نصر الـله-المحكمة: زمن المفاجآت بدأ

لأن أغاني سلطان الطرب جورج وسوف، حتى لو كانت أشبه بالآيات المنزلة بالنسبة إلى بعض محبيه، لا يمكن أن تشكل منطلقا فكريا من منطلقات حزب ديني كحزب الله، فإنه من المستبعد أن يكون قرار الحزب عدم المشاركة في حلقة البرنامج السياسي الأشهر في لبنان (كلام الناس)، والتي أعقبت صدور القرار الظني للمحكمة الدولية نابعا من التأثر بحكمة أبي وديع التي تفترض أنّ هذا الكلام ،"ولا يقدّم ولا يأخَّر".

فالحزب، وهو المتمرس بلعبة الإعلام والمتقن لها بشهادة خصومه قبل حلفائه، يدرك ولا شك أنّ غيابه عن "بلاتو" مارسيل غانم مساء الخميس الماضي أعطى مجالا واسعا لخصومه كي يستأثروا بالهواء ويتوزّعوا الأدوار في مواجهة المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمّد عبيد، الذي بدا وهو يخوض وحيدا معركة الدفاع عن حزب الله أشبه بطنسا في الجيش، وفقا للنكتة الشعبية المعروفة، علما أنّ كثافة القصف الكلامي دفعت عبيد إلى أن يرد أحيانا بعبارات قدمت إلى خصومه هدية مجانية، كما حدث مثلا عندما أعلن أنّ الرئيس الأسبق للجمهورية بشير الجميل "كان يجب أن يقتل".

في أي حال، وسواء أكان عبيد قد نجح في الدفاع عن حزب الله أم لم ينجح، فإنّ هذا الأمر لن يؤثر بشيء في القرار الذي اتخذه الحزب، ويتوقع أن يستمرّ أيّاما وأسابيع أو حتى أشهرا، ويمنع بموجبه المسؤولين السياسيين على المستويات كافة من الظهور في البرامج الحوارية، سواء في مواجهة ممثلين عن الفريق الآخر أو غيرهم، وهو الأمر الذي سيحصر، بل حصر، خيارات المقدّمين والمقدمات بسياسيين على ضفاف الحزب، لعل أكثر ما يغري في استضافتهم هو سقف كلامهم العالي، وإن كانت المشكلة في هذا الكلام أنه لا يتعدى في كثير من الأحيان أن يكون أكثر من قنبلة صوتية "تفش خلق" جمهور المقاومة ولا تلزم قيادته بشيء.

يتقدم هذه الشخصيات، طبعا، الوزير السابق وئام وهّاب الذي أطلّ على قناة "المنار"، فانتقى من قاموس حديقة الحيوانات أكثر من صنف شبّه به مدّعي عام المحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار. ويليه الإعلامي رفيق نصرالله الذي بات اليوم محاربا على جبهتين: جبهة لبنان التي ستكثر فيها الحاجة إليه، وجبهة سوريا، حيث يحل الرجل ضيفا شبه دائم على التلفزيونات الرسمية وشبه الرسمية، مستنهضا همّة السوريين للدفاع عن نظامهم، فضلا، طبعا، عن النائب السابق ناصر قنديل الذي يحمل ثأرا شخصيا مع المحكمة الدولية منذ وضعته لجنة التحقيق في دائرة الشبهة، ولم تكتف باستجوابه، بل منعته أشهرا طويلة من حقه وهوايته في الكلام.

الامور بلغت مرحلة الافعال

ساعات تلفزيونية طويلة إذاً سيتكلم وهاب نصر الله وقنديل، وسيتكلم آخرون سواهم. أما مسؤولو حزب الله فسيفضّلون ذهب السكوت على فضة الكلام، اقتناعا منهم بأن الأمور تجاوزت مرحلة الأقوال وبلغت مرحلة الأفعال، وبالتالي فإنّ عملا هادئا بعيدا من الأضواء يواجه كل السيناريوهات المحتملة هو الأكثر جدوى، علما أنّ الحزب، وانطلاقا من خلفيته العسكرية، اعتاد أن يكون تشاؤميا من الناحية الأمنية، وأن يفترض بالتالي أسوأ الاحتمالات، بدءا بحرب إسرائيلية جديدة تحاول أن تكون مادة متمّمة للقرار الاتهامي، وتضمن تأليب من لم يتألب من الناس عليه، وليس انتهاء بعودة مسلسل الاغتيالات لشخصيات معارضة لسلاح الحزب تكون حياتها "كبش محرقة" لضمان بقائه في دائرة الشبهة، علما أنّ بعض الأمنيين الحزبيين لا ينكرون خشيتهم من وقوع أسوأ الأسوأ، وهو تسلل بعض أجهزة الاستخبارات الدولية المعادية لحزب الله من إحدى الثغرات الأمنية الكثيرة في لبنان إلى داخل المخيّمات الفلسطينية في مناطق ذات كثافة سكانية شيعية -تحديدا مخيّم برج البراجنة- لمحاولة افتعال اقتتال فلسطيني شيعي يحرج حزب الله داخليا وخارجيا، إو إلى داخل المساجد السنّيّة والشيعية للقيام بأعمال تخريبية هنا وهناك، تزيد الاحتقان الطائفي، وتضمن دفعه نحو الانفجار.

هو وقت العمل إذاً، ووحده الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله من سيتولى الكلام في موضوع المحكمة الدولية. وكما قاد الرجل منفردا معركة التفاوض في شأن الأسرى قبل أعوام، سيقود منفردا معركة مقارعة القرار الاتهامي وملحقاته، علما أن مسؤولين إعلاميين في الحزب لا ينكرون انهم تعلّموا من الحروب الكلامية السابقة يوم كانت قوى 14 آذار تستفيد من الاستطرادات الكثيرة لنصرالله للبحث عن جملة حمّالة أوجه تستخدمها في غير اتجاهها. لذلك، فإنّ الامين العام للحزب كان حريصا في كلمته الأخيرة على أن يكون علميا إلى أبعد حدود، فيقارع الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، من دون كثير استطراد. ولولا اتهامه في نهاية الخطاب بعض مسيحيي قوى 14 آذار بأنهم يحلمون بالفتنة السنية الشيعية، لأمكن القول إن خطاب الأحد كان الأول منذ سنوات يخلو من تخوين للفريق الآخر.

وعليه، فإنّ تقييم الحزب للخطاب هو إيجابي إلى أقصى الحدود. فهو، في نظرهم، أحرج الخصوم، ولو انكروا ذلك وأمّن للمؤيدين والمحايدين مادة منطقية بين ايديهم للتشكيك في صدقية المحكمة، علما أنّ ثمة من يؤكد أن ما عرض مساء الأحد الماضي لم يكن سوى غيض من فيض، وأن في جعبة السيد كثير من اوراق اللعب، أو بالأحرى أشرطة الفيديو التي يحتفظ بحق لعبها في الزمان والمكان المناسبين. وإذا كان بعض هذه الأشرطة في وارد أن يجد طريقه إلى النشر لا عبر الحزب مباشرة، بل عبر وسائل إعلام قريبة من خطه السياسي، فإن بعضها الآخر سيبقى في صندوق حارة حريك الأسود ليخرج على دفعات متزامنة مع دفعات ملحقة بالقرار الاتهامي.

زمن المفاجآت قد بدأ! هكذا يقول حزب الله، ومن يعتقد أنّ الحزب لا يستطيع أن يفاجئ إلّا في ميادين القتال، عليه، على الأرجح، أن يراجع حساباته. وإن لم يفعل، فقد يفع الحزب نحو صور بعض منفذي الجرائم وفي ساحة الجريمة، إذا ما وجدت لديه أولا، أو ثانياً، إذا قرّر عرضها.

السابق
تأثير التكنولوجيا على الصحة
التالي
بلديات جبل عامل تطلق مهرجانها الرياضي الأول