اسرائيل وفرنسا، عودة الى الاعمال

 في الايام الاخيرة بُشرنا باحياء التعاون الثلاثي بين حكومة فرنسا، حكومة اسرائيل وشركة الطيران الفرنسية داسو، بعد اكثر من اربعين سنة من السُبات. ففرنسا ستشتري صيغة خاصة للطائرة بدون طيار الكبيرة "ايتان"، التي ستنتجها الصناعات الجوية وشركة داسو.
قد يكون التاريخ يعود في هذه الحالة، ولكن مع غزة. فاذا كانت فرنسا في الحياة الاولى هي التي زودت اسرائيل، من خلال شركة داسو، بالعامود الفقري لسلاح الجو في العقدين الاولين من وجودها – فان الجيش الفرنسي اليوم هو الذي يشتري العلم الاسرائيلي.
بشكل غير مباشر، فان حظر السلاح بالذات والذي كان فرضه الرئيس الفرنسي في حينه شارل ديغول على اسرائيل، لانه لم يعجبه تجاهلها لتحذيره من مغبة شن الحرب الوقائية ضد جيرانها العرب في حزيران 67، هو المسؤول عن أن الصناعات الامنية الاسرائيلية قادرة اليوم على التصدي الناجح لكبرى صناعات الطيران في العالم. صناعاتنا ستزود الان الجيش الفرنسي، المنتشر في ساحات عديدة ومتنوعة في العالم من أفغانستان وحتى ليبيا، بطائرة كبيرة بلا طيار.
لقد أدى الحظر باسرائيل الى الاعتراف بانه الى جانب ايجاد مصادر جديدة للتسلح (الولايات المتحدة)، فان عليها أن تطور قدرات بحث وتطوير مستقلة تقلص تعلقها بموردين اجانب. أي شوط قطعناه منذئذ! فمن سار على مدى السنين الاخيرة في أروقة الصالون الجوي في لا بورجيه في ضواحي باريس، لا يمكنه الا يشعر بالفخار لمشهد جموع الزوار الذين يأمون الجناح الاسرائيلي.
الصفقة، التي اقرت مبدئيا في القيادة السياسية في فرنسا ولكنها لم توقع بعد، ليست فقط نتاج قدرات تكنولوجية بل وايضا ابداع دبلوماسي. الوضع السياسي لاسرائيل يلزمها بالتعاون مع أطراف ثالثة لتسويق منتجاتها التكنولوجية والتغلب على ما للزبائن من تخوفات من الشراء من دولة توجد في حالة حرب. من هنا أهمية تجنيد شركة داسو كشريك استراتيجي.
لعائلة داسو اليهودية (في اسمها الاصلي بلوخ) يوجد تاريخ غني مع اسرائيل. المؤسس، مارسيل، كان صديق اسرائيل وأنا أذكر أن ابي رحمه الله، من كبار الدبلوماسيين في ذاك العهد، كان يرافقه في زياراته لاسرائيل. ليس كل أنساله ساروا في طريقه ومن هنا فان استئناف التعاون مع اسرائيل هو أيضا أنباء طيبة.
الصفقة، هي بلا ريب، تعبير آخر على التحسن الذي طرأ في السنوات الاخيرة في علاقات اسرائيل – فرنسا. وقد قيض لي أن أكون سفيرا في فرنسا في السنوات التي كانت الافضل في علاقاتنا منذ الشرخ الكبير الذي جاء في أعقاب حرب الايام الستة. فالحوار السياسي تعزز، والعلاقات التجارية تنمو، وللثقافة الاسرائيلية يوجد مجد في فرنسا.
على نحو غريب، رغم سنوات الازمة الطويلة على المستوى السياسي، فان العلاقات بين المؤسستين الامنيتين بقيت دوما جيدة. بين الجيش الاسرائيلي والجيش الفرنسي يوجد تعاون وثيق وكذا بين وزارتي الدفاع ساد دوما على نحو شبه دائم حوار ايجابي. في الرأي العام الفرنسي، فان الاشخاص المرتبطين بالمؤسسة الامنية كانوا دوما ضمن الجماعة الاكثر ودا لاسرائيل. فقط صفقات ذات مغزى في هذا المجال غابت على مدى سنوات طويلة عن المشهد. نأمل أن تبشر صفقة "ايتان" ايضا بنهاية هذا الجفاف. 

السابق
ماذا يريد اليمين كل قبيلة وخيمتها
التالي
ماروني: للتحقيق مع الموسوي لتبنيه المتهمين