ورقة بن لادن

 بعد خبر قتل أسامة بن لادن، تباينت ردود الأفعال بين سعيد ومتفائل، وبين مندد وغاضب، وكأن مقتله نقطة فاصلة بين مرحلة ومرحلة أخرى، بينما لم يقرأ أصحاب ردود الفعل هذه ما بين السطور.
ولنبدأ من البداية، فالإرهاب كان قبل ظهور بن لادن واستمر في وجوده وسيستمر في غيابه وربما سيزداد فهو ليس رئيس عصابة تمارس السرقة أو الإجرام الجنائي إنما هو صاحب فكر وعقيدة يؤمن بها وكرس لها جل حياته وأمواله الطائلة، وكان مستعداً للموت في سبيل قضيته، هذا بغض النظر عن استغلال فكره من قبل أميركا في الحرب ضد السوفيات في أفغانستان.

وهذا الفكر بدأ بالانتشار في ثمانينات القرن الماضي مع انبثاق التيارات الإسلامية المتشددة والاتجاهات التكفيرية مثل تنظيم التكفير والهجرة في مصر والتي لم تكن ستظهر لولا دعم وتشجيع الدول الغربية والدول العربية والإسلامية في مواجهة القوى اليسارية خصوصا في عصر الحرب الباردة، حيث دعمت الولايات المتحدة الأنظمة الدكتاتورية في الدول العربية والإسلامية إضافة إلى دول أميركا الجنوبية، وما تأسيس بريطانيا الاستعمارية لحزب الإخوان المسلمين في مصر بتبرع خمسين جنيهاً من شركة قناة السويس لحسن البنا إلا تنفيذ لهذا التوجه وهذا ما فعله السادات الذي دعم الجماعات الأصولية لمواجهة اليسار المصري ثم انقلبت عليه واغتالته.
والدول الغربية التي تعرف مدى ترسخ الدين الإسلامي في وجدان المسلمين استخدمته لتحقيق أغراضها في السيطرة على الشعوب مثلما استخدمته الأنظمة على مر العصور، ولذا كانت أفضل وسيلة لدى النيوليبرالية لنهب الثروات هي ذريعة الحرب على الإرهاب فأشعلت الحرب في أفغانستان والقرن الأفريقي والعراق.

وقد أشارت وسائل الإعلام الأميركية أن الاستخبارات الأميركية كانت قد رصدت مكان زعيم القاعدة منذ أربع سنوات ولكن لم يكن في مصلحتها ضربه أو التخلص منه في حينها بل ظلت تستخدمه ورقة لاستمرار نهجها العدواني على الدول الإسلامية، فلماذا هذا التوقيت بالذات؟

من المعروف أن السياسة الأميركية متغيرة، حيث كانت مثلاً تدعم الديكتاتوريات في مقابل مطالبة الشعوب بالديموقراطية، ثم أصبحت مدافعة عن الديموقراطية وداعية لها عندما لم يفدها هذا التوجه، والآن هناك واقع جديد في ظل الثورات العربية التي عكست أزمة وارتباك المخططات الأميركية لتفتيت الدول العربية طائفياً وفئوياً لضمان السيطرة والتفوق الإسرائيليين.
وكنت قبل فترة قد شاهدت فيلماً كوميدياً حول أسلوب رئيس الولايات المتحدة الذي يريد أن يفوز بولاية ثانية فيفتعل الإعلام الأميركي حرباً وهمية على ألبانيا لتحرير رهائن وهميين لزيادة شعبية الرئيس.
والمنتبه إلى أحوال الاقتصاد يوم خبر مقتل بن لادن يلاحظ ارتفاع أسهم البورصة في أميركا وأوروبا وارتفاع قيمة الدولار بعد أن تعرض إلى نكسة خطيرة وانخفاض في أسعار النفط.
فهل ننتظر مخططا أميركيا جديدا للمنطقة لاجهاض التحولات الثورية العربية؟ وهل تمت إعادة النظر في العلاقة الأميركية مع بعض التيارات الإسلامية المتشددة؟
أظن أنه علينا الانتباه إلى نوايا الأميركان وقراءة التاريخ بتمعن وألا ننخدع بالبهرجة الإعلامية، وتصوير أميركا على أنها المخلص من الشرور الإسلامية بل نعطي هذا الحدث مزيداً من التدقيق في ضوء ما نعرفه من السياسات الأميركية.
 

السابق
الجريدة: المخالفات سيناريو لتعويضات مالية تمتص نقمة أنصار أمل و حزب الله من سياسة قيادييهم
التالي
السياسة: ميقاتي: حزب الله ورم سرطاني وعون شخصية مضحكة