الحراك المغربي وعناد المخزن

تجمّع آلاف المتظاهرين المغاربة، الذين توصلوا إلى قناعة بواسطة مواقع الفيسبوك والتويتر في الساحة خارج باب الحد في مدينة الرباط مؤخرا· وبينما كانوا يهتفون بعبارات أصبحت مألوفة الآن مثل: لتسقط الدكتاتورية! وألجموا الفساد ونريد التغيير، ساروا ببطء إلى حيث الطريق الحيوي الرئيسي في وسط البلدة قبل أن يتوقفوا أمام مبنى البرلمان المغربي·
وهناك حيث حافظت القوات الأمنية على مراقبة الموقف عن بعد، قاد الشباب الذين كانوا يرفعون مكبرات للصوت، والنساء في منتصف العمر ممن يرتدين الجلابيات، الاحتجاجات إلى مواجهة محمومة، داعين إلى حل البرلمان ومتعهدين بعدم التراجع عن جهودهم ما لم تتم الاستجابة لمطالبهم· وقالت الفتاة المتحجبة زينب الرازوي وهي تلوح بقبضتها في الهواء: إن هذا هو ميدان التحرير خاصتنا· ثم بعد ست ساعات من بدء التظاهرة، ذهبت هي وباقي المتظاهرين إلى منازلهم·

في الدراما التي تجري راهناً في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، يبدو إن المغرب يلعب خارج السيناريو· فالبلد يعاني من فساد متخندق إلى حد معمق، كما وان معدل بطالة يقترب من 10% (المعدلات غير الرسمية هي أعلى بكثير كما يعتقد)، ومن بعض سمات سوء توزيع الثروة في العالم العربي، ومن صحافة مكبوتة على نحو ملحوظ· لكن، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات هزت أركان العشرات من المدن المغربية، وهبط بها إلى درك السلب والنهب في أماكن قليلة مثل طنجة ومراكش، وتحولت لتأخذ منحى العنف في الحسيمة حيث قتل خمسة أشخاص، فإن أحداً لم يدع إلى ثورة بكل ما في الكلمة من معنى·· والثورة، بعد كل شيء، تعني قلب نظام الحاكم الأعلى للبلد وإسقاطه· ولا أحد، يريد علناً على الأقل، خلع الملك محمد السادس·

ويتساءل ستيوارت شتار، الأستاذ الفخري لتاريخ الشرق الأوسط في كلية بروكلين في جامعة مدينة نيويورك الحكومية، ويدرس راهناً في الرباط: لماذا يتوجب عليهم قول ذلك؟ ويتحدث شتار عن والد محمد السادس، العاهل الحسن الثاني، والذي يشار إلى سنوات تربعه على العرش لمدة 38 سنة على أنها سنوات الرصاص بسبب حملة الملك المغربي السابق القاسية على النقابيين والمفكرين والماركسيين والجنود المتمردين وغيرهم من أعدائه السياسيين·

لكنه ليس طيف الحسن الثاني وحسب هو الذي يجعل محمد السادس يبدو جيداً بالنسبة للعديد من المغاربة· ففي الأعوام الاثني عشر منذ اعتلائه العرش، قام الملك بإجراء وتكريس عدد من الإصلاحات، بما في ذلك تبني قانون العائلة بغية تحسين حقوق النساء، وتعيين لجنة للتحقيق في جرائم الدولة خلال أعوام الرصاص، والسماح بأشكال محددة من الاحتجاج السياسي -طالما كان الأمر لا يطال انتقاد الملك أو أياً من أفراد العائلة المالكة·

أما المنتقدون، فيرفضون هذه التغييرات ويصفونها بأنها لا تعدو كونها واجهة عرض فاترينة، متهمين الملكية بأنها فعلت ما من شأنه أن يجعل الأمور يمكن تحملها وحسب· ويقول إدريس كسيكس، محرر إيكونوميك ريفيو والمحرر السابق لمجلة تيل كويل الأسبوعية التي كانت حكومة محمد السادس قد أقفلتها عدة مرات لكسرها محظورات الصحافة، بما في ذلك تقصي تمويلات العائلة المالكة، يقول: لقد كانت لدى الملك فرصة خلق نموذج واقعي للإصلاح الديمقراطي، لكنه لم يفعل ذلك· ولا توجد عدالة كافية ولا شفافية كافية· لكن هناك ظهوراً كافياً للإصلاح للحفاظ على الأمور مستورة.
ومع ذلك، يقدر العديد من المغربيين نشاطات الملك· ويقول الطالب في الرباط ابراهيم زيلنكوز: انه دائما يدشن مشروعاً تجارياً جديداً أو يفتتح طريقاً جديداً فتحس وكأنه يعمل من أجل المغرب، وكأنه يهتم بنا>· لكن ذلك لم يمنع زيلنكوز من الانضمام إلى الاحتجاج الذي كان موجهاً إلى حكومة المغرب وليس إلى ملكها· وأضاف مشيرا إلى البرلمان: إن المشكلة تكمن في هؤلاء الأولاد، فهم لا يأتون هنا للعمل وإنما للنوم·

وعلى الرغم من سلطته القريبة من أن تكون مطلقة، ينظر العديد من المغاربة إلى الملك بشكل منفصل عن الحكومة -ليس البرلمان فحسب، وإنما أيضاً المخزن سيئ الصيت أو نخبة القصر الذين يسيطرون على مبالغ ضخمة من ثروة الأمة، والذين يحركون الحبال السياسية من خلف المشاهد· ويوجد البرلمان الذي لا يعتبر ممثلاً حقيقياً، نظراً لأن بعض الأحزاب لها مقاعد محدودة أو محظورة جملة وتفصيلا، بشكل رئيسي للمصادقة على مبادرات القصر وحسب· ويقول يوسف رايسوني، رئيس فرع الرباط في الرابطة المغربية لحقوق الإنسان: <هناك نوعان من النظام في العالم العربي: دكتاتوري، ودكتاتوري يرتدي قناعاً ديمقراطياً· وفي المغرب، نعتبر نحن من النوع الثاني بفضل المخزن
وعلى الرغم من أن المظاهرات في عموم البلاد كانت سلمية في الجزء الضخم منها، فإنه لم يكن هناك نقص في الشاخصات التي تقول إن الطريق إلى الديمقراطية في المغرب ما يزال طويلاً وفي الأيام السابقة للاحتجاجات، وجد العديد من الناشطين حساباتهم في الفيسبوك عرضة للقرصنة· ويقول منظم الاحتجاج محمد اللاودي: دخلت الموقع، وكانت كل صفحتي فارغة·· كما أن حسابي على <الجيميل> Gmail كان محجوباً· وفي الليلة السابقة للمسيرات، ظهر ثلاثة ناشطين على التلفاز الرسمي ليعلنوا -خطأ وربما تحت الضغط – أنه تم إلغاء الاحتجاجات· (صححت حملة سريعة على الفيسبوك المعلومات الزائفة)· وأوقف تسيير القطارات بين كازابلانكا الدار البيضاء والرباط لعدة ساعات· وتم تعقب الصحافيين الأجانب، على نحو ملحوظ يدعو للشفقة، من جانب عملاء الاستخبارات -في حشد للشباب، فإن ارتداء بذلة مع ميل لاستراق السمع لا يعتبران أفضل السبل للتمويه·

ويوم الاحتجاج، راجت إشاعات على التويتر بأن الملك سيستخدم كلمة سيلقيها في حفل تقليد مناصب في اليوم التالي للاستجابة لمطالب المحتجين، لكن ذلك لم يحدث ذلك، وكانت إشارته الوحيدة للتطورات هي قوله إنه لن يرضخ للديماغوجية أو الارتجالية·

كيف يمكن الحد من نشاط القاعدة وعملها؟ دانييل بنجامين نيويورك تايمز منذ ما قبل 11/9، عملت الولايات المتحدة ودول أخرى بجد من أجل وقف تدفق الأموال إلى تنظيم القاعدة والجماعات الارهابية ذات الصلة· من خلال اتباع نهج ابتكاري وشراكات قوية، بما في ذلك مع العديد من الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي، حققنا نجاحا حقيقيا في جهود مكافحة الإرهاب على نطاق واسع وفي جهودنا المحددة لمكافحة تدفق الأموال إلى المنظمات الإرهابية·

على وجه الخصوص، شهدت القيادة العليا لتنظيم القاعدة في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان أموالها تتضاءل·

ومع ذلك وفي السنوات الأخيرة، فقد وجدت شبكة القاعدة جيوب عميقة جديدة، ليس بين الشيوخ الراديكالين الاغنياء في الخليج العربي ولكن من خلال استغلال الدول الغربية الغنية وحلفاءها ومن خلال تحويل عمليات خطف الأوروبيين والشرق اسيوين والشمال أميركيين الى أعمال تجارية كبرى، وقد وجدت المنظمات الارهابية سبيل تمويل موثوق به يأتي مباشرة من خزائن البلدان التي هي مخصصة لهزيمة القاعدة·

لقد حان الوقت لوقف هذا التدفق من التمويل قبل أن يتضخم ويقوي شبكة القاعدة· ويتعين على الحكومات الخروج من الأعمال التجارية المتعلقة بدفع الفدية أو أنها ستواجه العديد من عمليات الخطف وموجة مكثفة من الإرهاب·

والمبالغ المعنية من الحصول على الفدى هي مبالغ كبيرة· منذ عام 2004، حصلت الجماعات الإرهابية من منطقة الساحل إلى القرن الافريقي ومن اليمن الى شرق آسيا على حوالى 120 مليون دولار من دفع الفدى، وكثير من هذا المال مدفوع من قبل الحكومات· من 2003 حتى 2008، زادت عمليات الخطف في أفغانستان عشرة أضعاف، مع 38 حالة معروفة في عام 2008· وقد أدى تحسن الوضع الأمني على الأرض الى انخفاض عمليات الخطف في عام 2009، ولكن التهديد لا يزال مرتفعا· في الصومال، حركة الشباب وغيرها من الجماعات الإرهابية تخطف و بشكل روتيني عمال الاغاثة الاجانب وغيرهم كرهائن، وفي واحدة من الحالات حصلوا على فدية 1.3 مليون دولار من منظمة غير حكومية·

ولم تحقق مجموعة اسما أكبر لنفسها في مجال الاختطاف مقابل الحصول على الفدى أكثر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM)· التي تعتمد على دفع الفدى لدعم وتطوير نفسها في بيئة الصحراء القاسية· ويبدو من المؤكد أن هذه المبالغ تمثل أغلبية دخل المجموعة التي مقرها الصحراء، كما ارتفع أيضا عدد عمليات الاختطاف من قبل جماعات الجريمة المنظمة في غرب أفريقيا في السنوات القليلة الماضية· وقام المجرمون والإرهابيون بتوحيد القوى مع عصابات البلطجية المحلية التي تقوم بعمليات الخطف وبيع الرهائن إلى جماعات إرهابية·

وبالنسبة للحكومات التي تحاول صد الخلايا الإرهابية داخل حدودها، فقد أصبحت عمليات الخطف مثل مرض الطاعون، وهم يلقون باللوم وبشكل مفهوم على البلدان الغنية لتفاقم المشكلة عن طريق دفع الفدى، الامر الذي يجعل الارهابيين يكررون عملياتهم أكثر فأكثر· ويجب القيام بشيء لمساعدة بلدان مثل مالي والجزائر وموريتانيا، ومنع جماعات مثل القاعدة في المغرب الإسلامي من الحصول على الموارد اللازمة لبدء العمل في أماكن جديدة· ومن شأن الاتفاق على سياسة لا تنازلات، أن يكون نقطة جيدة للبدء· حاليا لا يوجد سوى عدد قليل من الحكومات ترفض دفع فدية لمواطنيهم الذين يتم خطفهم، وقد قلت عمليات خطف راعاياهم بالتدريج جراء سياستهم هذه· ان الولايات المتحدة تتفهم بأن رفض تقديم تنازلات للإرهابيين يحمل تكاليف حقيقية، كما تفعل دول مثل فرنسا، التي اتخذت قرارا شجاعا في محاولة للافراج عن مواطنيها في النيجر·

ان الالتزام على نطاق واسع بتعهد عدم تقديم أي تنازلات، وحده لن يقضي على مشكلة الاختطاف مقابل فدية: الشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية من المرجح أن تستمر في دفع فدية لاستعادة موظفيها· ولكن إذا توقفت الحكومات على الأقل عن دفع الفدى، فإنها ستساعد في عرقلة عمليات المنظمات الإرهابية·

ومع هذا الالتزام، إلى جانب بذل جهود حثيثة من قبل جهات إنفاذ القانون والاستخبارات وقوات الأمن للقبض على الخاطفين وتعطيل شبكاتهم، وتجميد أو مصادرة أموالهم، فأن احتجاز الرهائن في نهاية المطاف سوف يصبح عملا تجاريا أقل جاذبية بكثير·
(اللواء)

السابق
عن زراعة الشقاء.. الذي يسمى تبغاً
التالي
اليوم العالمي للتوعية من الألغام