يمكن الجمع بين الحزن على الشهيد.. والاختلاف معه

ضحايا المنار
بلى يمكن الجمع بين الحزن الصادق واللوعة على فراق من نحبّ مع الاحتفاظ بحقّ الاختلاف معهم. لكن في ثقافة حزب الله حبّك الصادق للشهيد هو التسليم الاعمى بأحقية المعركة وصوابية الأهداف التي من اجلها سقط هذا الحبيب او ذاك. وآن أوان تحطيم هذه الشبهة القاتلة والمتناقضة مع الوعي الديني السليم عبر التأكيد ان الله سبحانه وتعالى إنّما يحاسب البشر على ما كانوا يعتقدونه.

كفى الحديث عن الاثمان الباهظة جدا التي نتكبّدها في الحرب المجنونة على الارض السورية دون عقبات. خصوصا اننا نتحدث هنا عن شباب في ريعان أعمارهم. عن اشخاص كنت تعرفهم وتحبهم، عن اناس تراهم كل يوم، تتحدث معهم، تعرف تفاصيل حياتهم، اولادهم، اخوتهم. هذا طبعا ان لم يكونوا من دمك ولحمك. وهنا بالذات تعظم المصيبة ويكبر المحظور، لتجد نفسك امام هول فقدان العزيز وهيجان الشعور الانساني في حضرة الموت والفراق. كأنّه لا مكان حينئذ للعقل او النقاش او حتى مجرّد التساؤول.

فحزب الله الذي يتصرف دائما على خلفية انه “لا يُسأل عما يفعل وانتم تسألون”، تراه يجهد ها هنا في أن يتمترس مرّة جديدة خلف هؤلاء الاحبة الذين مضوا. فبعد متراس المذهبية، ومتراس المقاومة، ها هو ايضا يبني متراسا من نوع آخر قوامه هؤلاء “الشهداء”. بحيث يصير مسموحا لك ولأهاليهم واحبتهم أن يحزنوا عليهم، وان يشقّوا الصدور ويذرفوا الدموع. فهذا كلّه من مظاهر الحبّ المسموحة، طالما أنّ انهار الدموع هذه لا تحمل معها أي شائبة تساؤل ولا يعكّر صفوها اي استفسار. لأنّه في ثقافة حزب الله وعرفه مقتضى حبّك الصادق للشهيد هو التسليم الاعمى بأحقية المعركة وصوابية الأهداف التي من اجلها سقط هذا الحبيب او ذاك. وبالتالي فإنّ اثارة أيّ تشكيك او تعبير عن قناعة مختلفة عما يؤمن به الشهيد يجعلك مباشرة في خانة من يصوّب على شخص الشهيد ويضعك حزب الله على رفّ المتهمين بالإساءة المتعمّدة الى الشهداء.

بالنسبة إلى حزب الله لا يمكن الجمع بين حبّك الصادق لعزيز تفتقده او سوف تفتقده وانت تحمل قناعة مختلفة عنه وتجاهر بها. هذه المغالطة يعمل على تعميمها وجعلها اقرب ما تكون الى البديهة العقلية. وللاسف نجح في ذلك إلى حدّ كبير معتمدا على شبهة تلامس الاحساس الديني عبر الايحاء الدائم بأنّ أيّ نقاش في القضية التي من اجلها سقط هؤلاء الاحبة تعني الكلام عن المصير الأخروي لهم.

فالقضية الخطأ ترجمتها في الوجدان الشعبي خسارة الآخرة وفقدان الجنّة الموعودة. وعند هذه المحطة بالذات، وما تشكل من حساسية مفرطة عند اهالي الشهداء، يتجمد الحوار وتخرس الكلمات. وعليه يبني الحزب هذا الجدار الحديدي السميك من الصمت، في حين أنّه آن أوان تحطيم هذه الشبهة القاتلة والمتناقضة مع الوعي الديني السليم عبر التأكيد ان الله سبحانه وتعالى إنّما يحاسب البشر، ومنهم هؤلاء الشهداء على ما كانوا يعتقدونه هم لا على ما نعتقده او سوف نعتقده نحن. وبالتالي فإنّهم ومصيرهم خارج دائرة النقاش اصلا.

المقصودون من فتح النقاش هم الاحياء لا الاموات. مع التاكيد ها هنا بأنّ موازين الحساب شأن رباني لا علاقة لنا به. أما المغالطة الاخرى فقد آن الاوان ايضا للقول وبكل وضوح: بلى يمكن الجمع بين الحزن الصادق واللوعة على فراق من نحبّ مع الاحتفاظ بحقّ الاختلاف معهم.

لا تلازم بين الحبّ وبين الاعتقاد. وعليه فلا غرابة إذا انفطر قلبي عند سماع خبر رحيل الاخ الحبيب والصديق الرائع ورفيق الطفولة الجميل محمد منتش، أبو جعفر. وقد سالت عليه من احشائي دمعة، ولاجل من تبقّى من الاحبة، أصرخ: كفى .

السابق
على هامش ضحايا المنار: اللّبنانيون يحبون بعضهم في الموت فقط
التالي
الانكفاء المسيحي + التصادم الاسلامي = الفراغ