واشنطن..إمبراطورية أم إمبريالية؟

يقول الناقد السياسي الأمريكي الجنسية مايكل بارينتي في مقال نشره، «عندما ألفت كتابي ضد الإمبراطورية عام 1995، ظن بعض المواطنين الأمريكيين، كما كان متوقعاً، بأنني أخطأت عندما أطلقت على الولايات المتحدة الأمريكية لقب الإمبراطورية حيث كان هناك اعتقاد سائد بأن حكام أمريكا لا يسعون للإمبراطورية، بل كانوا يندفعون نحو التدخل الخارجي في إطار ما يسمى استراتيجية الدفاع عن النفس أو من أجل القيام بعمليات الإنقاذ الإنسانية أو استعادة النظام في منطقة مضطربة أو إسقاط نظام استبدادي، مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية وإلى ذلك من مبررات».

ويتابع بارينتي بأن " الجميع بدأ يتحدث خلال عام 2000 عن الولايات المتحدة كإمبراطورية وألفوا العديد من الكتب بعناوين تشير جميعها إلى واشنطن على أنها إمبراطورية مثل كتب "أحزان الإمبراطورية"، "حماقات الإمبراطورية"، "أفول الإمبراطورية"، أو "إمبراطورية الأوهام"، حيث طغت العبارات الحماسية التي عادة ما تبدأ بكلمة "مذهل" إذا استمعنا إلى تصريحات اليمين الأمريكي على شاشة التلفاز وهي تتشدق بعبارة " إننا إمبراطورية، بكل ما تحمله هذه العبارة من مسؤوليات وفرص متبوعة بعبارة أخرى تشدد على أنه من الأفضل لنا أن نعتاد على ذلك باعتبار أننا أقوى دولة في العالم ولدينا كل الحق للتصرف على هذا الأساس"- وبدا الأمر كأن التمتع بالسلطة يعطي الرؤساء الأمريكيين الاستحقاق المتأصل لممارستها على الآخرين بالطريقة التي تحلو لهم".

بعد ذلك يصل بارينتي إلى التساؤل: "ما الذي يجري هنا؟" وكيف يعتبر العديد من الناس أن لهم حق بالتحدث عن الإمبراطورية عندما يقصدون إمبراطورية الولايات المتحدة؟ في حين أن العقيدة الإيديولوجية لطالما ارتأت، خلافاً لبلدان أخرى، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنغمس في الاستعمار والغزو، عندها ندرك بأن الجواب على هذا السؤال هو أن تلك الكلمة قد تم تجريدها من معناها الكامل، حيث تحمل كلمة "إمبراطورية" في هذه الأيام ببساطة معنى السيطرة والتحكم. كلمة الإمبراطورية-بالنسبة لمعظم هؤلاء النقاد الذين تأخروا في الوصول- تنحصر تقريباً بكلمتي السلطة والنفوذ، وما يفتقده الخطاب العام عادة هو طريقة سير عملية الإمبراطورية ومضمونها الاقتصادي السياسي، وبعبارة أخرى، بينما نسمع الكثير عن الإمبراطورية، إلا أننا قليلاً ما نسمع عن الإمبريالية.

وهذاما يستدعي الاستغراب، لأن الإمبريالية هي كل ما تمثله الإمبراطوريات، حيث إن الإمبراطوريات مهمتها الاستعمار، ولا أعني بكلمة الإمبريالية عملية توسع السلطة والسلطان دون النظر إلى الفوائد المالية والمادية. لطالما استخدم بعض الكتاب كلمة "الإمبريالية" بالطريقة المخاتلة نفسها التي يستخدمون بها كلمة "إمبراطورية" التي تشير ببساطة إلى كلمتي السيطرة والتحكم مع القليل من الاهتمام الذي يعطى للواقع السياسي الاقتصادي.

لكني أعرّف الإمبريالية كما يلي: عملية تنصب فيها مصالح المستثمرين المهيمنة في بلد واحد والتي تمارس قوتها الاقتصادية والعسكرية على شعب آخر أو منطقة أخرى وذلك بهدف مصادرة أرضها، جهدها، مواردها الطبيعية، عاصمتها، أسواقها – بطريقة مثلى لإثراء مصالح المستثمرين. بمعنى آخر، لا تسعى الإمبراطوريات "للسلطة من أجل السلطة"، حيث توجد مصالح مادية حقيقية وهائلة على المحك، والتي من شأنها التكديس المتعدد المرات للثروات.

ويضيف بارينتي في هذا الإطار لقد سيطرت ولعدة قرون مصالح أوروبا الغربية ومن بعدها أمريكا الشمالية واليابان التي اتجهت بمموليها-وعند الضرورة بجيوشها-لتبرر موقفها أمام البشرية، واضعة يدها على اليد العاملة من السكان الأصليين(كعمال وعبيد)، على أسواقهم، ودخولهم(من خلال الضرائب الاستعمارية أو السيطرة على الديون أو غيرها من الوسائل)، والثروات الوفيرة لتلك الأراضي: ذهب، فضة، ألماس، نحاس، رم، مولاس، القنب والكتان والأبنوس والأخشاب، السكر، التبغ، العاج، الحديد، القصدير، النيكل، الفحم، القطن، الذرة ومؤخراً: اليورانيوم، المغنيزيوم، تيتانيوم، البوكسيت، النفط، و-أقولها للمرة الثانية- النفط (وتطول القائمة).

ولا ننسى أنه دائماً ما تكون الإمبراطوريات تجارة مربحة بشكل هائل بالنسبة للمصالح الاقتصادية السائدة للدولة المستعمرة وبالمقابل تكون مكلفة جداً لشعب الدولة الواقعة تحت الاحتلال، وبالإضافة إلى المعاناة الناتجة عن نهب أراضيهم ومواردهم الطبيعية، كثيراً ما تتعرض شعوب هذه البلدان المستهدفة للقتل بأعداد كبيرة من قبل المحتلين.

وهذا أمر آخر تفعله الإمبراطوريات و الذي غالباً ما يسقط من ذاكرة أدب السياسة والتاريخ لدول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. تقوم الإمبراطوريات على إفقار شعوب بأكملها وقتل الكثير من الناس الأبرياء، وبينما نطالع الآن هذا المقال، يقوم الرئيس أوباما والأمن الوطني للدولة التي يعمل لأجلها بشن حربين ونصف الحرب ( العراق، أفغانستان وشمال باكستان إضافة إلى ليبيا)، وتوجيه تهديدات عسكرية ضد اليمن، إيران، وبشكل غير مباشر إلى كوريا الديمقراطية، وعوضاً عن إرسال المساعدات الطبية والإنقاذ إلى هاييتي، قمنا بإرسال قاذفات قنابل ضمن مشاة البحرية، وهي القطعة العسكرية نفسها التي انخرطت لسنوات من القمع والقتل في هاييتي منذ عقود مضت وساندت مؤخراً الكثير من المجازر التي قامت بها قوات وكيلة.

والهدف من هذا القتل هو منع قيام أمم بديلة مستقلة ذاتياً، لذلك تستخدم الإمبراطورية قوتها كدولة بهدف تجميع الثروات الخاصة لفئتها المستثمرة. كما أنها تستخدم ثروتها العامة لتعزيز قوتها كدولة وبالتالي منع أمم أخرى من تطوير الذات.
عاجلاً أم آجلاً ستبدأ هذه الترتيبات بالذبول تحت ضغط تناقضاتها، وفي الوقت الذي تنمي فيه هذه الإمبراطورية عمليات التهديد والقتل تجاه الآخرين، فإنها تزداد مرضاً وفقراً بداخلها.
ويختم بارينتي قائلاً: "منذ القدم وحتى اليوم، لطالما كانت الإمبراطورية متورطة بتجميع دموي للثروة، وإذا لم تستطع تصديق هذه الحقيقة حول الولايات المتحدة فتوقف عن مناداتها بالإمبراطورية، وعندما تكتب موضوعاً عن كيفية محاصرة واشنطن لهذا العالم، وتسميتها بـ"المتنمر العالمي" أو "الفضولي المتسلط"، كن على يقين أنك بذلك لا تخبرنا الكثير عن الإمبريالية"!!.
ترجمة هلا رجب- البعث

السابق
أيها الخليجيون.. لا تنسوا أنها مصر!
التالي
مدرعات الجيش السوريّ تنتشر في درعا وتطلق النار بكثافة