الاخبار: ميقاتي: وعدونا بمعارضة سـلميّة!

مجدداً، اشتعل الجمر الذي تحت الرماد، بين التبّانة وجبل محسن، لتدفع طرابلس ثمناً دامياً، حصيلته الأوّلية 5 قتلى من أبنائها، و31 جريحاً، بينهم 3 عسكريين. فجأةً، اندلعت الاشتباكات العنيفة، بالرصاص الحي والقذائف الصاروخية، فعاد أهل المنطقة إلى ممارسة عادتهم غير المحببة: الهجرة القسرية لاتّقاء الموت. ربما هي الانعكاسات العملية الأولى للأحداث الجارية في سوريا. فالاشتباك وقع بعد تظاهرة مناهضة للنظام السوري في طرابلس. وربما ثمة من يريد تفجير المدينة في وجه الرئيس نجيب ميقاتي، وحكومته الطرابلسية، في اليوم الذي كان يُعَدّ فيه لاستقباله في مدينته باحتفال شعبي. وفي كلتا الحالتين (أو في غيرهما)، ظهر أن في البلاد من لا يزال مستعدّاً لإراقة دماء غزيرة من أجساد فقراء الشمال، إمّا بهدف الضغط على جهة ما خارج الحدود، أو بسبب فقدان كرسيّ

بمعزل عن المتسبب فيها وهل هي متعمدة أم وليدة لحظتها، لم تنغّص اشتباكات جبل محسن وباب التبانة فرحة الذين كانوا يستعدّون للاحتفال بمن يمثلون الحصة «الحرزانة» لطرابلس في الحكومة، وحسب، بل تحولت إلى الامتحان الأقسى لحكومة وليدة ما زالت في أول درجات صياغة بيانها الوزاري، الأمر الذي قد يترك تداعيات على مضمون برنامجها، خصوصاً أن هناك من ينتطر «على الكوع» ولن يترك فرصة إعادة إثارة موضوع السلاح تمرّ من دون استثمار.

أمس قصد أبناء طرابلس الحكوميون: رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والوزراء: محمد الصفدي، أحمد كرامي، نقولا نحاس وفيصل كرامي، مدينتهم ليتشاركوا كما قال الأول «في الاحتفال بالتمثيل الوازن لطرابلس في الحكومة» وليبشروا الطرابلسيين «بإنماء وضعنا مسودته». لكن الاشتباكات فرضت عليهم التداعي إلى منزل ميقاتي في محلة المعرض، حيث عقدوا اجتماعاً مغلقاً في مكتب جانبي، بدأ بتسجيل أول مصافحة علنية بين «الكراميين»، وحضره كبار مستشاريهم.
الاجتماع دام أكثر من نصف ساعة، خرج بعدها الخمسة ليجلسوا متجاورين في مواجهة الكاميرات والصحافيين. ميقاتي الذي تحدث باسمهم، رفض اتهام أحد «لا يمكن أن أتهم أحداً، وليس لدي أي دليل»، لكنه لم يبرئ «أيدي الفتنة» من العبث بالأمن، بل رأى أن توقيت الاشتباكات «مريب»، ولفت قوله: «نفهم المعارضة سلمية وبناءة، وهذا ما وعدنا به»، وكذلك حديثه عن «رسائل»: «نحن رسائل محبة وإنماء وبناء، ونرى أن الرسائل الأخرى تكون رسائل دماء وتهديد»، وتشديده على أنه «من أي جهة أتت الرسالة، المهم ألا تدفع طرابلس الثمن، فكفاها ما تدفعه من أثمان».
وأكد مسؤولية الحكومة عن أمن المواطنين والوطن، وأن «السلم الأهلي خط أحمر، ولا مساومة على الأمن إطلاقاً، ولا تراجع عن الإنماء»، داعياً الطرابلسيين «إلى وعي الأهداف الخبيثة وإسقاطها». وأعلن إصدار تعليمات صارمة للجيش والقوى الأمنية للضرب بيد من حديد، وتكليف الأجهزة المختصة بالتحقيق في ما حصل «ويخطئ من يظن نفسه أقوى من الدولة والقانون أو أنه قادر على الإفلات من العقاب».
وفي ظل غياب أي موقف رسمي لتيار المستقبل من التطورات الطرابلسية، سارع النائب أحمد فتفت إلى إصدار بيان قال فيه: «فوجئنا بالاتهام المبطن للرئيس ميقاتي للمعارضة بأن لها يداً في أحداث طرابلس الأليمة». ورأى أن «خسارة» رئيس الحكومة «لأحد أهم أركانه الأمنيين (الجريح خضر المصري)»، قد يكون «هو ما دفعه الى محاولة توجيه الاتهام الى مكان آخر». وتابع: إن ميقاتي «يدرك تماماً أن المعارضة الممثلة بقوى 14 آذار، وتيار المستقبل تحديداً، ليست طرفاً بأي شكل من الأشكال في كل مجريات الأمور في طرابلس» أمس، ليختم قائلاً لميقاتي: إن هذه الاتهامات «لا تبشر بالخير»، ومؤكداً له «أن المعارضة كانت وستكون دائماً سلمية وديموقرطية».

إغتيال الحريري إعلاميا

وفيما كانت الحكومة الجديدة مشغولة بأمن طرابلس، كانت عواصم العالم وإعلامها تتفرغ لأمن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وسط تضارب معلومات عن مكان وجوده وعن حقيقة «المخطط» لاغتياله، هل هو مجرد تبرير عائلي لوجوده معظم فترة تصريف الأعمال في الخارج، أم هو معلومات استخبارية أميركية، أو «قناعة» أميركية ـــــ سعودية بوجود خطر على حياته؟
القصة التي بدأت من بيروت بقول أحد أفراد العائلة إن الحريري موجود في الخارج بسبب تلقيه تحذيراً عن وجود محاولة لاغتياله، تطورت عند صحيفة «الرأي» الكويتية يوم 13 من الجاري، إلى أن مصادر أميركية أبلغت الحريري بوجود خطة لاغتياله في بيروت «كان يفترض أن تنفذ في شهر أيار الماضي»، وأن متابعات لموكبه رصدت عندما كان في بيروت «خصوصاً على طريق المطار وأحياناً في المطار نفسه»، مضيفة أنه تلقى تحذيرات مماثلة من السلطات السعودية والفرنسية.
قصة «الرأي» أعادتها أول من أمس صحيفة «لبراسيون» الفرنسية أول من أمس، مع بعض التغييرات والإضافات اللافتة، أولها أن الحريري موجود في باريس منذ أسبوع وأنه يعيش «لاجئاً» بين العاصمتين الفرنسية والسعودية، لأن «الأجهزة الأمنية الأميركية والسعودية تخشى أن تكون حياته مهددة» من النظام السوري، لكن المفارقة أن الصحيفة نقلت عن مصادر في لبنان أن أول غيث التهديدات للحريري «كان إنذاراً جدياً أولاً على طريق المطار قبل أسبوع»، لا في أيار الماضي، وليس والحريري في بيروت، بل وهو يتنقل «لاجئاً» في عواصم العالم.
لجوء الحريري إلى فرنسا، نفاه أمس المتحدث باسم خارجيتها برنار فاليرو، الذي أكد عدم وجود معلومات خاصة لديه في هذا الصدد، فـ«الحريري غالباً ما يأتي إلى فرنسا. يكون هنا يوماً، ويغادر في اليوم التالي». وعلق على المعلومات الصحافية عن «مخطط» الاغتيال بالقول: «موقف فرنسا الثابت عموماً هو ان أمن الحريري كأمن أي مسؤول سياسي لبناني آخر، كما أمن لبنان بأسره، أولوية بنظر فرنسا».
في مجال آخر، لفت في فترة التمهل التي أعلنتها واشنطن لإعلان موقف من الحكومة الجديدة، بدء السفيرة الأميركية مورا كونيلي جولة على قيادات المعارضة، قادتها أمس إلى مكتب الرئيس فؤاد السنيورة في السادات، ومنزل الرئيس أمين الجميّل في بكفيا، وأفاد بيان لمكتب الثاني انه «تم التشديد على ضرورة تحصين لبنان في هذه المرحلة للحفاظ على مصالحه والتزاماته الدولية، وأن ينأى بنفسه عن الأحداث في المنطقة ولا سيما في سوريا كي لا تشكل الساحة اللبنانية امتدادا لما يحدث من حولها، وخصوصاً أن المجتمع الدولي يراقب عن كثب مسار الحكومة الجديدة ويتخوف من أن يدخل لبنان في محاور لا تخدم مصالحه بالتأكيد».

السابق
اللواء: طابع التدخُّل السوري المفضوح يُكبِّل عمل الحكومة ويُعيق انطلاقتها
التالي
قانـون اختيـاري لا يلغـي سلطـة الطوائـف على مريديها