كهرباء بأسرع وقت وأفضل الأسعار هدية من «ولاية الفقيه»

 قبل عام تحديدا، اطلّ الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله من خلف شاشة عملاقة، كعادته، ليعرض امام اللبنانيين رؤيته الخاصة لحلّ مشكلة الكهرباء. كان ذلك من المرات النادرة التي يقترح فيها «السيّد» مشروع حل لواحد من الملفات التقنية الحيوية السياسية التي فاحت منها على امتداد عهود ما بعد الطائف روائح العفن والصفقات المريبة التي كبّدت الدولة خسائر بمليارات الدولارات.
يومها فاجأ السيد نصر الله الجميع باقتراح وصفه بـ«الطموح»، بدعوته الحكومة اللبنانية، برئاسة الرئيس سعد الحريري آنذاك، بشكل جدي الى دراسة ومناقشة خطة بناء مفاعل نووي للطاقة النووية السلمية لتوليد الكهرباء في لبنان. تحدث نصر الله عن محطة بوشهر النووية الايرانية التي سوف تؤمّن جزءا كبيرا من حاجة ايران للطاقة، بكلفة تبقى اقل مما انفق على قطاع الكهرباء في لبنان خلال السنوات الماضية. لكن طلّة «السيد» لم تكن قد اخذت في الحسبان بعد دخول لبنان «رسميا» مجال التنقيب عن النفط والغاز في البحر قبالة الشواطىء اللبنانية…
مقاربة بدت نوعا ما «سوريالية» من جانب نصر الله ولم تلق اي نقاش جدي على طاولة المعنيين باصلاح القطاع العجوز. لكن الدائرين في فلك التمثّل بالتجربة الايرانية الرائدة في مجال الاستفادة من الطاقة النووية السلمية يدعون الى التبصّر في ما عرضته طهران نفسها من «مشروع انقاذي» عملي لاخراج لبنان من عتمته المزمنة. مشروع ارتفعت امامه سواتر «الممانعة» وقطعت عنه الامدادات المالية عن سابق تصور وتصميم بقرار سياسي مباشر من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. فطالما وجد فريق يقلقه كابوس قطف الوزير جبران باسيل «الانجاز الكهربائي»، ثمة كارثة ستحلّ على رؤوس البعض اذا ما دخلت ايران على سكة المساهمة في اقفال مغارة الفساد والتعتيم وصفقات الفيول.
في زيارته الاولى للعاصمة طهران في تشرين الاول الماضي، قدّم الايرانيون لوزير الطاقة آنذاك جبران باسيل عرضا مغريا قوامه فتح اعتماد لقرض قيمته 550 مليون دولار على شكل قروض ميسّرة وطويلة الامد لتمويل مشاريع الطاقة في لبنان. وعلى ارض ولاية الفقيه تسنى للوزير باسيل الاطلاع بالعين المجرّدة على الامكانات الهائلة الهندسية والفنية للجمهورية الاسلامية في مجالي الطاقة والمياه. فكان قبل الزيارة شيء وبعدها شيء آخر، من دون اغفال أن باسيل أرجأ الزيارة مرارا.
العرض الايراني للوزير اللبناني قام يومها على اساس سيناريوهين اثنين: توفير قسم من الكهرباء عن طريق الترانزيت من محطة بوشهر النووية عبر شبكة كهرباء قائمة بين ايران والدول المحيطة وصولا الى لبنان من خلال سوريا وتركيا بموافقة مباشرة من الدولتين، الامر الذي يتطلّب حكما توافر خطوط الانتقال اللازمة (شبكة ربط)، او قيام الشركات الايرانية بناء على طلب من الجانب اللبناني ببناء محطة لتوليد الكهرباء بطاقة 700 ميغاواط. ووجهة النظر الايرانية قامت على اساس امكان السير بالمشروعين مما يؤمّن حل الجزء الاكبر من مشكلة الكهرباء في لبنان.
مباحثات الوزيرين اللبناني والايراني شملت كل حاجات لبنان من الكهرباء والماء والنفط والصرف الصحي وبناء السدود ومصافي التكرير للنفط والغاز المضغوط وامدادات خطوط الغاز اضافة الى مساعدة لبنان في اعمال التنقيب برا وبحرا عن النفط.
اللقاءات المثمرة لباسيل مع وزير الطاقة الايراني مجيد نامجو في طهران سبقت زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لبنان، التي شهدت لاحقا توقيع 17 اتفاقية تعاون وبروتوكول بين الجانبين اللبناني والايراني في مجالات الاقتصاد والتجارة والبيئة والمياه والكهرباء.
تحت سقف التسوية السورية ـ السعودية الموعودة يصل سعد الحريري الى طهران، بعد شهر واحد من زيارة نجاد لبنان، على رأس وفد وزاري موسّع غاب عنه جبران باسيل الذي كان قد اطلق وعودا في طهران بفتح لبنان ذراعيه للسماح للشركات الايرانية بالاستثمار لديه.
حضر مع الحريري وزير «حزب الله» محمد فنيش، ووزير «الكتائب» سليم الصايغ ووزير «القوات» سليم ورده والوزراء بطرس حرب وطارق متري وحسن منيمنة وعلي عبد الله، لكن طائرة «الشيخ» لم تتسع لوزير الطاقة. وقبل ان يغادر الحريري مطار بيروت، اكد للسفير الايراني في لبنان غضنفر ركن ابادي ان قضية الكهرباء لن تطرح خلال المباحثات الثنائية بين الجانبين الايراني واللبناني. وكان أكثر من واضح في تأكيده لاحقا امام محمود أحمدي نجاد شخصيا «ما بدي احكي بموضوع الكهرباء الآن»، بعدما سئل مرارا عن سبب عدم التحاق وزير الطاقة بالوفد الوزاري.
في هذه الاثناء، كانت ايران بلسان سفيرها في لبنان تكرّر استعدادها للمساهمة في حل ازمة الكهرباء المزمنة في لبنان اذا طلب المسؤولون اللبنانيون ذلك، قائلا بالحرف الواحد «نحن مستعدون لحل المشكلة وتأمين الكهرباء 24 ساعة». الحماسة الايرانية وصلت الى حد التأكيد بانتهاء اعمال التنفيذ خلال ستة اشهر وبأفضل الاسعار عالميا، اضافة الى المساعدة في اعمال التنقيب عن النفط والغاز في بحر لبنان وتقديم كل ما يلزم من خبرات ايرانية في هذا المجال. وكان ابادي صريحا بالاشارة الى ان المشكلة هي داخل مجلس الوزراء حيث يتطلب الامر اتخاذ قرار سياسي واضح بهذا الشأن.
المطلعون على الاستراتيجية الايرانية لحل ازمة الكهرباء في لبنان يجزمون بوجود «عرض مغر» امام اللبنانيين تصعب «مقاومته»، خصوصا ان ايا من الدول او الصناديق العربية لم يقدّم تصورا واقعيا، حتى الآن، لاخراج لبنان من النفق المظلم. هؤلاء، بغض النظر عن تركيبة التحالفات السائدة في المنطقة التي يمكن ان تؤثر على تنفيذ المشروع، يذكّرون اصحاب الذاكرة الضعيفة او «المسيّسة» برزمة الحوافز التي تجعل من الاتكاء على الظهر الايراني في مجال الكهرباء «خطوة ذكية ومثمرة» على حد تعبير أحد الخبراء المشهود لهم.
تحتل ايران المرتبة الثانية عالميا في مجالي النفط والغاز والاولى اقليميا في مجال التكنولوجيا والطاقة النووية، انابيب «الذهب الاسود» تصل الى ابعد المناطق الريفية في الجمهورية الاسلامية الايرانية، ودولة الـ 75 مليون نسمة تنتج مليونا ونصف مليون سيارة سنويا داخل ايران اضافة الى 19 مصنعا خارج طهران. هي نفسها الدولة التي انجبت طائرات وسفنا حربية وغواصات وطائرات من دون طيار، ووصلت بطموحها الى الفضاء حيث سيشهد العام 2020 انشاء اول محطة فضائية ايرانية وانطلاق اول رائد فضاء ايراني اليها… «والاهم انها صديقة للبنان، والمشروع الذي تمّت مناقشته بين وزيري الطاقة اللبناني والايراني خلال حكومة الرئيس سعد الحريري يجنّب لبنان الدخول مجددا في متاهات الديون والفوائد المرتفعة» يقول الخبير نفسه.
لماذا هذا الكلام عن المشروع الايراني اليوم تحديدا؟
ثمة من يقول بوجود رابط ما بين المشروع المقدم من الوزير جبران باسيل الى مجلس الوزراء وبين الاعتراضات عليه من زاوية المشروع الايراني، خاصة أن الفريق المعترض أو بعضه، من قبيل الإنصاف، أبلغ جهات خارجية ما يشبه «التعهد» بعدم السماح بتمرير المشروع الايراني، «واذا كان جبران باسيل يريد تفويضا من مجلس الوزراء لتمريره فانه لن يحصل على ذلك»، يقول الخبير المتابع للملف الايراني. ويشير الى أن جهات حكومية لبنانية نافذة تريد تحت عنوان «التوضيحات» الحصول على ضمانات بأن يحظى المشروع الكهربائي بتمويل خليجي محدد الهوية والصندوق، والهدف المعلن ابعاد الشبهة الايرانية عن الحكومة، لكن الهدف الحقيقي هو اعتبارات لا تختلف عن العقلية التي حكمت كل من أداروا هذا القطاع باستثناءين يتيمين هما الراحل جورج افرام والحي محمد فنيش. 

السابق
الراعي: ما يحصل في سوريا هو ابادة شعوب وليس ديمقراطية ولا اصلاح
التالي
المرعبي: لا توافق داخل الحكومة انما محاصصة