جميلات.. “نسوة كافيه”

هي امرأة وليست سلعة، روح وليست جسداً، جميلة وليست فارغة. انها المرأة اللبنانية التي أطّرت لعقود مضت تحت مقولة "كوني جميلة واصمتي" وملت السير تحت قبعة فكرة سائدة أنتجها مجتمع ذكوري.
لماذا على الجميلة أن تصمت؟ ومن قال إن المرأة الجميلة لا تستطيع أن تكون مفكرة ومناضلة ومثقفة ومنتجة؟ ومن قال إن تلك التي تدير الرؤوس للحظة بجمالها لا تستطيع أن تديرها بالفكر والموهبة والذكاء؟
ألم تكن الملكة زنوبيا من أجمل الجميلات فحكمت وحرّرت وواجهت جيوشاً من الرجال؟ هل أنجزت كل ذلك برمشة عينيها ووهج جمالها؟ ألم تكن أليسار ملكة قرطاج جميلة الجميلات واستطاعت بذكائها وارادتها أن تسّجل اسمها في التاريخ؟

أما اليوم، فباتت سلعة تستخدم لتجميل منتج أو لتسويق فكرة. فمن الدراما اللبنانية، الى الأفلام السينمائية العربية والعالمية، وصولاً الى الاعلانات، يتم تصدير صورة المرأة اللبنانية على أنها الجميلة، الجذابة، المثيرة… فقط.
من هذا الواقع المخجل والمؤلم في آن، انتفضت عدة جمعيات وجهات مختصة بشؤون المرأة لتصحيح هذه الصورة المغلوطة والمحرّفة قصداً أو عن غير قصد وانطلقت تحركات جدية رافضة لـ "تسليع" المرأة ولتثبت أن المرأة اللبنانية أكثر من مجرد وجه جميل.

إحدى هذه التحركات وأكثرها حماسة، مشروع أبصر النور من أيام قليلة، انما حقق تقدماً نموذجياً في هذا المجال. وللمفارقة فان "دينامو" التحرك رجل استفزه "واقع المرأة اللبنانية المحزن" وكان السباق الى إنشاء موقع الكتروني ينطلق من خلفية مكافحة
الصورة المسيئة التي اقترنت بها على الصعيدين العربي والعالمي.

علي عطوي رئيس تحرير موقع "نسوة كافيه" www.neswacafe.com، يرفض أن تكون اللبنانية مجرد امرأة مثيرة سطحية لا عقل لها ولا ثقافة. يقول إن "المرأة اللبنانية ليست للمتعة، بل لديها قدرات وطاقات في مجالات الثقافة والعلم والسياسة والاقتصاد، ومن المعيب بحقها أن تحصر بجمالها وحسب".

أنشئ "نسوة كافيه" بمبادرة فردية من عطوي، وسرعان ما لاقى مشروعه استحساناً وتشجيعاً من كافة الجمعيات النسائية في لبنان وبدأ بتكوين فريق عمل يتمتع بالحماسة والشجاعة ليقول "لا" بوجه المسيئين لصورة المرأة اللبنانية.
مفهوم النسوية ليس حكراً على الجنس اللطيف فحسب، فعطوي يؤمن بأن المرأة مساوية للرجل ولها الحق في تصحيح صورتها التي شوهها كثيرون، ويعتبر أن العديد من الجهات في لبنان مسؤول عن تكوين هذه الصورة المسيئة، فيقول: "ان شركات الاعلان وصناع الدراما اللبنانية وكذلك العربية والعالمية مسؤولون عن تأطير المرأة اللبنانية وجعلها جسداً مثيراً ووجها جميلاً وعمدوا الى تهميش دورها وجهدها الانساني والعلمي والثقافي والسياسي".

أما المسؤولية فهي مشتركة، وتقع برأيه على الطرفين "المرأة التي ترضى بأن تستغل جمالياً وجسدياً وتقبل أن تعكس صورة غير مشرفة عن المرأة اللبنانية للعالم بأجمعه، والرقابة اللبنانية على المسلسلات والأفلام التي تمارس دورهل بما يتعلق بالجانب السياسي فقط وتتجاهل الجانب الأخلاقي".

شركات الاعلان تبتغي الربح المادي فقط، وتستخدم المرأة كمشهد جمالي فقط، فالمشاهد يرى اعلاناً لمسحوق غسيل، سيارة، مشروب غازي، مايكرويف، خدمات مصرفية..كلها خدمات لا تسوق إلا إذا ما تضمن الإعلان "وجه جميل"، وكأن المرأة وظيفتها الترغيب لا غير.

في هذا المجال، يقول عطوي إن "التخطيط جار للتواصل والتعاون مع شركات الاعلانات في القادم من الأيام للوصول الى تصور يخدم الطرفين"، لكنه يبقى واقعياً فيضيف "بالتأكيد لن تستجيب لطلباتنا ولكن يكفي شرف المحاولة".
والأخطر من هذا برأيه، هو المرأة ذاتها التي رضيت أن تقولب وتستغل جمالياً وترفيهياً، واعتادت التهميش في كل المجالات الأخرى أو ربما استسلمت، "فصحيح ان هذه الشريحة لا تمثل كل النساء، انما بالتأكيد لديها بالغ الأثر على صورة المرأة في لبنان وخارجه" يشدد عطوي.

أما الأفلام والمسلسلات اللبنانية والعربية، فينحصر وجود المرأة اللبنانية فيها بأدوار الإثارة والمشاهد الساخنة والعري حتى باتت نظرة الجميع الى المرأة اللبنانية هي تلك الجميلة من الخارج والتي تفتقرالى العلم والثقافة والذكاء.
يهدف موقع "نسوة كافيه" الى إحداث ثورة في المجتمع الذكوري لوضع حد للمفاهيم المغلوطة والتمييز الجندري، ويدعو المرأة اللبنانية الذكية، الطموحة والمثقفة الى أن تثبت وجودها في الساحات والمجالات كافة، وهو مساحة تعبير لكل المعنيات والمعنيين بهذا الشأن ليساهموا فكراً وكتابة وحواراً في المواضيع المطروحة.

هذا الموقع محاولة لدعم المرأة في كافة المجالات، حقوقاً وموقعاً ودوراً. انه تجربة تهدف الى تأسيس واقع جديد للمرأة اللبنانية، ولكسر الصورة النمطية التي قيدت المرأة بجمالها. ويعمل الموقع على تقديم وتثقيف للمرأة في كافة المجالات، بدءاً بالتحقيقات حول حقوق المرأة والكوتا النسائية، الى التوعية لحل مشاكل العنف الأسري والتحرش الجنسي وغيرها من اشكال المعاناة، اضافة الى مواضيع اجتماعية وصحية وثقافية متنوعة.

منذ أوائل عام 1930 بدأت الحركة النسوية في لبنان من أجل التغيير، واليوم يكمل "نسوة كافيه". وللمرأة اللبنانية التي يقال لها "كوني جميلة واصمتي" يقول موقع نسوة كافيه "كوني جميلة ومثقفة".

السابق
تجمّع علمائي كبير من السنّة والشيعة في تلة مليتا
التالي
أكبر تمويل عسكري لحماية المستوطنات الإسرائيلية