جنى فوّاز الحسن: كل حب يبدأ كمشروع لهو والحقيقي يفوز

جنى الحسن
طابق 99 عنوان رواية جنى فوّاز الحسن الجديدة صدرت حديثاً والثانية بعد "انا هي والاخريات" التي صدرت قبل عامين وحجزت لها مكانا في القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية في دورتها السادسة عام 2013. وهنا حوار مع الكاتبة حول إصدارها الجديد تتحدّث فيه عن مسائل وجودية مرتبطة بمؤلفها وبالحياة.

طابق 99″ عنوان رواية جنى فوّاز الحسن الجديدة. صدرت حديثاً عن “منشورات ضفاف ودار الاختلاف ط 1 – 2014″، والأولى كانت “أنا هي والاخريات” التي صدرت قبل عامين وحجزت لها مكانا في القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية العربية بدورتها السادسة العام 2013.
هي رواية للعنف لذا هي حكاية السلام. رواية عن حب ينبت ويزهر في نيويورك بين شاب فلسطيني (مجد) هاجر بعد نجاته طفلا من مجزرة صبرا وشاتيلا العام 1982، التي اودت بوالدته، وفتاة لبنانية مسيحية (هيلدا) هاجرت لتتعلم، تنتمي الى عائلة نالها الأذى في قتال المنظمات الفلسطينية خلال الحرب واودت بشقيق والدها. في نيوورك، في طابق 99، اي في البعيد، تبدأ الرواية لتشرّع الباب على عنف الذاكرة وسلام الحب واسئلة مستلة من واقعنا والمثل التي تعصمنا او تردينا…
1- كأننا حين نحكي عن انفسنا ندرك كم اننا غرباء عنّا.. فكرة الثأر التي تلاحقنا.. هل الحياة عمليات ثأر متناسلة؟
ربما على صعيد الجماعة وعلى صعيد ما نشهده من صراعات مذهبية تمتدّ إلى قرون مضت، يجدر بنا أن نسأل هذا السؤال: هل نحن مجرد امتداد لما سبق؟ يحلو لنا، ربما، أن نرى أنفسنا كأفراد مستقلين عن الماضي، لكن التاريخ يحمل لنا حكايا الدم والثأر، ويشدّنا إلى الوراء، مستغلا العصب الديني أو العشائري، فلا نلاحظ أنّه يقف عثرة بيننا وبين آفاق المستقبل. نحن، كشعوب عربية وللأسف، نرى الحاضر بأعين الماضي عوضاً عن أن نتطلّع إلى الغد. ويبدو المشهد من البعيد مضحكاً ومبكياً في الآن نفسه، فهو يحدّ من تطوّر الإنسان ويحصره في تجاذبات عقيمة لا إثباتات تاريخية واضحة حتّى حولها. والأسوأ أننا بدلاً من أن نرى في فكرة الثأر قيد، نجد الأغلبية ينقادون وراءها، وهذا لا يعكس إلا فشلاً في البناء، بناء مجتمعات مدنية سليمة والاستعاضة بفكرة التتقدّم بمجرّد النبش في الركام. قد يعني هذا في لحظة أننا غرباء عن أنفسنا، وقد يعني أننا لم ندرك أنفسنا المنشود بعد ودرجات الوعي اللازمة لتحقيق هوية تليق بتمنياتنا، ولا أعرف إن كنا نقوم بالجهد الكافي للبحث عن أنفسنا وإعادة بث روح جديدة فيها.
2- القوة والسلطة مواضيع مطروحة في الرواية. هل يمكن القول إن السلطة هي الكارثة والقوة هي الطريق نحو الكارثة؟
الأمر مرتبط بمنظورنا للقوة والسلطة وتعريفنا للأمرين.. القوة ليست استقواء، هي قيمة عظيمة فيها ما فيها من المعاني التي قد تزوّدنا بالشعور بالأمان. القوة هنا بمعنى الشجاعة وإمكانية المواجهة وحتى نقد الذات وإعادة النظر في العلاقة مع الآخر. وهي قيمة ضرورية كي لا نجد أنفسنا في موقع أو فخ الضحية. للأسف، المفاهيم السائدة والأعراف الإجتماعية هي ما حوّلت القوة من نقطة إيجابية إلى نقطة سلبية يندرج تحتها سوء استخدام القوة واللجوء إلى السلطة لتحقيق غايات فردية وقمعية أنتجت الاستبداد. ونعود هنا إلى الحاجة إلى إعادة تعريف السلطة واستبدالها بمفهوم القيادة وما ينضوي تحته من ممارسات إيجابية وسلطة بناءة. نحن نعاني من أنظمة عالمية تحكم العالم بدل من أن تقوده وهنا الكارثة..
3- من الرواية أيضاً “الدودة لا تتحول الى فراشة الا عندما تخترق شرنقتها”، اين هي الابواب الموصدة والشرنقة الخانقة وما ارتباطها بالشجاعة والأمل؟
ما أكثر الأبواب الموصدة، وما أكثر الأبواب خلف الأبواب. كلما تحررنا من قيد، وجدنا عائقاً جديداً، ولكن أن تبقى حبيسة زنزانة ألفتها لن يكون يوماً أفضل من أن تفتح الباب وتخرج. لن يكون الدرب سهلا وسيكون محفوفاً بالأخطار، والحياة ليست نقطة النهاية، هي هذه الرحلة بتساؤلاتها وشكوكها وخساراتها ولحظات فرحها. جميعنا، سواء اخترنا أن نبقى ديدان أو نكون فراشات، نشعر أحيانا بلا جدوى الحياة وضآلتنا أمام القدر، الشجاعة والأمل هما ما يمداننا بالقوة لنستيقظ كل يوم ونختار المواجهة، ووضع أهداف معينة أو أحلام تضفي نكهة للحياة. والرهان على فتح الأبواب الموصدة ليس بالضرورة رهان السعادة، لكنه من دون شك رهان الاستكشاف،هو ما قد يضفي قيمة ما على حيواتنا.

4- الموت يلاحقنا ام نلاحقه… ما هي وظيفة الموت في الحياة هل الموت حالة فردية وماذا عن افكارنا ومعتقداتنا الموروثة هل تموت ايضا؟ ام انها تنبعث وتحدد مسارنا؟
الموت قدر محتّم، وعلى الرغم من ظلاميته، هو ما يضفي قيمة للوقت. يشعرنا أنّ أيامنا وأيام من نحب في هذه الحياة معدودة وقابلة للزوال في أيّ لحظة، وبالتالي شعورنا به وإدراكنا لوجوده يحرّكنا من منطلق محدوديّة الزمن. نحن نريد أن نستغل الوقت لتأمين مستقبلنا ومستقبل أبنائنا وإثبات كينونة ما، وربما تخليد ذكرانا، وبالتالي فإن إدراكنا للموت قد يزيدنا إمّا رغبة بالإنجاز أو يزيد من إحباطنا وشعورنا باللاجدوى. ولا أدري فعليا إن كانت المعتقدات والأفكار تموت، فهذا يعتمد على جدواها نسبة إلى الزمن الحالي، وإن كانت قيمة مضافة أو قيمة بالية ومجرد “زوائد”. مجددا، هو وعينا ما يمكنه أن يجعلنا ننظر للموت كحافز أو كاستسلام. وتختلف النظرة من إنسان إلى آخر. لسنا جميعاً متشابهين.
5- هل شخص من يحبنا هو يحدد جدارتنا في حب الحياة؟
لا طبعاً، الحب الذي لا يتعدّى كونه انعكاساً للآخر من خلالنا او انعكاسا لنا من خلال الآخر حب فاشل. لا يجدر أن ننتظر من يحدّد حبنا للحياة، ينبغي أن نحب من أجل الحب، من أجل الحفاظ على شفافيتنا ووجدنا ككائنات هشة وعاطفية ولكن بنفس الوقت صلبة، فهذا المزيج هو ما يولّد عطاءً متبادلاً بالحب، وليس شعور بالاتكال على الآخر ليحدّد جدارتنا. إنّه التناغم والتكامل الذي نصل إليه عبر تطوّرنا كأفراد وقدرتنا على القيام بالخيارات الصائبة وليس تلك المرتبطة بأن نمتدّكياننا من الآخر.
6- انت في القمة في الطابق 99 من مكتبك ثم يرميك احدهم او شيىء هكذا… كيف تحافظ على توازنك بعدها؟
إن كان السقوط محتماً، ليكن من علّ. ولتكن السقطة جزءاً من هذه العبثية التي نحياها. لنستمتع بدويّ الارتطام وبالهاوية كما نسمتع بالوقوف في أعلى القمة. لا ضمانات في الحياة، وربما هنا لذتها، في هذا القلق. هناك مسافة شاسعة بين الطابق 99 والأرض. نحتاج إلى الإثنين لنحافظ على التوازن: الخلل والارتقاء.
7- هل نحن بلاد الاعذار… ماذا عن عذر الحرب؟ نبرر خطايانا بالحرب ونستمر… هل عذر الحرب حرب جديدة وثأر من الحرب بالحرب؟
نحن بلاد تنقصها المرايا. تنقصها وقفات تأمّل طويلة، ومن بعدها محاسبة. صانعو الحروب قلّة، ولكنهم ليسوا بحاجة إلى التسلل بيننا. نحن نفتح لهم يومياً ألف باب. لا أريد التحامل علينا، ولا فصل انعدام الفرص عن وجودنا. يجب علينا أن نكون أبطالاً خارقين لمواجهة مآسينا اليومية، وأحياناً نشعر بالتعب. نشعر بأن أحلامنا كبيرة جدا. تثقلنا الخيبة، وليست خيبتنا بأنفسنا بالضرورة، بل خيبتنا بما يحيط بنا. نستيقظ يوميا لنخوض حروبا ليست حروبنا، إنما حروب مفروضة علينا، وهنا السؤال: هل نشكو مظلوميتنا ونبكي على الأطلال أو نحارب؟ وكيف نحارب. بحروب جديدة تستنفذ قوانا؟ هي المرآة، إن نظرنا إليها مطولأ، وحدها تملك الإجابة.

8- ألم تتهيّبي تناول العلاقة بين المكوّن المسيحي والفلسطيني، أي بمعنى أن تبدي في موقع المتحاملة على طرف ما؟
ربما، ولكن الوقائع معروفة، وأنا لست بمعرض الدفاع عن أحد. أما أكتب الأدب لأطرح التساؤلات وليس لأدين. يمكنني أن أدين كمواطنة أو إنسانة عادية ولكن ليس ككاتبة. ما فعلته هو أني أخرجت هذه العلاقة من التداولات المغلقة إلى العلن، وربما بفجاجة ووقاحة وفظاظة، وهذا ليس أمراً مخيفاً. إنّه جزء من لعبة المرآة التي يجب أن ننظر إليها كمجتمعات بشظاياها، بالشروخ التي فيها، بجراحها، ليس لإعادة إحيائها، بل لمداواتها.
9- تعالجين العلاقة المستحيلة بين الشرق والغرب ولا يبدو هناك فعلاً أفق للراحة بين العالمين، لكنك من جهة أخرى قدمت شخصيات أجنبية تشبهنا نوعاً ما… هل فعلاً العلاقة مستحيلة؟
أستطيع أن ألقي الشعارات عن التعايش وان أدافع عنا وأقول نحن أفضل منهم ونحن… ولكن هناك علاقة شبه مستحيلة من ناحية الأنظمة. إنّهم يحكموننا وليس بالإمكان إنكار ذلك ونحن أحيانا لسنا أكثر من مجرد دمى. وهذا بسبب أنظمتنا وليس بسببنا كشعوب. هناك النشاة والجذور وما تتركه من اثر في تكوين شخصية الإنسان. وقد يعيش العربي في الغرب او الغربي في البلاد العربية أعواماً طويلة ولا يندمج كلياً في المجتمع الجديد. هناك الكثير من المغالطات في هذه العلاقة، وأنا أؤمن، بأن الإنسان في نهاية المطاف هو الإنسان حيثما كان. ولكن لا يمكن فصله كلياً عن بيئته، نحن نختلف بين قرية ومدينة وبين حيّ وحيّ. العلاقات مع الغرب معقدة من دون شك، ولن أقول أنها مستحيلة، ما يجب أن نطمح إليه هو الحفاظ على هويتنا العربية مع تحسينها حتى تصبح بينة قوية ومتماسكة. عندها، تصبح العلاقة نديّة وبالتالي تذهب إلى أطرها الصحيحة.
10- الحب في الرواية ليس مثال الرومنسية، وفيه صراعات وتخبطات، هل ينتصر الحب؟
من قال إن الحب هو رومنسي في كل الأوقات, هذا وهم آخر غير متصل بالواقع ومتصل بأحلامنا. الحب ممزوج بالواقع وحبنا تتداخل فيه السياسة والمجتمع والاقتصاد. في مرحلة ما، ندرك أن الوردة لا تستمر من دون عناية وأن الأغاني الرومنسية والقصائد لا تكفي لبناء علاقة. طبعاً هذا لا يعني أن نحب بجفاء، ولكن أن نحن تحت الركام، أن نحافظ على الحب ونحميه بقوة وذكاء وليس فقط العاطفة، أن نضع أنفسنا فيه، أجساداً وعقولاً وغريزة وأرواح وأخطاء حتّى، لكي نعطيه قيمته الكاملة. أن نحب بكل حالاتنا وظروفنا ومصاعبنا، أن نبني.. لا أن ننفعل فحسب.
11- تضعين هيلدا في مواجهة عائلتها، ويقول العم في لحظة ما “نحن جلدك يا صغيرة، ان سلخته سيؤلمك انت وليس نحن”. هل يمكن الانسلاخ عن العائلة؟
أعود هنا إلى الطبيعة البشرية، فكرة الانسلاخ عن العائلة بمثابة الانسلاخ عن الوطن. لا يمكنك ان تدير ظهرك لحياة كاملة، من دون أن تتألم. الصراع مع العائلة موجود في حالات عدّة، لكن وجوده لا ينفي الحب. أنت لن تستاء من عائلتك أو وطنك إن لم تكن تحبهم. ما فعلته هيلدا هو الاعتراض على عائلتها، ولكن هذا لا يعني أنها أرادت الانفصال عنها. وإلا لما عادت. نحن نحتاج إلى الكيان العائلي بالفطرة، ولكن لا يجب أن تستحوذ علينا هذه الارتباطات وتحول دوننا ودون أنفسنا. أرادت هيلدا الحفاظ على كيانها الخاص ولا أن تبقى كيانها الذي أرادته عائلتها فحسب، وحتى في المحاسبة، كان هناك الكثير من الحب والتمني واللّوم. ومن نلوم سوى من نعتبرهم جزءاً منا وليس الغرباء.
12- تبدو أحياناً هيلدا لاهية في الغربة، هل تكون الغربة متعة؟
لا أعرف إن كان لهواً أو دفاعاً عن حق مشروع باللهو. كانت هيدا بحاجة أن تعرف إن كان حبها نوع من اللهو واكتشاف عالم غريب وجديد. وهل كان مجد يلهو أيضاً ويصفي حسابه مع العدو القديم؟ الغربة كما نصورها دائماً مرتبطة بالحنين، والغيب بهيلدا انها لم تعبر عن الحنين بقدر ما عبرت عن الرغبة بالمواجهة. ربما يبدو الأمر لهواً لأنه خارج عن المفهوم التقليدي، لكن لا أراه فعلاً هكذا. أراه رغبة بالعيش بعيداً عن الأثقال والصراعات التي لا تجدي. وربما كل حب يبدأ كمشروع لهو، وحده الحقيقي يثبت جدارته بكسب اللعبة.

السابق
الستاتيكو الأوبامي
التالي
ما عليكِ معرفته عن رغبة الشريك الجنسية