اعطى الحد الاقصى

لبضع لحظات أمس انكشف امامنا نتنياهو آخر. معاكس للصورة التي باعوها لنا على مدى السنين.
لم يكن هذا خطابا تشرتشليا. نتنياهو لم يتخذ حسما كبيرا، لم يغير الاتجاه. بل انه لم يقل امورا مفاجئة، أو يعرض مبادرة جديدة. لم يكن هذا خطاب حياته، ربما ببساطة لان اكثر من ذلك لا يمكنه ان يعطي. ومن لا يفهم ذلك، لا يفهم من أين أتى نتنياهو والى اين يسير. ان نتوقع من نتنياهو أن يقول "نعم" لصيغة اوباما، هو كأن نتوقع منه أن يخرج من دي.أن.ايه ذاته. هذا كمن يولد من جديد. او يموت.
إذن يمكن انتقاد نتنياهو حتى الغد، والقول ان شيئا لم يتغير حقا. كلمات اخرى، خطاب آخر هو خطوة صغيرة جدا من ناحية المسيرة السلمية. مفاوضات لن تكون هنا، وبالتأكيد ليس سلام.
ولكن من ناحية نتنياهو هي خطوة كبيرة جدا. رئيس معسكر اليمين، الزعيم الايديولوجي لليكود، تحدث أمس بالشكل الاكثر طبيعية عن دولة فلسطينية. إذن صحيح أنه سبق أن تحدث عن دولتين. ولكن امس بدا هذا مختلفا. لم يعد هذا التلعثم المكبوت الذي كان في خطاب بار ايلان. حتى وان لم يقل ولن يقول ابدا "خطوط 67" – فقد تحدث نتنياهو امس عن المستوطنات التي ستبقى خارج حدود اسرائيل وتحدث عن سخاء اسرائيلي في سياق حجم الدولة الفلسطينية، وعن أن اسرائيل ستكون الاولى التي ستعترف بها في الامم المتحدة.
ولكن كل هذا سيحصل اذا. اذا مزق ابو مازن الاتفاق مع حماس، واذا اعترف الفلسطينيون بدولة يهودية، واذا تنازلوا عن القدس، واذا وافقوا على دولة مجردة وتواجد عسكري في غور الاردن. كل التحفظات واللاءات التي تجعل الامكانية متعذرة، والفرصة غير متوفرة.
ومع ذلك، استقبل نتنياهو أمس في الكونغرس بشرف عظيم. بدا هناك، بانجليزيته، بامريكيته، كسناتور جمهوري أكثر منه رئيس وزراء اسرائيلي. ولكنه لم يبدو في حالة نشوى. في الماضي مثل هذا الاستقبال كان سيحدث له نوبة كهذه. اما هذه المرة فقد كان حذرا. واعيا. يعترف بالفجوة التي بين الاستقبال الانفعالي في الكونغرس وبين الكتف الباردة في البيت الابيض.
نتنياهو كان في أفضل حالاته. يمكن عدم الاتفاق مع مواقفه، ولكن لا يمكن عدم التأثر بالشكل الذي عرضها فيه. البث الحي من واشنطن قدم له خدمة ممتازة. لم يقل امورا تختلف كثيرا عن تلك التي قالها قبل اسبوع في الكنيست، ولكن في الكونغرس الامريكي بدا هذا وسمع مختلفا تماما.
الاكثر اسرائيليا كان أمس الذوبان من الهتافات المتكررة لمئات أعضاء الكونغرس ممن وقفوا المرة تلو الاخرى على أقدامهم. فها هو يوجد احد ما مع ذلك يحبنا. ليس كل العالم ضدنا. كلنا امريكيون. خسارة فقط أن حيال منصة هامة بهذا القدر نسي نتنياهو جلعاد شليت.
الجمهور الاسرائيلي الغفير كان هذا الاسبوع مع نتنياهو. رغم، وربما بسبب المواجهة مع الرئيس الامريكي. ومع أنه مرة اخرى طرق الباب في وجه امكانية العودة الى المفاوضات. ومع أن ايلول يقترب ومعه تهديد الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية. الاستطلاعات التي اجريت في اليوم الاخير تثبت أن مكانة رئيس الوزراء تعززت هذا الاسبوع بلا قياس وان نظريته، في أن مواقفه تمثل في واقع الامر الاجماع الاسرائيلي، ليست عديمة الاساس.
نتنياهو يعود الى ائتلاف متين يضمن حكمه لاشهر طويلة. المعارضة هي الاخرى ستجد صعوبة في ايجاد خط موحد لمهاجمته. في اليومين الاخيرين لم نسمع أي بديل سياسي، وبالتأكيد ليس زعاميا، من جانب كديما. ولكن بعد كل هذا، السؤال كان ولا يزال واحدا: الى أين نحن نسير من هنا.

السابق
قائد القطاع الغربي في اليونيفيل زار صور
التالي
مقطوع عن الواقع