مقبرة صور وأساطير الموت والقيامة

على مدى سنة شهدت الطبقة السفلية في المتحف الوطني حركة غير عادية لمرممين واختصاصيّين عملوا على اعادة الاشراقة والبهاء الى لوحات عن فن الطقوس الجنائزية، تروي فصولاً من الميثولوجيا الاغريقية القديمة على جدران حجرة مدفنية من القرن الثاني ميلادي.
اليوم تفتح القاعة، التي أُعدّت خصيصا لاحتواء مقبرة صور الرومانية، أبوابها أمام الجمهور ليتمتع بالجدرانيات الملوّنة التي يطغى عليها الاخضر والبني والاصفر، وتحكي برمزية رفيعة أساطير عن الحياة والموت والحياة بعد الموت ، وتنقل معتقدات اهل صور في تلك الحقبة.
بالريشة واللون، وبتؤدة ودقة متناهيتين، عمل فريق من المرممين الايطاليين واللبنانيين على اللوحات السبع التي تغطي القسم العلوي من جدران الغرفة، وتتوزع تحت القسم السفلي في الجهات الشمالية والجنوبية والشرقية 14 فتحة توضع فيها النواويس، وتغلق كل واحدة ببلاطة.
حجرة صور المدفنية التي تبلغ مساحتها نحو 35 متراً مربعاً، وبارتفاع 3,40 مترا عند أعلى مستوى، تمثل رسالة أمل بالقيامة وبحياة جديدة، تبعثها اللوحات السبع التي تروي اساطير عن الحب والتضحية والانتصار على الموت والعبور الى الحياة الجديدة، من خلال قصص ابطالها ومن بينهم : الآلهة الاغريقيون هرقليس وألسيستيس وسربيروس وتانتال، والاله الفينيقي ملكارت، وملك طروادة آدم، وآلهة الحرب اثينا وارتيميس والاله بلوتون وزوجته بروزربين وغيرهم …

مراحل الترميم

توزعت اعمال الترميم على ثلاث مراحل بمعدل شهري عمل لكل منها. بدأت اأولى في شباط وآذار 2010 ، واستكملت في حزيران وتموز، واختتمت في تشرين الاول وتشرين الثاني الفائتين. وقام الخبير الايطالي بترميم الرسوم والجداريات جورجيو كابريوتي ومع مساعدته كاترينا ميشيليني توتشي، وبتعاون وثيق مع فريق لبناني تألف من الخبيرات ايزابيل سكاف وبدر جدعون وغادة سالم. واستخدمت في انجاز المشروع التقنيات الحديثة والمتقدمة المعتمدة في ترميم الجداريات من الايكروم و"الاونيسكو". وتم بالتنسيق مع المديرية العامة للآثار الممثلة بالمشرفة على المتحف آن – ماري عفيش، وبتمويل من وزارة الخارجية الايطالية – مكتب التعاون الايطالي بلغت قيمته 256 ألف أورو، وبمشاركة من الكتيبة الايطالية العاملة ضمن قوات "اليونيفيل" في الجنوب.
وجاءت النتيجة مدهشة: لوحات رائعة الجمال استعادت رونقها وأصالتها وبهاءها، تشهد على الفن الجنائزي الروماني، أبرزت أعمال الترميم نوعيتها الاستثنائية واظهرت قيمتها الفنية والتاريخية . وساهم في إبرازها التصميم المتحفي وطريقة العرض للغرفة المدفنية اللذين ابتكرهما المهندس الايطالي المتخصص بالمدافن منذ ربع قرن، انطونيو جياماروستي ومساعدته اللبنانية ليا قبطان، فأعاد احياء عناصرها الاساسية كالمدخل والدرج والرواق لتصبح شبيهة بالتي كانت في مقبرة صور، بحيث يشعر الزائر انه في المكان الاصلي ويعايش الثقافة والحضارة القديمة التي انتجت هذا العمل الرائع، اضافة الى السقف المستعار والانارة داخل المدفن. كذلك تمّ التركيز على وسائل التهوئة وازالة الرطوبة وسحبها للمحافظة على الجداريات بأفضل طريقة ولأطول مدة ممكنة لتفادي الأذى والأضرار.

اعلام

ولم يغفل القيمون على المشروع سبل اعطاء المعلومات الوافية عن المدفن الروماني وجدارياته، فوزعوا في ارجاء الغرفة اللوحات التفسيرية التي تشرح اهميتها وتاريخها، وانتجوا وثائقياً يبث على مدار وقت الزيارة نفذه مخرج الافلام الوثائقية فيليب بجالي باللغة الانكليزية لمدة 13 دقيقة ويعدد فيه المراحل التي مر فيها المشروع منذ اكتشاف المدفن، الى نقله الى المتحف في بيروت، وصولاً الى ترميم الجداريات، ويشرح اهميتها التاريخية والفنية والهندسية.
اضافة الى طبع منشور خاص بعنوان "مدفن صور الاثري" ، وموقع الكتروني خاص على الانترنت يمكن الدخول اليه عبر موقع وزارة الثقافة.

تاريخها

يذكر ان هذه الغرفة المدفنية اكتشفت مصادفة في منطقة البرج الشمالي في صور عام 1937، وهي تشكل نموذجا للشكل الهندسي للمقابر الرومانية حيث يقود سلم من 26 درجة الى قاعة مربعة تحتوي على 14 فتحة في جهاتها الثلاث تضم مدافن فردية عثر فيها على 43 هيكلاً عظمياً تعود كلها لعائلة واحدة، استخدمت على مدى 50 عاماً. عام 1942 وبناء على طلب المدير العام للآثار في حينه المير موريس شهاب ، وبقصد المحافظة عليها ، نزع المهندس المعماري الأميركي هنري بيرسون الجزء الداخلي من جدران المقبرة الذي يحمل الرسوم ونقله الى قاعة خاصة اعدت لها في الطبقة السفلية من المتحف حيث اعاد تركيبها. الا أن مشكلة المياه الجوفية والرطوبة الشديدة التي كان يعاني منها مبنى المتحف شملتها ايضا وانعكست سلباً واضراراً على القسم السفلي من الرسوم.
وبعد معالجتها عام 1998 بدأت مديرية الاثار التفكير بمشروع ترميمه، وباشرت الاتصالات بالمنظمات العالمية المعنية مثل "الايكروم" و"الاونيسكو"، الى أن وصلنا الى الخاتمة السعيدة والنتيجة الرائعة التي تتجسد بهذه الجداريات جمالاً ومعاني وحضارة

السابق
اسرائيل: جدل الوحدة العربية !
التالي
امل أحيت الذكرى السنوية للشهيد المقاوم حسن مشيمش