إلى مجرمي ويكيليكس: مغفورة لكم مجازركم!

لم يخجل أحد بعد.
لم يعتذر أحد أيضاً.
مرتكبو الكبائر، على ذمة «ويكيليكس»، يتصرفون وكأنهم أبرياء. يعتبرون أنهم ضحايا. يحيطون أنفسهم بتأييد شعوبهم الطائفية، ويجوبون في السياسة والإعلام، وكأنهم رسل السلام اللبناني.
يغسلون أيديهم ويطلقون العنان لتهذيبهم ويبرهنون على أنهم حمام السلام، في غابات السلاح المنتشر، والذي يعكر صفو بناء الدولة اللبنانية، الخاصة بهم وحدهم، من دون سواهم.
مرتكبو الكبائر، من قادة لبنان وسياسييه، ليسوا خائفين على سمعتهم، ولا يعتبرون أنهم قيد المساءلة، ولا يتصوّرون أبداً، أنهم سيساقون إلى أي محاكمة. فلبنان هذا، الذي لا يحمي مقاومته، هو نفسه الذي يحمي مرتكبيه ومجرميه وخونته.
والكبائر التي أعلنت عنها «ويكيليكس»، هي بحجم الدعوة إلى غزو الجنوب، إلى احتلال مارون الراس وبنت جبيل. هي بحجم جرائم قتل متعمّد، وإبادة قرى وبلدات وجسور. هي بحجم تشريد نصف شعب، هي بحجم اقتلاع بشر وتدمير حجر. هي
بحجم ترميل نساء، وتيتيم عائلات. هي بحجم مجازر يعاقب عليها القانون الدولي.

ومع ذلك، نتوقع، أن تمرّ هذه الجرائم، مرور الكرام. وحدهم الذين ماتوا، الذين قتلوا، الذين تشرّدوا، الذين تهجروا، الذين تألموا، الذين فجعوا، الذين ناموا في العراء، الذين نزلوا ضيوفاً ثقيلين على طوائف الآخرين… وحدهم هؤلاء قد دفعوا الثمن الباهظ، وسيحكم عليهم، أن يتعايشوا مع قتلتهم، في المؤسسات اللبنانية كافة. سيتسامرون معهم في مجلس النواب، سيتصافحون في مجلس الوزراء، سيجلسون إلى مائدة السلطة، كأن شيئاً لم يكن، وسيتبادلون النكات معهم، تماماً، كما جرت عادة «التسامح» اللبنانية، التي لا ترجمة لها، إلا بعادة الغدر العظمى.

الذي حدث في عدوان تموز من تحريض على الغزو والقتل والتدمير، ليس جديداً، ولن يكون للمرة الأخيرة. فلقد قام بعض من هؤلاء أنفسهم، بالارتكابات المشينة إبان الحروب اللبنانية، التي امتدت لخمسة عشر عاماً، ما بين 1975 و1990. لقد أبادوا قرى ومن فيها، هجروا بلدات ومناطق. حاصروا مدناً (بيروت نموذجاً) ومخيمات، وأرسلوا الجرافات لاقتلاع البشر وتدمير الحجر. لقد خطفوا وصفوا شباباً ورجالاً ونساءً. لقد أخفوا عشرات آلاف اللبنانيين. لقد حفروا الأرض قبوراً دفنوا فيها ضحايا بالآلاف. وشهادة روبيرت فيسك عليهم ستتحقق ذات يوم، عندما يقرر لبنان، إنشاء أنفاق في بيروت لحل أزمة السير، وعندها سيكتشف المقابر الجماعية.
لا جديد حتى الآن. كل هذا الكلام قد قيل سابقاً، ومناسبة قوله راهناً، أن لا جديد سيحدث مع مجرمي «ويكيليكس» الجدد. فنحن في لبنان. ولبنان لديه ممحاة، يمحو بها الجرائم. لديه قدرة على العفو. لذلك، وبعد توقف القتال في الحروب اللبنانية، أقدم أمراء الحروب اللبنانية، صانعو مجد الجريمة، على إصدار قانون عفو، عفا عنهم جرائمهم، وترك «لزعمائهم» الحق في الثأر، فأحال الجرائم التي طاولتهم، إلى المجلس العدلي.
يومها قيل: فليذهب الشعب إلى موته، إلى نسيان قتلاه، إلى إهمال مخطوفيه، ولتبق «القيادات» في مأمن من النسيان.
لبنان الطائفي هذا، يحمي مجرميه وفاسديه ومرتكبيه وزناته وناهبي خيراته ومعرّضي سلامه للحرب، ومحرِّضي العدو على انتهاك سيادته. لبنان الطائفي هذا، يحمي الخونة وينصبهم زعماء، ويقمع الشهداء وأهلهم من التعبير عن حزنهم ولو بدمعة.
غداً، سيعفو هذا اللبنان، عمن كان شاهداً ومحرضاً وداعياً، لاغتيال اللبنانيين، تماماً كما عفا عنهم، بعد الحروب اللبنانية الماضية.
ليتهم يتشبهون بالأتراك العثمانيين يوماً. فبعد مجازر الستين، لم ينل المجرمون عفواً، بل حساباً.
لن يسقط هؤلاء المجرمون المعروفون بالأسماء، إلا بسقوط النظام الطائفي، الذي يحميهم من كل حساب. وإذا لم يسقط، فسيظل منطق الجريمة المؤيدة والمسموحة إلى يوم الحساب.

السابق
هل تسارع سوريا إلى رعاية الولادة الحكومية ؟
التالي
حوار بين حريري واثنين من معارضيه