عقيدة أوباما: تدخلات بالتشاور!

هل ثمة عقيدة لأوباما في مجال السياسة الخارجية، تتكشف أمام أعيننا الآن؟ الرئيس الأميركي ومساعدوه يهونون من شأن الفكرة، على الأقل إذا ما كانت تعني النظر إلى التدخل العسكري في ليبيا على أنه نموذج يصلح لجميع الحالات· وفي مقابلة تلفزيونية أجراها الثلاثاء الماضي، قال أوباما:من المهم إلا نأخذ الموقف الحالي بالتحديد، ثم نحاول طرح نوع معين من العقيدة، ونطلق عليه عقيدة أوباما، وبعد ذلك نعمد لتطبيقه على كافة المواقف، بنفس السهولة التي نمرر بها السكين في قطعة من الحلوى الطرية· وأضاف أوباما: يجب أن نعرف أن كل دولة في هذه المنطقة تختلف عن الأخرى·
لكن أوباما مضى في خطابه ليرسم خطوط شيء يشبه <عقيدة في طور التشكل> حيث قال: <نحن نريد التأكد بأن الحكومات لا تهاجم مواطنيها··· نريد حكومات تستجيب لشعوبها··· لذلك سنعمل على استخدام كل أدواتنا لتحقيق هذا الهدف>·

وأصر أوباما على أن ليبيا تمثل وضعاً فريداً، وأنها مزيج من الظروف التي قلما تتكرر· حيث نجد فيها طاغية يهدد بذبح معارضيه، مقابل إجماع دولي على منعه من ذلك· أن استخدام القوة العسكرية ضد الطغاة ليس عقيدة لأنه لا يمكن تطبيقه بشكل عام· فالعقيدة تكمن في الالتزام الأكبر الذي توصل إليه أوباما بعد مرور ثلاثة أشهر على انطلاق انتفاضات العالم العربي، وفحواها أن الولايات المتحدة سوف تقف في صف الديمقراطيين، وتستخدم جميع الأدوات لمساعدتهم على تحقيق النصر·

لم يتم بعد تحديد ما يعنيه ذلك عملياً· ففي هذا الأسبوع، تحدث أوباما عن ليبيا تحديداً، وهي بلد يشهد صراعاً قفزت الإدارة إليه، دون أن تشرح للجمهور أسبابها في ذلك· وفي الأسابيع القادمة، يتوقع أن تكون أحاديث أوباما أكثر تكراراً، وأوسع نطاقاً حيث ستمتد لتشمل الشرق الأوسط برمته، كما تشمل الحديث عن الآمال التي يمكن لموجة الثورة العربية أن تنقلها إلى الجوار الإقليمي·

يمثل هذا في الحقيقة تغيراً مهماً بعد عامين لم يقدم فيهما أوباما سوى دعم متواضع لحركات الإصلاح الديمقراطي، وبعد ثلاثة شهور تردد في بدايتها في دعم للمتظاهرين في الشوارع؛ حيث كان الهاجس الأول لإدارته هو الدفاع عن مبارك باعتباره حليفاً وثيقاً لواشنطن· بيد أن الموضوع الفسيح الذي يمكن التعبير عنه من خلال السؤال: متى يجب على الولايات المتحدة التدخل في الدول الأخرى؟ هو موضوع يعكف أوباما على التفكير فيه منذ وقت· ففي كتابه جسارة الأمل، الصادر عام 2006 طرح أوباما صيغة مبكرة للسؤال الذي تتداوله الولايات المتحدة هذه الأيام·

في ذلك الكتاب اشتكى أوباما من أن الولايات المتحدة ما زالت تفتقر إلى سياسة وطنية متماسكة، وأنها بدلاً من أن تكون لديها مبادئ هادية، لا تمتلك في الواقع سوى سلسلة من القرارات العشوائية المشكوك في نتائجها والتي لا تستطيع الإجابة عنأسئلة مثل: لماذا تغزو العراق، وليس كوريا الشمالية، أو بورما؟ ولماذا تتدخل في البوسنة ولا تتدخل في دارفور ·

وهناك استنتاج توصل إليه أوباما في كتابه المشار إليه، ويتردد صداه في أفعاله الراهنة، وذلك عندما كتب يقول:سوف يكون من مصلحتنا الإستراتيجية أن نعمل دائماً على نحو تعددي وليس على نحو انفرادي، عندما نفكر في استخدام القوة في أي منطقة من العالم>·

في تلك الأيام، وحتى في هذا الأسبوع، عمل أوباما على توضيح موقفه بدقة، ولجأ إلى مقارنة ذلك الموقف بموقف سلفه بوش الابن الذي قاد الولايات المتحدة إلى الحرب في أفغانستان والعراق·

ومن المعروف أن أوباما دعم حرب أفغانستان، وليس العراق على عكس بوش الذي دعم الاثنتين، ومع ذلك فقد اتفقا بشأن موضوع واحد· ففي تعهد التزم به عام 2005، وأسماه البعض آنئذ عقيدة بوش.

وحالياً يركز أوباما وهيئة أركانه على كسب الحرب في ليبيا إلى درجة لا يتوافر لهم معها الوقت للتركيز على الجوانب الخاصة بعقيدة كبرى· فهم يعرفون أنه إذا ما تمت إطاحة القذافي خلال أسابيع، فسوف يدون أذكياء··· أما إذا تمكن القذافي من البقاء فسوف يتهمون بأنهم كانوا على خطأ!

*ثورة مصر غير المنتهية تتركز اهتمامات الجميع على الحرب في ليبيا، في وقت ما زالت الثورة دائرة في مصر· وهذه مسألة كبيرة الأهمية لا ينبغي لجيرانها ولدول أخرى أن تنساها· والاحتجاجات التي كان أكثرها سلمياً والتي أطاحت الرئيس حسني مبارك قبل شهرين تقريباً، ستكون المرحلة الأولى فقط من انتقال نأمل أن يكون نحو مستقبل ديمقراطي·

مصر هي البلد العربي الأهم ومعيار التغيير في العالم العربي· وسيكون على المصريين الالتزام الصارم ? على امتداد عقود – لإبقاء هذا الوضع في الإطار السليم· وستتحسن فرص النجاح تحسناً عظيماً إذا ابدت الولايات المتحدة وغيرها من الدول الديمقراطية الكبرى استعداداً للمساعدة·

وجرى في مصر يوم (19 آذار) أول استفتاء حر ونزيه· لقد أدلى ملايين بأصواتهم وأقروا بأكثرية كبيرة تسعة تعديلات دستورية تمهيداً للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي من المنتظر حصولها في وقت لاحق من العام الحالي·

وتشكل التعديلات بداية تفكيك نظام عنيف وقمعي· وتحدد مدة بقاء الرئيس في منصبه (فترتان رئاسيتان كل واحدة من أربع سنوات) وتسهل على المرشحين الوصول إلى السباق الرئاسي وتضيق قدرة الرئيس على فرض حالة الطوارئ·

مع ذلك، اكتنفت العملية ثغرات· لقد وضعت التعديلات لجنة عيّنها المجلس العسكري الذي يحيط نفسه بالسرية وسارع إلى عرضها على التصويت· لم يجر تعميمها ونشرها على نطاق واسع· وسيأتي لاحقاً وضع دستور جديد كامل· ونشارك استياء المعارضين الشبان الذين قاموا بالثورة ويشعرون بالقلق من تعرض الديمقراطية للاختطاف من جماعات منظمة تنظيماً رفيع المستوى، وقامت بحملات قوية تأييداً للتعديلات: أنصار النظام القديم والإخوان المسلمون·

واتـــخذت الحكومة العسكرية خطوة جديدة نحو الحكم المدني بتسهيل إجراءات تشكيل الاحزاب· لكنها وضعت أيضاً الأسس لتجريم التظاهرات· ويتعين رفع حالة الطوارئ القاسية المعتمدة منذ عقود والتي تحد من حرية التعبير والتجمع· وسيكون الوضع أفضل كثيراً إذا تشارك المحتجون ومجموعات المجتمع المدني في اتخاذ هذه القرارات بما فيها تحديد مواعيد الانتخابات·

والمصريون على حق في الافتخار بما انجزوه وبالحذر من الخارج خصوصاً من الولايات المتحدة التي دعمت النظام السابق طويلاً· بيد أن عليهم إجراء اصلاحات سياسية سريعة· وإذا قاوموا المساعدة الأميركية، فهناك الكثير من الدول التي اقامت حديثاً حكوماتها الديمقراطية والتي يمكنها تقديم النصيحة في شأن الأحزاب السياسية وحكم القانون·

ويمكن الولايات المتحدة وأوروبا توفير إمكانات كبيرة في مجال الإصلاح الاقتصادي· فالاقتصاد المصري الذي تديره الدولة ? ويملك الجيش المصري حصة كبيرة فيه – إخفاق في توفير فرص العمل للملايين من الشبان المصريين· وحزمة المساعدات الأميركية التي تبلغ ملايين عدة من الدولارات بداية جيدة· وتعهدت إدارة اوباما كذلك بالإبقاء على المساعدة القديمة التي تقدمها لمصر والبالغة نحو 1· 5 بليون دولار اكثرها مخصص للجيش·

بيـــد أن المسألة تحتاج إلى ما يزيد عن ذلك، ينبغي أن يتابــــع الغرب اتفاقياته الثنائية والإقليمية مع مصر (وسيكون من المفيد لإسرائيل أن تشارك فيها)· وعلى الكونغرس أن يسرع في إقرار إنشاء الصندوق الأميركي – المصري الذي اقترحته إدارة اوباما والسناتور جون كيري وآخرون· ويهدف الصندوق الذي صمم على نحو الصناديق التي أُنشئت لمساعدة دول أوروبا الشرقية بعد الحكم الشيوعي، إلى تحفيز الاستثمارات التي يحتاج القطاع الخاص إليها حاجة شديدة· ولئن كانت كلفة الصندوق غير معروفة، فإن المال يفترض أن يوجه من حسابات أُقرت سابقاً· هذه لحظة وعد عظيم – ومجازفة عظيمة – في العالم العربي· والنجاح ليس مضموناً· وعلى واشنطن وحلفائها تقع مسؤولية العمل عملاً خلاقاً وسريعاً لمساعدة المصريين على بناء ديمقراطيتهم لجعلها مرساة الاستقرار والتسامح في الشرق الأوسط·
(اللواء)

السابق
فوضى ومحسوبيات في أبيدجان.. ومناشدات لطائرات إضافية
التالي
الشعب يريد إسقاط المكبّ في الشرقية