عن رحلتي في بلاد الأميركان (5): الصهاينة في كل مكان.. والعلم الإسرائيلي يرفرف فوق الأعلام كلّها

اليهود جزء لا يتجزأ من النسيج الأميركي، وهم من أكثر الطوائف دلعاً وحقوقاً. ففي الجامعات تسيطر لجانهم الطالبية على معظم القرارات الصادرة عن الإدارة، وفي المصارف والمكاتب والمستشفيات… في كل مكان يلتقي زائر أميركا بيهود من أميركا أو من غيرها… وأيضاً بالصهاينة.

الصهيوني، عدو العرب الأول له، امتيازات خاصة لدى أقوى دولة في العالم، فمن يمتلك مشاكل جسيمة مع العلم الإسرائيلي لا يمكنه البقاء مطولاً في تلك الولايات، فالسفارة الإسرائيلية من أكبر السفارات الموجودة هناك، والعَلم الإسرائيلي يرفرف فوق معظم المنظمات الدولية، كمبنى الأمم المتحدة، في مقابل غياب العَلم الفلسطيني، فالعَلم الأزرق والأبيض موجود في كافة الجامعات والمدارس، وجمعيات المجتمع المدني، والهيئات التثقيفية والاجتماعية أيضاً. كذلك الأمر بالنسبة للقبعة اليهودية أو النجمة السداسية التي تصادفها في كل الأماكن، وتراها كيفهما توجهت.

للوجود الإسرائيلي رمزية، وخصوصية كبيرة، فاليهود من أقوى التكتلات وأكثرها نشاطاً وتواجداً على الساحة الأميركية، فهم المسيطرون على الإعلام المرئي والمسموع وعلى أهم مراكز القرار، وحتى على الأماكن السياحية… فـ"الهولوكوست"، أي المحرقة اليهودية وأسطورتها، لها رموز في معظم الولايات الكبرى، من واشنطن ولوس أنجلوس ونيويورك: متاحف متنقلة تنقل قصة المحرقة، التي إن كانت صحيحة فهي مضخمة، وإن كانت كذبة تاريخية فهي مفبركة بطريقة حرفية ذكية، تجذب مئات السواح الأجانب الذين يصدقون تلك القصص ويتعاطفون معها.

أما بالنسبة للعرب والمسلمين ومن هم أنصار القضية الفلسطينية فهم ينقسمون بين من يتجنب دخول تلك المتاهة لأن الأمر لا يعنيه، على قاعدة "آخر همنا الموضوع" و"لشو وجع هالقلب بها الكذبة"، وبين من هم متعصبون لعروبيتهم فيعتبرون دخول أماكن "الهولوكست" جرم وعمالة واعتراف بتلك المحرقة وبالتالي بالوجود الصهيوني والدولة الاسرائلية المتربصة بأراضي فلسطين، وهناك القسم الأكبر "الفضولي" الذي يعمد إلى زيارة تلك المتاحف ومعرفة مكنوناتها ومحتوياتها من تماثيل وصُوَر ولوحات… ويصرّ على الاستهزاء بكافة التفاصيل والقصص التي يقصّها المرشدون السياحيون الساعين لنقل قصص المعاناة والألم والاحتراق التي عاناها اليهود على يد "الجزّار" أدولف هتلر، والتي معظمها، إن سمعت بعيداً عن الصوّر الانسانية المفبركة "بحرفنة"، ما كان أحدا صدقها ولا اهتم بمشاهدتها.
 
التجربة الأميركية تترك لصاحبها ميزة التقرّب ورؤية الفكر اليهودي الصهيوني الحقيقي، وهذا بالفعل ما حصل معنا، إذ إننا قمنا بزيارة إحدى العائلات في لوس أنجلوس، بناء على دعوة من قبلهم، وتبيّن لنا لاحقاً من خلال الأسئلة التي طرحت والقصص التي ذكرت، بأنهم صهاينة وليسوا من يهود أميركا.

جلوسنا مع يهودي والتحدث معه أمر طبيعي وممكن، لكن حين تسأل: لماذا لا يقبل لبنان بالسلام مع إسرائيل؟ ولماذا ترضون بأن يبقى سلاح حزب الله هو المسيطر؟ وكيف يمكنكم – كشباب – أن تستمروا على هذا النهج لا سيما وأن قسما منكم يقيم في مساحة من الأرض الإسرائيلية… وأسئلة عديدة أخرى. إذاً هو إسرائيلي طارح السؤال، وذلك أمر غريب وممنوع أن يحدث، الأمر الذي دفعنا إلى المشارعة حيناً والمهاجمة حيناً آخر والدفاع عن لبنان وسيادته ومقاومته في كل لحظة، مع إجماع كامل أعضاء المجموعة بأن إسرائيل والصهاينة هم أعداء لبنان والعرب.

هو خلاف على المبادئ والأفكار ظهر من اللحظة الأولى لمعرفتنا أنه يهودي صهيوني، فتحوّل العشاء العائلي إلى صراع كلامي طاول كافة المجالات: لبنان، حزب الله، حماس، فلسطين.. إلى أن أقفل الحوار كما يحصل في كل المؤتمرات الدولية.. إلى نقطة اللانتيجة.. مع الالتزام بعدم مدّ يدنا للمصافحة، وعدم التقاط صُوَر تذكارية معهم لأن ذلك يعتبر اعترافاً وهو غير قانوني ويتنافى مع أحكام القضاء والسيادة اللبنانية.

كان للقاءات المختلفة مع صهاينة تأثيراً كبيراً على المجموعة اللبنانية التي اختلفت على كل المواضيع واتفقت على أحادية العدو. أما على الصعيد الشخصي، فقط تعززت أفكار عديدة كانت موجودة ومشتتة سابقاً، وأضيفت إليها العديد من الأفكار الإضافية لا سيما تلك القائمة على جهل او تجاهل المعلومات والقصص الإعلامية التي تحصل بين لبنان وإسرائيل.

فالأميركيون – الصهاينة لا يعلمون عن العداء العربي – الإسرائيلي سوى ما ينقل لهم عبر التلفزيون، وهو دائماً ما يكون ضدّ العرب، على قاعدة أنهم إرهابيين ويسعون ليل نهار إلى القضاء عليهم، إلاّ إنهم لا يعلمون تاريخ هذا الصراع وأسبابه، فالأرض الفلسطينية وصولاً إلى نهر الليطاني جنوب لبنان هي دولتهم، على ما يقولون، ونحن من اعتدى عليها وشتتهم في أقطار العالم.

جهل في التاريخ والتأريخ والجغرافيا عند الأطفال والشبان والعجزة في ظلّ سيطرة الأحادية القطبية للأقلام والوثائق والعقول. هذا ما يمكن أن نؤكده من لقاءاتنا وأحاديثنا المتنوعة معهم. فالفكر الصهيوني والأنانية والاستبداد التاريخي مزايا متجذرة في عقوله الصهاينة هنا وتنمو معهم منذ نعومة أظفارهم على أساس أنهم "شعب الله المختار" الذي يجب أن يسيطر على كل شيء وأن يكون الشيء وكل ما يدور في فلكه تحت إمرته!!

التجربة الصهيونية من أجمل تجارب الرحلة الأميركية الطويلة، وكل عربي يبحث عن زيارة أميركا للترفيه أو الإقامة ولا يستطيع مجاراة هذه السيطرة الصهيونية على مفاعيل الحياة والسياسة الأميركية، الأجدى به أن يبقى مكانه لأن القبعة الصغيرة تملأ الأمكنة والعَلم الإسرائيلي يرفرف فوق كافة الأعلام. 
 يتبع

السابق
نحاس: النقاشات داخل مجلس الوزراء مهمة
التالي
حوري: وثيقة سيدة الجبل متناغمة مع الطروحات الوطنية