لبنان فوق «الفوهة» السورية الجميع «يستشرف» خيارات… الجميع

 

لم تعد عملية تشكيل الحكومة في بيروت «القضية رقم واحد» في اهتمامات اطراف الصراع في الداخل، و«الفراغ الملغوم» الذي مضى عليه اربعة اشهر ونصف الشهر في السلطة يكاد ان يتحول مادة تسلية على طريقة «الكلمات المتقاطعة»، ربما لأن اللاعبين المحليين «المتحدرين» من عوالم اقليمية متناحرة يحبسون أنفاسهم و«خياراتهم» في لحظة «الفرز والضم» التي يشهدها «البازل» الاقليمي من حولهم.
لهذا السبب صارت الاندية السياسية في بيروت و«الامانات العامة» للقوى السياسية والاحزاب الرئيسة كـ «خلايا ازمة» تتدارس الخيارات الاستراتيجية، وتقوم بـ «فحص» التحولات وتستعين بـ «الخبراء» لمعاينة مواقف الدول واستشراف المتغيرات وسط كم هائل من الاسئلة الـ «بلا جواب» في ضوء الوتيرة المتسارعة للأحداث لا سيما في سورية ومنها، الساحة الاستراتيجية التي لا تشبه سواها في التأثير على ما حولها.
كيف ينظر «حزب الله» الى ما يجري في سورية وما هي خياراته «المكتومة»؟ كيف تقارب «14 آذار» احداث سورية وماذا تحضر للمستقبل؟ ماذا عن ايران وتركيا واي موقف سيكون لروسيا؟ في اتجاه اي سيناريوات «تزحف» سورية، السيناريو المصري ام الليبي ام اليمني؟ وماذا عن «عموم المنطقة» في ضوء الانهيارات المتتالية في «معاقل» النظام الرسمي العربي؟ واي لبنان سيكون وسط كل هذا الطوفان التاريخي؟
قبل مدة خرج الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله على الملأ معلناً الوقوف الى جانب النظام في سورية «الممانعة» بعدما سرد «الأسباب الموجبة» لهذا الخيار، وتالياً فإن هذا الموقف الذي صاغه بـ «ديبلوماسية فائقة» لمحو ما امكن من اسئلة عن سر انحياز «حزب المقاومة» لنظام يستخدم القمع الدموي وما هو ادهى ضد شعبه، يضع «حزب الله» وخياراته في اللحظة الراهنة او تلك الاستراتيجية تحت معاينة دقيقة و«حثيثة».
من لا يعرف «حزب الله» تماماً يحلو له القول ان الوقائع الجديدة ستجعله اكثر «واقعية» في تعاطيه مع التحولات في سورية، و«نقطة الارتكاز» في هذه الخلاصة تستند الى الآتي:
• في اللحظة التي يتضح ان نظام الرئيس بشار الاسد «نحر نفسه» بقفله ابواب الاصلاح الفعلي وحرق المراكب مع شعبه والمضي في الخيار الامني وإدارة الظهر لحلفائه قبل خصومه، فإن «حزب الله» «لن ينتحر» لإنقاذ نظام فات اوان انقاذه، وتالياً فإن واقعيته ستملي عليه الحد من الخسائر عبر المفاضلة بين السيئ والاسوأ.
• ان «حزب الله» لن يكون في منأى عن شظايا التحولات التي من غير المستبعد ان تصيبه في الصميم كـ «حزب اقليمي»، فخسارته للنظام في سورية بعد إنكسار «مشروع التغيير» الممتد الى البحرين فالسعودية يجعله في وضع شبيه بـ «الاحزاب الشيوعية» بعد تهاوي الاتحاد السوفياتي وما اصابها من انتكاسات، الامر الذي قد يدفعه الى حفظ إنجازاته الداخلية في لبنان والذهاب الى تسوية مع الآخرين.
• عدم استبعاد دخول ايران، المرشحة لأن تفقد «نصفها الثاني» المتمثل بنظام الاسد، في مقايضة مع الاميركيين تقوم على مباركة دولية للنظام الايراني الحالي لكن «داخل ايران» مع ما يعنيه ذلك من رفع للعقوبات و«شرعنة» لامتلاك طهران الطاقة النووية لقاء رفع يدها من مناطق النفوذ الاقليمية، الامر الذي سيضطر «حزب الله» الى «لبننة» خياراته بنزع الرداء الاقليمي عنه.
غير ان الذين يعرفون «حزب الله» عن قرب يعتبرون ان كل ما تقدم مجرد «تحليل» تطغى عليه «التكتيكات السياسية» في قراءة لا ترقى الى ما هو استراتيجي في «عقل» الحزب وخياراته. وهم يتحدثون وبلغة «واثقة» عن ان «حزب الله» سيتصرف على النحو الآتي:
• يستبعد «حزب الله» سقوط نظام الاسد ويعتقد ان المستقبل في سورية سيكون إما لبقاء الاسد وإما لـ «التقسيم» تحت وطأة الضغوط الخارجية. ففي تقويمه ان ما يجري هناك مؤامرة لا ثورة، وتالياً لا يمكن التسليم او الاستسلام لمحاولة شطب النظام الممانع.
• في لحظة بلوغ الضغوط على سورية حد تهديد النظام بالسقوط فإن قرار «حزب الله» بإنقاذه سيكون عبر فتح حرب اقليمية اول صاروخ فيها سيكون على تل ابيب، الامر الذي من شأنه قلب الطاولة في وجه الجميع، وتالياً قلب الاولويات داخل سورية وفي المنطقة.
• يدرك «حزب الله» بأنه سيكون الهدف التالي بعد اسقاط نظام الاسد، لأنه سيصبح «أسيراً» في بيئة معادية، الامر الذي يسهل عملية «الانقضاض» عليه. فسورية من دون نظامها الحالي ستكون معادية للحزب وكذلك «البيئة اللبنانية» المرشحة للإفادة من انتقال دمشق من ضفة الى ضفة، وتالياً فإنه لن يتوانى عن المجازفة بالاندفاع نحو الحرب «يا قاتل يا مقتول» لأنه سيواجه من دون نظام الاسد «القتل البطيء».
• الكلام عن «بيئة معادية» للحزب في الداخل اللبناني مرده الى «الحرب الباردة» التي دارت بينه وبين «14 آذار»، وهو على إقتناع بأن التوازنات الداخلية لن تكون في مصلحته مع اي تغيير في سورية. فالزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي اقتيد مرغماً الى تطبيع العلاقة مع الحزب سيعود الى حيث كان، وضمانة استمرار التحالف مع الشريك المسيحي المتمثل بـ «التيار الوطني الحر» هو شخص زعيمه العماد ميشال عون لا اكثر ولا اقل.
وما لا يقوله «حزب الله» او الدوائر اللصيقة به عن «القطبة المخفية» في السلوك الاستراتيجي له، تعبّر عنه دوائر مراقبة حين تشير الى ان الحزب الذي راكم انتصارات تلو انتصارات وكان الحلقة الأصلب في محور يمتد من ايران فالعراق الى سورية ولبنان فغزة، ويطمح للتمدد عبر المعارضة البحرينية فالحوثيين في اليمن سيكون اكثر شراسة في الدفاع عن هذا المحور لأسباب استراتيجية وعقيدية بمعزل عن الاثمان.
واللافت في محاولة إستشراف خيارات «حزب الله» مع انزلاق الوضع في سورية نحو الاسوأ، ان خصمه الداخلي اي حركة «14 آذار» غير قادرة على تحديد «الابيض من الاسود» في المنحى الذي سيسلكه الحزب مما يجعلها اسيرة «فرضيات» تعمل على مقاربتها بجهد نظري ليس إلا.
اما في الموقف مما يجري في سورية، فرغم ان «14 آذار» السياسية لم تخف «حبورها» بحركة الاحتجاجات المتعاظمة ضد النظام وبارتفاع وتيرة الضغوط عليه، الا انها تحاذر، وفي رأي اوساط في «مطبخها» إتخاذ اي موقف «رسمي» قبل تبلور الموقف العربي وعلى نحو محدد وعلني من الاحداث في سورية.
وبهذا المعنى فإن «14 آذار» عربية الآن حيال «الحال السورية»، ومن المستبعد «البوح» بموقف واضح قبل صوغ موقف عربي اجماعي، وربما يفسر هذا «الحذر» ابتعاد زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن لبنان بعد الاضطرابات الدامية في «الشقيقة» سورية، واحتمال عدم عودته قبل اتضاح الخيط الابيض من الاسود على هذا المستوى.
غير ان غياب الحريري لم يغيب النقاش داخل الحلقات المقفلة في «14 آذار» وسط الشعور بـ «البطالة السياسية» الناجمة عن ان هذه القوى «غير معنية» بالمأزق الحكومي بعدما تمت الاطاحة بحكومة سعد الحريري، وغير قادرة على «التدخل» في الشأن السوري طالما ان العرب لم يتخذوا موقفاً معلناً.
وعلم ان مناقشات جرت داخل حلقة محدودة في «14 آذار» حول «ماذا نفعل؟» فتم استبعاد خيار اطلاق اي مبادرة في اللحظة الراهنة، وتقرر اطلاق ورشة «تفكر» في ملاقاة التحول السوري وارتداداته على لبنان، خصوصاً لجهة الخيارات المحتملة لـ «حزب الله»، وسط «فرضيتين متوازيتين»، إمكان معاودة تموضع الحزب في الاطار اللبناني على النحو الذي يسهل معه التوصل الى تسوية، واحتمال جنوحه نحو حرب كأنها «الطلقة الاخيرة» بيده، الامر الذي يصعب معه تصور الحجم الكارثي لهذا «الهروب الى الخلف».
وتستحضر بعض الاوساط في ملاقاة «المصير المجهول» الذي ينتظر لبنان «مؤتمر المسامحة والمصالح» الذي شكل جوهر المسعى السعودي ـ السوري قبل التحولات الاخيرة، فمن شأن مؤتمر من هذا النوع ان يؤسس لمرحلة جديدة شرطها العدالة في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والمسامحة ووضع سلاح «حزب الله» في يد الدولة واطلاق ورشة لتطوير النظام بوسائل ديموقراطية قاعدتها تطبيق الطائف قبل الشروع في تعديله واجراء انتخابات نيابية على اساس النسبية وتشكيل مجلس شيوخ لحفظ «الضمانات» للطوائف.
وفي حمأة هذا النوع من المناقشات في «خلايا الازمة» الممتدة على طول لبنان وعرضه تسمع عن ان الرئيس التركي عبدالله غول يتحدث عن الاستعداد لاسوأ السيناريوات السياسية والعسكرية في سورية، وعن ان رئيس وزرائه رجب طيب اردوغان يتحدث عن «فظاعات يرتكبها النظام في سورية»، وعن ان روسيا تستعد لاستقبال وفد من المعارضة الروسية.
وثمة من يستنتج ان ربما الاختبارات صارت تسابق «فحص» الخيارات، الامر الذي من شأنه ان يسرّع… المفاجآت.

السابق
الديار :احمد كرامي يهدد… وارسلان لن يشارك
التالي
أي رمزية لـ «الجامع والجمعة» في الثورات العربية؟