضحة"، يقول السيد شارحا كيف أن المؤتمر حدّد هذه الهيكلية وآلية الانتخابات والعمل فيها. ويعود قليلا إلى الوراء للرد على غياب الحزب عن النشاط الجامعي: "خضنا العمل السياسي في كافة فروع الجامعة حتى العام 2007، حيث منع على جميع الطلاب بشكل عام القيام بأي نشاط سياسي داخل الجامعة"، ويضيف أن دعم الحزب لأي تحرك مطلبي حررّ الشباب المتحزبين من قيود البيروقراطية، ومنحهم هامش تحرك واسعا من دون العودة إلى القيادة، في مجالس الفروع في الجامعات، كما في التحرك من اجل إسقاط النظام الطائفي.
أما عن التنافر بين الشباب والقيادة بأجنحتها، فيعتبر السيّد أن الحزب الشيوعي يُعرف بتنوع التيارات الفكرية فيه، وعليه فإن "المعارك" الداخلية هي في المحصلة صراعات إيديولوجية وليست صراع مصالح. والتقسيم بين شباب وكهول غير سليم أيضا برأيه، "فقد تكون شاباًَ ولا تحمل نية للتغيير وقد تكون هرماً وتعمل بنفس ثوري!".
يحمل السيّد على المنتقدين جهلهم بما يحدث لابتعادهم عن التنظيم. كما أن في كل عمل احتمال الوقوع في الخطأ، كما يبرر. ويضيف: "على هؤلاء المنتقدين العودة إلى الحزب وتفعيل دورهم". أما عن "المواقف المتذبذبة"، فيشير السيّد إلى أن الحزب مع ثورات الشعوب العربية في تطلعها إلى التغيير الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، إلا في حال واحدة: "عندما تطلب تدخلاً أجنبيا كما حصل في ليبيا، وكما يحصل اليوم في سوريا مع المطالبة بالحماية الدولية". لكن كيف يتوقع من شعب أعزل يقتل يومياً ألا يطالب بمراقبين دوليين أملاً في الحماية؟ "هذه افتراءات القنوات الفضائية. رفاقنا في سوريا يخبروننا أن الوضع هناك غير ما تتناقله الفضائيات"، يجزم السيّد.  

السابق
المطبخ اللبناني على جوّالكم!
التالي
تواريخ مهمة ..