الحل الوحيد هو الحل الأصعب

يتطلع لبنان إلى أحداث سورية ويده على قلبه. حلفاؤها خائفون وخصومها قلقون.. فهذه أول مرة يتغير الوضع ويتهدد الأمن على الجانب الآخر منذ 1970، عهد انتهاء الانقلابات العسكرية المتلاحقة وتحرك الثكنات. وعلى الرغم من تباعد الحلفاء والخصوم في معظم الأمور، فهم يلتقون اليوم على أهمية وضرورة الاستقرار في دمشق. ومن أجل ذلك الاستقرار بالذات وجه بعض أبرز الحلفاء دعوتين متوازيتين؛ الأولى: تسريع الإصلاحات وتوسيع نطاقها وتعميق مفاعيلها، والثانية: إعطاء النظام الفرصة للقيام بذلك بعيدا عن مناخ المواجهات القاسية.

وقد التقى على هذا المنطق رجال مثل الرئيس سليم الحص والأستاذ وليد جنبلاط ومؤسس «السفير»، الأستاذ طلال سلمان. وواضح أن الحلول الأمنية لم تعد ممكنة، في المناخ العربي القائم. وعندما أعلن الرئيس بشار الأسد ما سماه «حزمة» من الإصلاحات، كان واضحا أنه يعلن نهاية مرحلة انتهى زمنها؛ فالمقومات التي كان يعتمدها النظام العربي في أجيال ماضية لم تعد لها مسوغاتها اليوم. وما كان مشروعا في الماضي تخطاه الحاضر، والتشدد الذي كان ضرورة للاستقرار عام 1970، أصبح ضررا الآن، كما هو الحال بالنسبة إلى قانون الطوارئ الذي فرضته دول المواجهة، أو الترتيبات السياسية الأخرى، التي ألزمت الدولة بآيديولوجية واحدة.

حدثت انفراجات سورية عبر الحدود وظلت بطيئة في الداخل: المصالحة مع العراق بعد سقوط البعث التوأم والمعادي، والانفتاح الكلي على تركيا، ومجيء الرئيس سعد الحريري إلى دمشق، وعودة السفير الأميركي، ولو في خفر، وزيارة الرئيس محمود عباس، وتطور العلاقات مع فرنسا، خصوصا مجيء الملك عبد الله بن عبد العزيز في زيارة انتهت في قمة في لبنان.

الحقيقة أن سورية بدت في العقود الأخيرة دولة مأخوذة بالسياسة الخارجية وحدها، وأن موقعها المحوري ودورها المتعدد لا يتركان لها الوقت الكافي؛ لذلك بدت المتغيرات الاقتصادية محدودة جدا، على الرغم من حجمها وعلى الرغم من المقارنة مع ما سبق. كذلك أساء الأمن معالجة الحادث الأول في درعا؛ حيث تحولت مشاغبة مراهقين إلى شرارة لاهبة، وربما لا النظام ولا المعارضون كانوا يتوقعون أن تتطور الأمور إلى ما وصلت إليه.

ما الذي وصلت إليه؟ مأزق وطريق مسدود أمام النظام وأمام المعارضة، لا الدولة تريد أن تبدو متراجعة أمام المظاهرات، ولا هي تعرف إلى أين يمكن أن تصل؟ ولا المعارضة التي فقدت هذا العدد كله من الرجال يمكن أن تنحسر بلا مكاسب. يضاف إلى ذلك كله مناخ دولي متصاعد، مهما طعن في مقاصده. ربما تخطى الجانبان علامة التجاوز، لكن لا حل الا بالحوار.. تبادل العنف ليس حلا، ودماء الشرطة، مثل دماء المتظاهرين، ليست حلالا، والحل الوحيد هو الحل

السابق
هل عادت فرنسا؟
التالي
في الوطنية