الجمهورية: مجلس وزراء متوتّر كهربائيّا هدّد بنسف الحكومة والعونيّون انسحبوا ثم أُعيدوا وبقية الخطة تقرّ اليوم

تجنبت الحكومة إنفجارها من الداخل أمس بفعل التوتر العالي الذي تشهده حول ملف الكهرباء، وذلك على وقع استكمال الثورة الليبية انتصارها على العقيد معمر القذافي بدخول باب العزيزية معقله الرئيسي والأخير في طرابلس الغرب من دون ان تعثر عليه شخصيا. فيما الازمة السورية ظلت على غاربها امنيا مترافقة مع مواقف دولية كان منها دعوة صينية للسوريين الى "ضبط النفس"، وإعلان الاتحاد الاوروبي حزمة عقوبات جديدة، وتوقعات اميركية بأن تؤثر العقوبات التي فرضتها واشنطن على نظام الرئيس بشار الاسد.

فقد نجت الحكومة من قطوع إنفجارها من الداخل، بقرارها استمكال البحث في ملف الكهرباء في جلسة ثانية يعقدها مجلس الوزراء في قصر بعبدا التاسعة صباح اليوم، وذلك بعدما إتفق على الاجازة للحكومة إحالته بمشروع قانون إلى مجلس النواب بدلا من ان يحيله الوزيرالمختص، والتزام الحكومة القانون 462، واشراك القطاع الخاص في مراحل لاحقة من الانتاج الكهربائي.

ومع ذلك ظل السؤال هل ستنجح الحكومة اليوم في تجاوز هذا القطوع مجددا، على رغم إقتناع الوزراء بضرورة حماية التضامن الوزاري ومنع تصدّعه وهو الامر الذي جنبها الإنفجار أمس.

وكانت الفترة الفاصلة عن جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في بيت الدين شهدت اجتماعات واتصالات حثيثة في غير إتجاه للوصول الى اتفاق ناجز على الكهرباء. وقد إستؤنفت هذه الاتصالات مساء أمس بغية ملاقاة جلسة اليوم بهذا الاتفاق، خصوصا بعدما وافق مجلس الوزراء على الاجازة للحكومة الصرف والتزام تطبيق القانون 462 ووضع كل الضوابط اللازمة لمشروع الكهرباء . واعلن وزير الاعلام بالوكالة وائل ابو فاعور بعد الجلسة "أن نقاشا حصل في موضوع الكهرباء استكمالا للنقاش الذي جرى الاثنين (امس الأول) وتم تحقيق تقدم، والبت في كثير من القضايا فيه. كما تم الاتفاق على امكان اشراك القطاع الخاص في مراحل لاحقة من الانتاج".

إنسحاب ثم عودة

وقالت مصادر تكتل التغيير والاصلاح لـ"الجمهورية" ان التكتيك الذي اتبعه الحاضرون والجهات التي يمثلونها في الاجتماع الوزاري اول من امس "كان مكشوفا لجهة الإمعان في اعتماد سياسة المماطلة. ولذلك كانت ردة فعل وزير الطاقة جبران باسيل باعتماد تكتيك مضاد عندما وافق على انتقال الاقتراح الكهربائي من يده كوزير، الى الحكومة على قاعدة "إلحق الكذاب الى باب الدار".

وعلمت "الجمهورية" ان وزراء "التغيير والاصلاح" استبقوا جلسة مجلس الوزراء بإجتماع عقدوه بعيدا عن الاضواء في مكتب باسيل، نسقوا خلاله الموقف لجهة الدفع في إتجاه التوصل الى حل لملف الكهرباء خلال الجلسة، تحت طائلة الانسحاب من الحكومة.

وعلى هذا الاساس، إتفقوا على أن يبادر باسيل في مستهل الجلسة الى الطلب من رئيسي الجمهورية والحكومة إفتتاحها بطرح قضية الكهرباء "في اعتبارها خطة طارئة ولا يجوز تأجيلها اكثر من ذلك، قبل البدء في درس جدول الأعمال، وأن هناك موقفا سياسيا وكرامة وزير على المحك، ولأنه اذا لم يحسم هذا الأمر في الجلسة ستبقى الصورة في أذهان الرأي العام أن الحكومة لا توافق على مشروع الوزير لأنه التفاف على أموال الدولة".

لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي رفض طلب باسيل، وأيده بعض الوزراء الذين فضلوا البدء بجدول الأعمال، الامر الذي دفع الوزراء باسيل وشربل نحاس ونقولا الصحناوي الى الانسحاب من الجلسة فلحق بهم الوزيران حسين الحاج حسن وعلي حسن خليل في محاولة لتهدئة الأجواء. فعاد الجميع الى الجلسة على اساس ان تقر بعض بنود جدول اعمال الجلسة فقط، ثم يبدأ البحث في الكهرباء.

تلويح بالاستقالة

وفي المعلومات ان عون كان ينتظر اتصالا من باسيل لمعرفة سير النقاش في الجلسة قبل ان يخرج من اجتماع التكتل ويدلي بدلوه. وقد علم ان التوافق ما يزال متعذرا ولا نية لإقرار المشروع الكهربائي خلال الجلسة. فعمد عون خلال إجتماع التكتل الى التلويح مجددا بالانسحاب من الحكومة، قائلا "لا يجوز المضي في اتهام وزراء التيار بالمافيات وبصرف غير قانوني وهو الذي ينادي بالاصلاح وبوقف الفساد والهدر". ثم شدد بعد الاجتماع على "ان صلاحية عقد النفقة بحسب الدستور، هي للوزير وليس للحكومة". وإعتبر "ان ما يطرحونه هو اعتداء على كرامتنا"، مؤكداً أنه "من الممكن أن تسقط الحكومة ولكن كرامتنا ستبقى".

وبعد مداولات ونقاشات مستفيضة توافق الوزراء على اقتراحات خليل وفنيش ولا سيما منها تلك التي صاغها خليل لجهة نقل إجازة الصرف من الوزير الى الحكومة ووافق على هذه الاقتراحات ايضا وزراء الحزب التقدمي الاشتراكي باستثناء الوزير غازي العريضي الذي تحفظ عليها مغردا خارج سربه.ثم جرت مشاورات جانبية، طلب بعدها الوزراء الاشتراكيون التريث لكي لا يقر المشروع مقرونا بتحفظ، بل بالاجماع. فارجىء النقاش الى جلسة اليوم.وخرج وزراء التيار واجمين. وقال باسيل "ان كل يوم تأجيل هو بمثابة خسارة للبنان بقيمة 17 مليون دولار".

خطوة تصعيدية

وكانت مصادر وزارية ابلغت الى "الجمهورية" قبل بداية الجلسة انه مقابل أصرار باسيل على مناقشة ملف الكهرباء اتفق على ان تسري سياسة الاستيعاب داخل الجلسة حتى لا يهدد الأمر الحكومة وينسحب بالتالي على اجواء التضامن الوزاري فيها. وإذ لم تستبعد لجوء وزراء التيار الى خطوة تصعيدية ما ومنها الاستقالة، اكدت في المقابل ان سليمان وميقاتي وكل القوى السياسية الممثلة في الحكومة سيبذلون كل ما في وسعهم للحؤول دون ذلك.

اربعة عناوين

وعلمت "الجمهورية" ان مجلس الوزراء بت امس باربعة عناوين اساسية من اصل خمسة عناوين تضمنها المشروع الكهربائي وادخلت عليه تعديلات اساسية غايتها وضع مزيد من الضوابط الإدارية والمالية والتقنية والقانونية ومن ضمنها الاجازة للحكومة وليس للوزير منفردا صرف الاموال. وبقي عنوان واحد سيتم البت به اليوم وهو تحت عنوان "من سيدير المشروع". علما ان مجلس الوزراء لم يناقش بعد مشروع دفتر الشروط الذي سيطرح للبحث بعد إقرار المشروع بصيغته الأولية.

وقال الوزير أحمد كرامي لـ"الجمهورية" ليلا: "عجزنا، لا أحد في لبنان لا يريد الكهرباء. لا نريد أن نزايد، والقول ان المعارضة لا تريد الكهرباء غير صحيح. ولكن لنحصل على الكهرباء علينا ان نتبع الدستور والاصول المالية في الجمهورية اللبنانية. اليوم لا يسمح الدستور لمجلس النواب ان يمنح وزير الطاقة حرية التصرف بالاموال التي ستنفق على المشروع. وهذا امر لم يحصل في تاريخ لبنان. إن مجلس النواب يجيز للحكومة مجتمعة ان تتصرف بالاموال وليس لوزير بمفرده. اما موضوع تأمين هذه الاموال، فسنبحث فيه، فهل نؤمنها من الصناديق العربية أم من غير مصادر؟". واضاف: "ان مجلس الوزراء ليس هو الذي يتمم عقد النفقة مع الملتزمين، وانما الوزارة المختصة ضمن النظام المالي العام للبنان، اي بإشراف ديوان المحاسبة ولجنة المناقصات ووزارة الطاقة، وهذه المؤسسات مجتمعة، عليها تقديم تقرير اسبوعيا الى مجلس الوزراء بشأن سير العمل والإنفاق".

وليلا، قال وزير الاتصالات نقولا صحناوي في افطار "اننا في الغالبية الجديدة وعدنا بإنجازات سريعة ومكثفة تهم جميع اللبنانيين، واول الغيث كان المرسوم الذي اقره اليوم مجلس الوزراء وقضى بتخفيض تعرفة الانترنت بنسبة 80% وزيادة السرعة من 4 الى 8 مرات، وهو لن يكون آخر الانجازات، الاّ اذا سقطت الحكومة وذهبت، ونأمل الاّ نكون على ابواب ازمة حكومية خطرة على خلفية ما شاهدناه اليوم (أمس) في جلسة الحكومة".

مجلس النواب

الى ذلك من المقرر ان يعقد مجلس النواب جلسة تشريعية جديدة اليوم اذا تسنى للوزراء الحضور لأن لا جلسة للمجلس من دون حضور الحكومة. وفي الوقت الذي تردد ان النصاب لن يكتمل في جلسة اليوم وان لا جدول اعمال لها، لفتت مصادر نيابية الى انها ستبت ستة او سبعة بنود متبقية من جدول اعمال الجلسة السابقة.

من جهة ثانية، بقيت المحكمة الدولية موضوع تجاذب بين اللبنانيين، وفي هذا الإطار، صدر كلام على لسان النائب محمد رعد في حضور محامي حزب الله سليم جريصاتي، الذي أكّد أنّ المقاومة هي التي تحدد طريقة الدفاع عن نفسها في مواجهة مَن يستهدفها.

الوضع السوري

من جهة ثانية لم تحجب القضايا الداخلية المطروحة الاهتمام بتطورات الازمة السورية المفتوحة على كثير من الاحتمالات. وفي هذا الاطار طمأن النائب مروان فارس، فور عودته ظهر أمس من دمشق، الى "سلامة الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا"، لكنه حذر من "الخطر الذي سيلحق بالمسيحيين في لبنان وسوريا اذا انهار النظام السوري".

وقال فارس لـ"الجمهورية:"عدت تواً من دمشق حيث شاركت في مؤتمر دولي كبير حضره نحو 300 شخص من كل الدول من بينهم سفير اميركي سابق في سوريا، وعدد من المسؤولين الأوروبيين الذين تفقدوا مختلف المناطق السورية بما فيها مدينة حماة، وعاينوا الأوضاع المستقرة والمستتبة في كل المناطق". واضاف:" بعض وسائل الاعلام تشن حملة عنيفة على سوريا، لكنني أطمئن الى ان الوضع الأمني فيها مستقر، وسوريا ستشهد مرحلة طويلة من الاستقرار في الفترة المقبلة، الأمر الذي سينعكس ايجابا على الساحة اللبنانية وعلى المسيحيين عموما في لبنان وسوريا". ونقل فارس عن كبار المسؤولين الأمنيين الذين التقاهم "تأكيدهم ان الوضع الأمني في سوريا سيكون محسوما لمصلحة النظام السوري من الآن وحتى قبل نهاية رمضان".

عطا الله

في المقابل،اكد عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الياس عطا الله لـ"الجمهورية" ان نهاية النظام السوري "باتت محسومة ومسارها واضح نحو السقوط ويبقى التوقيت". وقال "ان مصالح الشعب السوري الوطنية والديموقراطية وكرامته وحريته لن تتأمن الا بسقوط هذا النظام، وهذا كلام يردده الشعب السوري يوميا على رغم وحشية المواجهة العسكرية. واذا وُجدت سلطة في سوريا تحترم شعبها وتحترم الديموقراطية والتعدد والتنوع فمن المؤكد ان لبنان سيكون على علاقة صحيحة وسليمة على مستوى الشعبين والسلطات وينتفي حينئذ طموح أي طرف بالاستقواء على الآخر".

واكد عطالله "ان قوى 14 آذار لا تتدخل في الشأن السوري، لكن لا يعقل لا سياسيا ولا أخلاقيا ولا إنسانيا ولا قانونيا ان يُواجه شعب يعامل بهذه الطريقة من قبل الآخرين، فنحن معنيون، فهو شعب شقيق وجار، وأمر طبيعي ان نتضامن معه. عدا ان من أهم ثوابتنا دعم كل مسارات الحرية والديمقراطية والتغيير". وقال "أن من يربط مصيره بمصير النظام السوري إنما يكون بذلك هو من حدد مصيره"، وأضاف: "سيصابون بخيبة، وهناك أمثلة كبيرة في العالم كسقوط المعسكر الاشتراكي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي . هم الآن ذراع من أذرع النظام ومن الطبيعي أن تُضرَب الأدوات عندما يُضرب الرأس".

السابق
البناء: إجماع على استنكار التعرّض للجيش: لمصلحة مَن استهداف المؤسسة العسكرية؟
التالي
السقوط المدوي ..