مسيحيّو بنت جبيل خرجوا ولم يعودوا

تجاور الكنيسة المسجد في عدد من القرى الجنوبية. رغم ذلك، يصعب العثور على أهالي البلدة من المسيحيّين فيها، ذلك أن معظمهم غادرها إلى بلاد الاغتراب ولم يعد إليها. ومنهم من تخلى عنها نهائياً عامداً إلى بيع أرضه فيها، ولو بأسعار تعدّ زهيدة في سوق العقارات. هذا ما حصل في بلدات مثل برعشيت، صفد البطيخ، يارون ودردغيّا.

في برعشيت، يُجمع المسيحيون على القول إن سبب هجرتهم الكثيفة، وبيعهم للأراضي، هو الحاجة لا المشاكل الطائفية، بدليل أن «بعض المسيحيين من الذين يملكون المال اشتروا أراضي جديدة لهم في برعشيت» يوضح يعقوب حداد.

أما مختار يارون السابق علي غشام (82 سنة)، فيؤكد: «المسيحيون يعيشون هنا منذ القدم وهم يمثّلون نحو ثلث سكان البلدة التي يبلغ عدد سكانها نحو 5000 نسمة، وسبب غنى المسلمين الشيعة هو بلاد المهجر، فيما نزح المسيحيون بمعظمهم الى بيروت، الذين هاجروا منهم لم يعودوا إلى بلدتهم. لذلك تجد أن أكثر المقيمين في البلدة الآن من الطائفة الشيعية، إذ فيها نحو 2000 مقيم شيعي مقابل نحو 200 مسيحي، والكثيرون منهم باعوا أراضيهم بسبب الحاجة».

أبو جورج يونس (85 عاماً) يقول: «نحن هنا منذ أكثر من مئتي عام نعيش من دون أيّ حسابات طائفية، ولم نشعر يوماً بأننا أقلية بين أكثرية شيعية، أنا علّمت أولادي التسعة من ثمار أرضي الواسعة هنا، لكني الآن أملك 100دونم من الأراضي، وهي لا تكفيني لأعيش من ثمارها وحدي، ولا تؤمن حتى رغيف الخبز، ورجال السياسة لا يكترثون لحالنا. لهذا السبب هاجرنا. كان عددنا، نحن المسيحيين، أكثر من 700 نسمة، هاجر معظمهم هرباً من الجوع وقلة العمل منذ عام 1975، بعدما كانت الأراضي الزراعية مورد عيشنا الأساسي، لكن عدد المسيحيين الآن لا يتجاوز الـ70 نسمة».

ثمّة سبب آخر لتدنّي أعداد المسيحيين في المنطقة، بحسب أبو جورج، هو أن أبناء الطائفة الشيعية «يتناسلون أكثر منا، ويهاجرون أيضاً، لكنهم يحبون أرضهم كثيراً، فيعودون اليها ليبنوا بيوتهم. أما المسيحيون، فلا يعودون. لي الكثير من الأقارب الذين تركوا البلدة إلى المهجر من دون أن يفكروا في العودة، من بينهم أخَوان لي توفيا في أفريقيا ودفنا هناك، بينما الشيعة يعودون ولو كانوا أمواتاً».
معظم المنازل المسيحية الـ 40 في برعشيت قديمة جداً وغير صالحة للسكن، منها 15 منزلاً مأهولة والبقية مهجورة، وقد هُدم 25 منزلاً خلال حرب تموز الأخيرة، ويُعمَل الآن على إعادة بنائها من جديد. ويحاول معظم النازحين المسيحيين زيارة البلدة في المناسبات.

في بلدتي تبنين وصفد البطيخ الوضع مشابه، مع اختلاف واضح في تبنين، التي ما زال عدد المسيحيين كبيراً فيها، وهناك اهتمام واسع من المجلس البلدي بالحارة المسيحية، التي لا تختلف كثيراً عن الحارات الشيعية، وتعلو الكنيسة الجميلة تلة البلدة، وتجاور معسكر قوات اليونيفيل القديم الجديد، الذي أمّن العمل للكثيرين من أبناء تبنين المسيحيين والمسلمين.

بلدة صفد التي تهدمت كنيستها وأعادت قطر إعمارها شهدت بيعاً لافتاً للأراضي المملوكة للمسيحيين. ويغلب الفقر على المسيحيين المقيمين في قرى بنت جبيل، فمعظم البيوت قديمة جداً، والكثير منها مهجور ويحتاج الى ترميم، ويعتمد معظم هؤلاء على الوظائف العامة والعمل مع قوات اليونيفيل، إضافةً الى الزراعة وبعض المهن الصغيرة الأخرى.

السابق
اسرائيل تتوسط لتعويم النظام السوري
التالي
حملة نظافة لكشافة البيئة في الناعمة