إلى متى؟


إلى متى الانتظار؟ سؤال يتردد على ألسنة اللبنانيين. مواطنون يسألون عن سقف لأزمات البلد، وحدود للتدهور الجاري على مختلف المستويات، ولا سيما منها المستوى الأمني. فعلاً، بلغ السيل الزبى. ولم يعد مفهوماً عدا أنه غير مقبول، الفلتان الأمني الذي تشهده البلاد من أقصاها إلى أقصاها، ولو كانت محطاتها الأخطر والأشدّ إيلاماً تتركّز ضمن نطاق صيدا وطرابلس، بكلّ ما تعنيه من استنزاف للمدينتين العزيزتين والغاليتين على قلوب اللبنانيين.
قد يفهم المرء الكباش السياسي الذي تمارسه مختلف القوى السياسية، ولكن لا أحد سيرضى بوضع هذا الكباش في سلّة واحدة، مع لعبة المصالح سواء المحلية أم الخارجية، علماً بأن الجميع يلعبون في دائرة مغلقة. فمن يعرف لبنان تاريخاً وجغرافيا، على يقين أن مختلف اللاعبين سيعودون إلى طاولة الحوار، عاجلاً أم آجلاً!
ونسأل، هل الأمن مهمة الجيش والقوى الأمنية حصراً؟ قد يكون الجواب نعم في ما يتعلق بالوضع الميداني التقني، إجراءات ومواجهات وتوقيفات، لكن الأمر لا ينقضي هكذا، فالقرار السياسي للحكومة والمسؤولين هو الأساس. كذلك الغطاء السياسي للقوى السياسية، سواء في المعارضة أم في الموالاة، هو المسؤول عن تمادي الأزمة السياسية أولاً، ومن ثم تداعياتها الأمنية.
من المعلوم أن الصراع اليوم يحمل عنوان الصراع المذهبي بين السنّة والشيعة. وقد كان في ما مضى بين المسلمين والمسيحيين إبان الحرب الأهلية السيئة الذكر 1975. هذا الصراع الفئوي سواء بين الطوائف أم المذاهب، أو بين أيّ لبنانيين، هو كارثة على البلد وأبنائه، لأنه يلعب بدم الناس وأرزاقهم ومستقبل وطنهم أولاً وأخيراً، وهو اليوم كارثة على الطائفة السنّية وأهلها. إن تصريحاً من سطرين قد يُشعل الساحة، وخطاباً في مجموعة صغيرة يودي بمدينة إلى الهلاك. هذا إذا لم يجر استغلال هذه المواقف من مستثمري الفتن وقنّاصي الفرص، في غياب الموقف السياسي الحاسم، سواء بنية حسنة أم بخلفيات خبيثة. فهنالك اليوم أطراف صغار يتوالدون كالفطر، مستغلّين الانقسامات السياسية الحادّة والأزمة السورية وموسم الانتظارات الطويلة للقوى السياسية اللبنانية كافة، لحسمٍ ما في المنطقة وفي سورية تحديداً. فمن المسؤول عن تشريع أبواب لبنان أمام رياح الفتنة بين السنّة والشيعة؟
في لقاءاتنا المباشرة في حزب الحوار الوطني مع الناس، نستشعر المرارة التي يحملها المواطنون حيال نوابهم في العاصمة وفي غيرها من المناطق. فالخيبة أصابتهم ليس من تنصُّل هؤلاء من مسؤولياتهم وعجزهم أمام قضايا مواطنيهم فحسب، بل من مشاركة بعضهم في التحريض على الصراع المذهبي، أو السكوت عنه، وفي الدعم العلني أو الضمني للمحرّضين. وفي المناسبة، نحيّي موقف الرئيس فؤاد السنيورة الرافض استباحة مدينة صيدا، وإثارة النعرات المذهبية فيها، واستذكاره في ذكرى تحرير صيدا، شهداء المدينة الصامدة في مواجهة العدو الصهيوني.
لنا كلمة للقوى السياسية الفاعلة في الوسط السني وفي مقدّمها «تيار المستقبل»، والتي نربأ بها أن تقف متفرّجة على الفتنة تهدّد «السنّة» كما الآخرين – ونحن نجد في جميع اللبنانيين مواطنين- كيف نقبل بإنزال شيخ عن منبر الجمعة، بكل قدسية هذا اليوم عند المسلمين؟ وكيف نرضى باستشراء الفتاوى المحرّضة على القتل سواء تلك التي تصدر في طرابلس الفيحاء أم في صيدا، ومن يحمي العاصمة بيروت من الفتنة؟ إننا ندق ناقوس الخطر، لأن هنالك من يسعى إلى جرّ السنة في لبنان إلى نفق التطرّف.
هنالك قضيتان برسم فاعليات السنّة ورموزها: قضية المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، وقد ناشدنا في «لقاء الحوار الإسلامي» الذي يضمّ ثلة من رجال العلم والمعرفة والمستقلّين، جميع المعنيين لحل هذه الأزمة-الفتنة، وباركنا تحديد مفتي الجمهورية سماحة الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني موعداً لانتخاب المجلس الشرعي الجديد، درءاً للفتنة بين أبناء الطائفة وحفاظاً على وحدتها. أما الأمر الآخر، فهو وضع حدّ لفوضى الفتاوى، فالمطلوب تداعي جميع الخيّرين في الطائفة لوقف الفتاوى المحرّضة بين المسلمين، لأنها قنبلة موقوتة، سوف تنفجر في وجه الجميع بلا استثناء. والخاسر سيكون لبنان أولاً وأخيراً، لأن «الإحباط» ما أصاب طائفة في هذا البلد إلاّ وتشظّى برذاذ انفجارها جسد الوطن بأكمله.

السابق
أوباما يوقع قانون العنف ضد المرأة
التالي
الإتحاد الأوروبي يوسّع عقوباته على إيران