نصرالله يريد السلطة وعدم تمويل المحكمة!؟

 قد تبدو هذه المعادلة للوهلة الأولى غير واقعية، لأن الخيارات المتداولة تضع الأمور بين خيارين لا ثالث لهما، إمّا الاحتفاظ بالسلطة الذي يعني تقطيع التمويل، وإمّا رفض التمويل الذي يعني استقالة الحكومة، لأن رئيسها في غير وارد الانقلاب على التزاماته وتعهداته، خصوصا أنه أعلن في غير مناسبة أن "قراره نهائي ولا مجال للتراجع فيه، وإذا وصلت الأمور إلى حد الاختيار ما بين التمويل وبين استمراره في رئاسة الحكومة، فسيختار تمويل المحكمة ولو كان الثمن الاستقالة من الحكومة، لأنه سيعتبر أن تصويت الحكومة لمصلحة عدم التمويل هو بمثابة قرار بسحب الأكثرية ثقتها به، وعندها لا يعود هناك موجب لأن يستمر دقيقة واحدة في رئاسة الحكومة".

وما أعلنه ميقاتي يشكّل، بحد ذاته، ردّا على مقولات التصويت داخل مجلس الوزراء باعتبارها سحبا للثقة منه، وبالتالي فإنّ خيار التصويت ليس مطروحا أقله بالنسبة إلى رئيس الحكومة، وذلك خلافا لحزب الله الذي حاول عبر أمينه العام الشيخ نعيم قاسم الالتفاف على موقف ميقاتي بقوله "اتفقنا على ان نناقش كل شيء بحرية داخل الحكومة، ولكلّ رأيه وموقعه. وحتى إذا لم نتوصل الى اتفاق في الامور الصعبة والمعقدة، فالتصويت يكون داخل الحكومة، والغالبية تستطيع ان تتخذ الاتجاه، وعلى الآخرين أن يلتزموا".

ومن أجل مزيد من وضوح الصورة السياسية، لا بد من التوقف أمام المعطيات الآتية:

أوّلا، كشفت مصادر مطلعة على لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله أن جنبلاط قال لـ نصرالله: "أعلم أن المحكمة تريد النيل من الحزب، ولكن عدم التمويل ينال من الدولة اللبنانية بتحوّلها إلى دولة معزولة ومارقة، وهذا ما لا قدرة للشعب اللبناني على تحمّله، فضلا عن أن النَيل من الدولة التي يمسك بمفاصلها حزب الله يعني حكما النيل من الحزب، وبالتالي أنا مع التمويل".

ثانيا، اعتبرت المصادر نفسها أن ما حصل على مستوى "الأجور" والتهديد بالإضراب، لا يخرج عن سياق الرسالة إلى رئيس الحكومة من أجل إخضاعه، والتلويح بإسقاطه في الشارع على خلفية مطلبية، وليس إعطاءه "شرف" إسقاطها على خلفية تمويل المحكمة الدولية التي يراكم عليها دوليّا وعربيا وسنيا.

ثالثا، لفتت المصادر الى أن لقاء نصرالله مع جنبلاط جاء بعدما كان التقى الرئيس عمر كرامي، الذي أعلن نقلا عنه "أن تمويل المحكمة الدولية لن يمرّ في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب"، وبالتالي إذا كان لقاء كرامي يندرج في سياق رسالة إلى ميقاتي مفادها بأن البديل عنه لرئاسة الحكومة جاهز، فإن اللقاء مع جنبلاط هدفه الاحتفاظ بالأكثرية النيابية في حال استقالة رئيس الحكومة من أجل ضمان اختيار البديل، أي الاحتفاظ بالسلطة.

وعليه، إذا كان رئيس الحكومة متمسكا بالتمويل وحزب الله رافضا له، فما الخيارات المتاحة أمام الحزب إذا؟ وهل يجرؤ رئيس الحكومة على الاستقالة، خصوصا أن استقالته تعني فقدان الحزب للسلطة التي هو بأمس الحاجة إليها في ظلّ التحولات الخارجية المتسارعة على خُطى الثورة السورية وتردّي العلاقات الأميركية والسعودية من جهة والإيرانية من جهة أخرى؟

وفي هذا السياق، قالت المصادر المطلعة إنّ حزب الله اتخذ قراره النهائي برفض التمويل والتنازل عن السلطة في آن معا، أي أنه يحاول التوفيق بين هذين العنصرين حفاظا على صدقيته من جهة، وخشيته من المحكمة التي تشكل سيفا مسلطا على رأسه من جهة أخرى، كما مواصلته الإمساك بمفاصل السلطة من جهة ثالثة. ومن هنا، لا يبدو ان الحزب يكترث كثيرا لتمايز جنبلاط في موضوعي التمويل والثورات العربية، إنما المهم هو بقاء الأخير من ضمن الأكثرية الحالية، وهذا ما أكده رئيس "الاشتراكي" في مقابلته الأخيرة على قناة "المنار"، كما أن الحزب لا يكترث أيضا لأولويات ميقاتي العلاقاتيّة مع المجتمعين الدولي والعربي والبنيوية مع بيئته السنية، إنما الأساس بقاء الأخير أيضا من ضمن صفوف هذه الأكثرية في حال استقالته أو عدمها.

فما يصبو إليه الحزب، وفق المصادر المطلعة، هو الاحتفاظ بالأكثرية النيابية بواسطة جنبلاط وميقاتي تأمينا للبديل في حال استقالة الأخير، ولا يبدو، في ظلّ موازين القوى القائمة أن رئيسي الحكومة والاشتراكي في وارد التغريد خارج سرب الأكثرية الممسوكة من الحزب، وبالتالي إذا كان متاحا لهما الانسجام مع مواقفهما، فمن غير المسموح لهما في المقابل الخروج من الأكثرية، فيكون حزب الله بذلك تمكن من إسقاط التمويل مع سقوط الحكومة، ومن إعادة تشكيل حكومة 8 آذارية على قاعدة بيان وزاري لا يحتمل التأويل برفض التمويل.

السابق
الجسر لـ”السياسة”: هل ستراعي الأكثرية مصلحة لبنان أم مصلحة “حزب الله”؟
التالي
قرار كبير وخطير بدأ العمل لتنفيذه؟