أسهم أوباما

لا يزالون يحبونه بشكل شخصي. ليس الجميع طبعاً، ولكن جمهور كبير جدا. صحيح أن باراك أوباما لا يحظى بعلامات عالية من الناخبين في أميركا على أدائه المهني، ولكن علاماته ليست متدنية بشكل مثير. فنسبة التأييد له أقل مما كانت لسلفه جورج بوش في صيف العام 2003 لكنها أعلى من نسبة التأييد لبيل كلينتون في صيف العام 1995، أي قبل عام وربع من انتخابات نهاية ولايته الأولى.

غير أن لأوباما مشاكل في الميدان الاقتصادي لم يواجهها سلفاه. ومرة أخرى تبين هذا الأسبوع مدى عمق الأزمة التي لا تفلح الولايات المتحدة في الخلاص منها. فتصنيفها الائتماني انخفض، رغم أنف الرئيس. وتعاطت الأسواق بتراجعات حادة، حاول الرئيس كبحها عبر خطاب آخر، ولكن من دون نجاح. والبنك المركزي ترك الفائدة متدنية، عبر إعرابه عن خيبة من أداء الاقتصاد، وغير للأدنى توقعاته للخروج من الأزمة. فالخروج سيكون أبطأ مما ظننا. نذير شؤم للرئيس. ومشكوك فيه أن تجري انتخابات العام 2012 في أجواء اقتصادية مزدهرة، وفي كل الأحوال بات متأخراً له أن يغير المنحى. وإذا تغير، فلأسباب لا ترتبط به. وإذا لم تتغير، فسيضطر لإقناع الناخبين بأنه بذل أقصى جهد وأنه ليس المذنب في ما جرى.
ولكن الناخبين لا يزالون بقدر معقول يحبون أوباما. فلم يعلق به غبار الفساد، الفضائح، ألفاظ فظة، أو حمقاء بشكل يثير السخرية. ويؤمن معظم الناخبين أن أوباما، حتى وهم غير راضين عن ولايته، أنه شخص نزيه ونواياه طيبة. ووفق تقرير نشر هذا الأسبوع لأول مرة في موقع «بوليتيكو»، فإن هذا سيكون السلاح الأساس لرئيس، إذا اضطر لمنافسة المرشح الجمهوري الأبرز حتى الآن، ميث روماني.

لقد سبق لروماني أن تنافس في الانتخابات السابقة، لكنه خسر الترشيح الجمهوري لجون ماكين. وهو رجل طائل الثراء، رئاسي لناحية المظهر، وربما رئاسي جداً. في مظهره نوع من الخشبية أو الروبوتية. ليس كاريزمياً على وجه الخصوص، ويمكن الافتراض أنه لن يجرّ خلفه جماهير متحمسة. كما أن ماضيه يحوي أحداثاً قد تظهره كشخص غريب الأطوار. أوحشها أن روماني أخذ كلبه معه في رحلة عائلية بعد أن ربطه بسقف السيارة.

وما سيعرضه روماني على الناخبين تحديداً هو هذه الميزة: لست يسوعاً، ولكنني مدير ناجع ومرتب، يمكنني إعادة وضع الاقتصاد الأميركي على السكة. ويبدو أن هذا ما يريدونه حالياً أكثر من أي شيء آخر. وقائمة البراهين ستعرض سجله: رجل أعمال ناجح جمع ثروة كبيرة، حاكم سابق لولاية ديموقراطية (ماستشوستس)، أي جمهوري قادر على التعامل مع خصومه، والتوصل لتسويات، وليس متطرفاً. ولا يخيف بمواقف لا يمكن استيعابها في مسائل الدين والدولة، المجتمع والحكم. وسيعرض روماني على الناخبين صيغة أكثر صدقية من تلك التي وعد بها جورج بوش ولم يف بها أبداً: إنه رئيس أشبه بمدير عام وليس سياسياً.

ومن أجل تحقيق ذلك ينبغي لروماني أولا أن يفوز في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، الذي سيبلغ نهاية الأسبوع المقبل معلماً تقليدياً هاماً: استطلاع «القش» في مدينة إيمس، ولاية أيوا، وهو حدث ثابت في كل جولة انتخابية تمهيدية للحزب الجمهوري منذ العام 1997. ويتدفق النشطاء إلى إيمس من كل أرجاء الدولة، ليصوتوا للمرشح المفضل عندهم. ليس لهذه الانتخابات مغزى لكنها تشير إلى وضع المرشحين في هذه الولاية الهامة.

الحصان الأسود
والمرشح التالي لروماني على التذكرة الجمهورية ليس مرشحا فعليا. وسيتمكن ترتيب أمره وهو ريك بري، حاكم تكساس الذي تردد قبل أن يختار هذا الوقت للقفز في بركة الانتخابات. وبري حالياً متخلف بنسب مئوية بسيطة عن روماني في الاستطلاعات. ولكنه الحصان الأسود في السباق الذي لا يحوي مرشحين يمكنهم هزيمة أوباما. ويعتقد بري أن بوسعه توحيد الجمهوريين خصوصاً أنصار «حفل الشاي» ممن يعتقدون أن روماني متساهل جداً والناخبين المعمدانيين المشمئزين من روماني لأنه مورموني المذهب.

وجهة الريح
هناك صورة يتذكرها الجميع من انتخابات العام 2004 حين تنافس جورج بوش لولاية ثانية ضد المرشح الديموقراطي جون كيري. وكيري مرشح لم يفهم قوة صورة واحدة وتهشيمها لمرشح. كيري وقف على زلاجة رياح يبحر مستمتعاً في شاطئ نانيتكت. ذهابا وإيابا و«حيث تهب الريح»، وفق الدعاية التي سارع مستشارو بوش لبثها. وتم اتهام كيري في حملة بوش بالتقلب وتغيير الوجهة.

في العام 2004 لم يكن بوش رئيساً يحظى بشعبية جارفة، والغيوم التي حامت حول استمرار ولايته غطت جزئيا سماء أميركا، لكنه مع كيري خاض معركة شخصية وحشية. وقد أغرقه في الماء. أولاً بتقويض سجل كيري العسكري المجيد من عهد فييتنام، وتجنيد شهود زعموا أن كيري نال أوسمة البطولة التي يحملها من دون وجه حق. وبعد ذلك جاءت دعاية زلاجة الريح.

ويتبين أن هذا هو التكتيك الذي ينوي أوباما استخدامه ضد روماني، إذا غدا المرشح الجمهوري، وفق تقرير هذا الأسبوع. وهو ينوي – وينبغي أن تفرك العيون عند قراءة هذه الجملة – استخدام تكتيك بوش في انتخابات العام 2004. ومثل بوش فإن من يقف قبالة أوباما مرشح من ماستشوستس. ومثلما قبالة بوش، فإن المرشح غني وذو حسب (والد روماني كان حاكما لولاية)، وطري بعض الشيء. وكما مع بوش فالحديث هذه المرة يتعلق بشخص سبق وأن غير رأيه مراراً في عدد من القضايا. تم عرض بوش كرجل المبادئ مقابل كيري السائر مع الرياح. وليس واضحاً ما إذا كان أوباما سيستخدم الأدوات نفسها ليظهر نفسه بشكل مشابه، لكنه على ما يبدو ينوي المحاولة.

لقد فاز بوش على كيري بفضل ولاية واحدة، أوهايو. وضع أوباما في أوهايو غير لامع. هذا الأسبوع تبين أنه في سبع ولايات فاز فيها في انتخابات 2008 يهبط أوباما إلى دون النصف في كل من أينديانا، أورغون، كولورادو، نيفادا، فيرجينيا، كارولينا الشمالية وكذلك أوهايو. ولدى أوباما في هذه الولاية تأييد بـ 45 في المئة فقط. وهذا ما ينبغي له التغلب عليه في طريقه نحو الفوز مجدداً. لقد صوّتت أوهايو لبوش العام 2000 وثانية العام 2004 لكنها في العام 2008 أعطت صوتها لأوباما. ومنذ ذلك الحين ومكانة الرئيس فيها تتدهور. في العام 2010 اختارت الولاية حاكماً جمهورياً، وألقت بعيداً عن مجلس النواب ما لا يقل عن خمسة نواب ديموقراطيين. وفي الاستطلاعات الأخيرة جرى فحص وضع أوباما قبالة المرشحين الجمهوريين المتقدمين، فتغلب عليهم. وإذا تنافست سارة بايلين ـ فإنه سيهزمها. وإذا كانت بكمان هي المرشحة فلا فرصة أمامها. والمرشح ريك بري ليس معروفاً حتى الآن في أوهايو. ولكن روماني قريب جدا من أوباما. قريب بشكل مقلق.

السابق
غروب العصر الأميركي؟
التالي
مليون عربي يستخدمون فيسبوك وخبراء ألمان يحذرون مستخدميه