عن زراعة الشقاء.. الذي يسمى تبغاً

(خاص الموقع)

– موسم "زراعة التبغ" أعمال زراعية شاقَّة في ظروف قاسية
– عدّتها: برنيطة قش وكف نيلون ومشمع والعمل 12 ساعة يومياً
– "ضرّاب السكة" يُعطي الأوامر ويحدد مدة الفطور والغداء وعليها الإطاعة
– تنقِّي الحقل من الحصى وتنكشه وتُهيّء "المساكب" وزوجها يكرع الشاي
– بعض النسوة قمن بثورة جعلت العمل إلى الثالثة بدل السادسة ب.ظ.

لم تقف المرأة الجنوبية يوما على الحياد، بل سجلت في تاريخها وقفات شجاعة لا يقوى على فعلها الرجال، فهي لم تكن بعيدة عن معاني المقاومة، ولم تقف يوماً مكتوفة الأيدي بانتظار زوج يرجع آخر الليل لتطعم أطفالها، ومع أن نسبة العاملات قليلة جداً، إلا أن أشكال عملها أصعب من ألف وظيفة.

أعمال شاقة
ظاهرة تنتشر في الكثير من القرى الجنوبية: يحمر، أرنون، كفرتبنيت، الزوطران الشرقية والغربية، عدشيت وجبشيت، إلى قرى كثيرة، نساء ينتشرن في الحقول هذه الأيام "موسم زراعة التبغ"، "فـالغليلة " بالمصطلح الجنوبي هن دائماً نسوة، تركن أعمال منازلهن لتوفير المال مستغلين هذه الفترة من السنة مع أنها بمثابة أعمال شاقة للمرأة، ولو لم تكن المرأة الجنوبية "إخت الرجال" لما قدرت على ذلك.

الغل والتبويج
نهوض يسابق اشراقة الشمس وكالعادة "عودة الغَلّ" هي سلاحها الوحيد، تعتمر "برنيطة القش" وتلبس كفوفاً من البلاستيك الملون في إحدى اليدين تلافياً لتعرضها للماء والوحل طيلة النهار. مبتكرة ثوباً جديداً هو عبارة عن قميص وبنطال من النيلون الأسود يحميها من رشات "ضراب السكة" وهو الشخص الذي يتولى عملية صف "الأبواج" أو الحفر في التراب لتهيئ لوضع شتلة "الدخان"، غالباً ما يكون "ضراب السكة "من الرجال لأن عمله يحتاج عضلات قوية وغالباً ما يكون المدير المشرف على عملية الغَلّْ، هو الذي يعطي الأوامر، ويحدد فترات الاستراحة والترويقة والغدا، نهاية الدوام ففي مهنة "الغل" يختلف عن الدوام الرسمي. يبدأ العمل عند السابعة صباحاً وينتهي عند الخامسة أو السادسة مساءاً. حالياً وفي السنوات الأخيرة وبعد ارتفاع الأصوات المطالبة بحقوق المرأة وبالكوتا النسائية، قررت نساء هذه القرى أن يصبح الدوام حتى الثالثة بعد الظهر وأن أي ساعة إضافية تعتبر part time وتطلب مقابلها أجراً إضافياً.

الزعتر زراعة جديدة
بعد وعي المزارع لضرورة استبدال زراعة التبغ بزراعة بديلة توجهت المرأة الجنوبية إلى أعمال أخرى بجهود أقل، فزراعة الزعتر أو اللوبيا، أو بعض النصوب أصبحت من اهتمامها. اللافت من خلال المشاهد التي نراها في هذه القرى أن المرأة هي التي تقوم بتنقية الأرض من الأحجار والحصى بينما يجلس زوجها بقربها يشرب الشاي، أو تنكش الحقل لتهيء "المساكب"، أو الأثلام الخاصة بزراعة البطاطا. عملها مع الأرض منحها القساوة وجعلها توازي الرجل في أوجه وطرق العيش.
غير أن المرأة الجنوبية لا زالت إلى الآن ترزح تحت ظلم الأب أو الزوج، ولا زالت مخلوقاً ضعيفاً يتعرض للكثير من العنف المعنوي والجسدي، ولكن تمضي معاناتها بصمت، ومهما كانت التشريعات الجديدة والقوانين والحملات التي ترعى حقوقها وتهتم لانتشالها من واقع السلطة الذكورية، إلا أن الكثيرات من النساء يبقين أسيرات الصمت والصبر على وجعهن، لأن الجرأة على الرجل تعدّ جرماً أخلاقياً ودينياً واجتماعياً.

السابق
العرب يواجهون مصائرهم
التالي
الحراك المغربي وعناد المخزن