الحناجر… وباي باي بشار

المنصف من يقول الحق ولو على نفسه، ويدافع عن المظلوم ولو خالفه عقدياً أو فكرياً، ومع الأحداث والأزمات تتضح حقائق الناس، ويتبين صدق تطبيقهم للمبادئ التي يدعونها من عدمه.
ومع الثورة السورية تكشفت لنا أقنعة كثيرة، وظهرت سوءات لم يتمكن أصحابها من سترها، ولذلك كانت فضيحتهم على الملأ. فبعض النواب والكتاب، صموا آذاننا بالصراخ والعويل دفاعاً عن الثورة التخريبية في البحرين، وتحدثوا عن انتهاكات لحقوق الإنسان اتضح أن كثيرا منها مفبركة، إلا أنهم تحولوا وبقدرة قادر إلى صم بكم عمي، عما يجري من همجية ووحشية يمارسها النظام «البعثي» في سورية ضد أبناء شعبه.

فلم تحرك مشاعرهم، دموع الأمهات ونحيبهن على فقدان فلذات أكبادهن، ولم يصحُ ضميرهم وهم يرون آثار التعذيب على الأطفال الصغار الذين شوهت أجسادهم، ولم تتحرك فيهم النخوة والشهامة تجاه الحرائر اللاتي اعتدي على أعراضهن، بل لقد بلغت الخسة والدناءة بأحد هؤلاء النواب إلى مخاطبة سفير النظام السوري في الكويت بقوله: إذا لم تسعك السفارة فبيوتنا مفتوحة لك، ثم يقوم الحاضرون بالتصفيق.
لقد ذكرني هذا الموقف بشعر لأحمد مطر يقول فيه:

رأيت جرذا يخطب اليوم عن النظافة
وينذر الأوساخ بالعقاب
وحوله يصفق الذباب
وهؤلاء عديمو الضمير لطالما شجبوا واستنكروا تدخل درع الجزيرة في البحرين، برغم ما بين دول الخليج من اتفاقيات، إلا أننا لم نسمع لهم صوتا تجاه التدخل الإيراني السافر ومشاركة حزب اللات في قمع المتظاهرين في سورية، فهل أصيبت آذانكم بالصمم أم ابتليت أعينكم بالرمد؟

ويشارك في جريمة الصمت بعض أهل اللحى والفتيا، ممن ينتسبون إلى أهل العلم والدعوة، فهؤلاء ما أسرع تصريحاتهم واستنكارهم، عندما يقوم بعض أتباع القاعدة بعملية، فيقتل من خلالها بعض المدنيين، أو يقتل بعض الأجانب من غير المحاربين، فترى هؤلاء يسارعون في وصف أولئك بالخوارج وكلاب النار، ويسطرون الأدلة الشرعية التي تجرم أفعال تلك الفئة، ونحن معهم في حرمة الدماء المعصومة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه أين هذه التصريحات والفتاوى عما يجري من إراقة الدماء المسلمة الزكية على أرض الشام، أم أنكم في انتظار الإذن من ولي الأمر؟ والطامة الكبرى عندما يقوم أولئك المشايخ بمهاجمة الضحية بدلاً من إدانة الجلاد، فيصفون المتظاهرين بالخارجين على ولي الأمر، ويدبجون الفتاوى التي يبيعون من خلالها دينهم بعرض من الدنيا قليل.

ولا أستطيع هنا تجاوز التحالف الوطني، وكتلة العمل الوطني، والذين كانوا في سبات عميق تجاه الجرائم التي ترتكب في سورية، ولم يستيقظوا إلا بعد تصريح النائب محمد هايف، عندما طالب أهل الفتوى ببيان حكم جواز قتل السفير السوري، فحينها شحذوا ألسنتهم وأقلامهم لمهاجمة النائب، وللتحذير من العنف وتبعاته.

تالله ما نشكو العدو فإنه
يبدي العداء ويعلن الأسباب
لكننا نشكو خيانة قومنا
القاتلين خناجر وحرابا
باي باي بشار

بعد تصريح ماما هيلاري بأن الرئيس السوري فقد شرعيته، ثم تلاه خطاب رئيس الوزراء التركي أردوغان بأن صبرنا نفد، وسنرسل وزير الخارجية برسالة حازمة إلى النظام السوري، ثم تبعه بيان دول مجلس التعاون الخليجي، والذي أعلن فيه عن أسفه لاستمرار نزيف الدم، ما أغضب النظام السوري، وكانت قاصمة الظهر في اعتقادي خطاب الملك عبدالله، والذي صرح بأن المملكة لا يمكنها قبول ما يجري في سورية من أحداث وأن إراقة الدماء ليست من الشيم والدين والعروبة وأنه سيستدعي سفير المملكة، كل هذا إلى ساعة كتابة المقال تشير إلى أن كرة الثلج تدحرجت وبدأت تكبر وأنها في طريقها لقلع النظام المجرم في سورية، وإنني لفي أمل كبير أن نعيش خلال عيد الفطر السعيد فرحتين، الأولى فرحة العيد، والثانية: إزاحة نظام دكتاتوري قد طال أمده من على صدر الأمة العربية.

السابق
الجمهورية: لبنان إلى مواجهة مع المجتمع الدولي القضاء يبلّغ المحكمة عدم العثور على المتّهمين
التالي
المحضر السري 3.. الحريري للمعلم: يا إنت معنا يا ضدنا