عار عليكم يا مسيحيون

للمسيحيين السوريين والعراقيين أفضال على لبنان في مجالات شتى. سوريين كانوا من أسسوا الرهبانيات اللبنانية المارونية الأقدم في لبنان، ومنها الرهبانية التي أتى منها البطريرك الكاردينال بشارة الراعي.

عراقياً مسيحياً آشورياً كان ميشال شيحا، وهو من صاغ لنا لبنان الميثاق والدستور والفكرة والدور. من حوران ومن حلب وفدت عائلات سورية أرثوذوكسية الى بيروت، بعدما ساد منطق التأميم والديكتاتورية في دمشق.

وهل كان لبنان بلد النهضة الأدبية والصحافية، وموئل التجارة الحرة، والمصارف، والازدهار الاقتصادي في "مطالع" القرن العشرين، لولا مسيحيون سوريون هجروا أنظمة الظلم الى واحة لبنان؟ هؤلاء المسيحيون من سوريين وعراقيين وفلسطينيين ومصريين، أغنوا لبنان بالأموال وبالعقول وأكسبوه دور حاضرة المشرق المسيحي.

إن هذا "اللبنان" المستجد في المئة سنة الاخيرة، يدين بالكثير لهم. وبناء عليه، عار على كل مسيحي في لبنان أن يضع مسيحيي سوريا في خانة نظام الأسد القمعي. من أين أتت هذه النظرية التي تريد إقناعنا بأن المسيحيين السوريين يحبون أن يعيشوا أحراراً إذا جاؤوا الى لبنان، لكنهم يرضون الذل لأنفسهم إذا عاشوا في سوريا؟

لماذا هذا التعتيم على الرموز المسيحية في المعارضة؟ وهذا التعتيم على المسلمين السُنّة الموالين للأسد أكثر من بعض العلويين؟ افتراضاً أن مسيحيي سوريا خائفون من المجهول الآتي إذا رحل الأسد، هل بهذا النأي بالنفس نخفف من خوفهم أم نكون كمن تركهم بين مطرقة وسندان؟

لماذا تريدوننا ان نقتنع بأن ما رفضوه في زمن العالم المقفل، أصبحوا اليوم من أنصاره، والزمن زمن العولمة والفضاء المفتوح؟

عار على كل سياسي مسيحي، أن يقف على الحياد في هذه المسألة. النأي بالنفس هنا سقطة أخلاقية، قبل ان يكون غلطة سياسية. أيعقل هذا الصمت؟ أيعقل ان لا يتحرك الإكليروس الماروني لا بعظات الأحد، ولا بإرسال المساعدات، ولا بإرسال ثلاثة وأربعة وخمسة مطارنة، ولا بفتح دير؟ للعلم فقط، لولا ثلاثة سوريين لما وجِدَتْ كل هذه الأديار في لبنان. راجعوا كتب التاريخ. تذكَّروا ماذا فعل البطريرك اسطفان الدويهي لبطريركيات أرمنية وكاثوليكية، وفدت من الشام والقدس وفتح لها أبواب كسروان.

كلمة واحدة من بكركي، وتتحرك مئات منظمات الشبيبة المسيحية، وفرسان العذراء، والرعايا. الدور الآن دور بكركي قبل البلمند والربوة. نطلب منك الغفران يا أيها البطريرك عريضه. لقد قرر بعض ساستنا أن المعركة في سوريا هي بين القمع الأسدي وتنظيم القاعدة! يا له من اختصار بائس لهذه الثورة.

هي قد تنتهي الى هذه الحال، في حال استمر هذا التغاضي الوقح. فأين دوركم وواجبكم يا رجال دين وسياسة الموارنة تحديداً. البطريرك عريضه، يوم كان مطراناً، باع صليبه ليُطعم الجياع في الحرب العالمية الأولى. انتم ماذا بعتم؟ كم سقيتم من عِطاش؟

اليوم واجبكم ان ترسلوا المعونة الى السوريين المسيحيين الصامدين في سوريا، اذا اعتبرنا انكم تقومون أصلاً باكثر من رفع العتب تجاه من نزح إلينا. لا لن يكون البديل من الأسد حركة "طالبان" سورية. أحياناً أشعر كأنكم تتمنون هذه المعادلة كي تبرّروا هذا النظر القصير.

هناك على بعد رمية حجر، المارونيون والأرثوذوكسيون والأرمن والسريان، ألا يعيشون في مملكة إنطاكية وسائر المشرق؟ أتذهبون الى أقاصي الارض، ولا تزورون سوريا؟ الآن، الآن وقت الزيارة.

قبل سنتين كانت غير مبررة، وبعد سنتين قد يكون فات الأوان! يوم كان لنا بطريرك اسمه انطون عريضه، كانت مساجد المسلمين السُنة في دمشق تهتف: "لا إله إلا الله، البطريرك عريضه حبيب الله".

عريضه كان على ما أعتقد مارونياً… ومن بشري. البطريرك الراحل هزيم، يوم كان يأتي الى لبنان في عز الوصاية الأسدية، كان كل مسيحي يشعر من كلماته وعظاته ومقابلاته الصحافية، بأنه صوت مواز لصوت البطريرك صفير.

كان يعتمد على ذكائنا في تلقي الإشارات، وكان الشعب ذكياً. حافظ الإسد ضغط كثيراً على البطريرك هزيم لينتزع منه موقفاً مسيحياً ضد الإخوان المسلمين، بعد مجازره ضدهم في حماه. رفض هزيم إطاعة الأسد، ورضخ الأسد.

لم يكن هزيم معجَباً بالإخوان المسلمين، لكنه رفض ان يعطي الأسد صك غفران مسيحي، وأن يسجل على مسيحيي سوريا بأنهم وقفوا مع قاتل، ولو كان المقتول ليس بريئاً. وهل كان الآلاف ممن قتلوا مذنبين كلهم؟ مات عريضه، ومات هزيم، على رجاء قيامة…

السابق
وفاة طفل غرقاً بعدما غمرت الامطار خيم العرب الرحل
التالي
الخارجية العرب يبحثون وضع اللاجئين في لبنان الأحد المقبل