
قبل يوم من الدخول في مرحلة “الصمت الانتخابي”، تشهد محافظة بعلبك الهرمل معارك انتخابية تختلف في ضراوتها بين بلدة وأخرى. فبينما تتجه بلدات عدة مثل إيعات ونبحا إلى التسوية والتزكية، تشهد مدينة بعلبك وبلدات أخرى معارك حامية و”كسر عضم” بين لوائح الثنائي الشيعي واللوائح المعارضة له كلائحة “بعلبك مدينتي” في بعلبك، ولائحة “عائلات شعث” في بلدة شعث- قضاء بعلبك التي تشهد معركة حامية بعد فشل حزب الله في الوصول إلى تسوية تؤدي إلى لائحة واحدة تنجح بالتزكية.
الواقع السكاني والسياسي للبلدة:
يبلغ عدد سكان شعث حوالي ١٥ ألف نسمة في حين يبلغ عدد الناخبين حوالي ٦٥٠٠ ناخب، بينما يبلغ عدد أعضاء المجلس البلدي ١٨ عضوا. تتميز البلدة بتنوعها السياسي والطائفي. فعلى مستوى العائلات، تضم شعث عددا من العائلات الكبيرة: عائلة العرب من الطائفة السنية التي تشكل حوالي ٢٨% من أعداد الناخبين، حيث يبلغ عدد الناخبين من آل العرب حوالي ١٨٠٠ ناخب. أما على مستوى العائلات الشيعية فتأتي عائلة العطار في مقدمة أعداد الناخبين حيث يبلغ عدد ناخبيها حوالي ١١٠٠ ناخب، وهذا يجعل من عائلة العطار إحدى العائلات الأكثر تأثيرا في البلدة على المستوى السياسي. تليها عائلة شمص التي تضم حوالي ٩٨٠ ناخب، ثم تأتي العائلات الأقل عددا وتأثيرا على المستوى السياسي مثل: زعيتر، حرب، عاصي، عاقصة، غصن، رباح، عبد الساتر، البرجي، جعفر، الحاج حسن وغيرها من العائلات. ورغم أن الأكثرية تبدي تأييدها للثنائي الشيعي، ولحزب الله تحديدا الذي يُعتبر القوة السياسية الأكثر نفوذا وهيمنة في البلدة، إلا أن المعارك الانتخابية في شعث كانت حامية وطاحنة في معظم الاستحقاقات من الانتخابات البلدية الأولى عام ١٩٩٨.
تاريخ البلديات في شعث:
في الاتخابات الأولى عام ١٩٩٨ فازت لائحة حزب الله في مواجهة لائحة “العائلات” التي دعمتها حركة أمل في حينها. لم تُكمل البلدية الأولى فترتها، حيث “فرطت” البلدية في العام ٢٠٠٢ لكن تم تدارك الوضع في حينها حيث تدخل النائب عن حزب الله عمار الموسوي الذي كان يحضر الاجتماعات البلدية ويشرف عليها بنفسه. أما انتخابات العامين ٢٠٠٤ و٢٠١٠ فكانت من أشد المعارك الانتخابية في البلدة، وربما في بعلبك الهرمل. في تلك الفترة كانت حركة أمل في صراع مع حزب الله، حيث كانت الحركة تدعم لائحة “العائلات” ضد لائحة الحزب. في العام ٢٠٠٤ نجحت لائحة حزب الله كاملة، أما في العام ٢٠١٠ فخرقت لائحة “العائلات” بعضو واحد هو أديب حرب الذي كان “رئيس الظل” في بلدية العام ٢٠١٠، بحسب ما يؤكد مصدر متابع للشؤون السياسية في البلدة. أما في انتخابات العام ٢٠١٦ فنجحت أيضا لائحة الحزب مع خرق بعضو واحد من لائحة العائلات وهو سمير شمص.
كانت بلدية العام ٢٠١٠ أكثر البلديات ازدهارًا من حيث المداخيل ومن حيث الفساد أيضا، حيث سجلت البلدية برئاسة عادل العايق آنذاك أكبر نسبة مداخيل في تاريخ البلدة، وسجلت أيضا أكبر نسبة من مشاريع الهدر، كأن تُصرف ملايين الليرات على القرطاسية و”الضيافة”، ومشاريع السرقة البحتة التي تُتهم البلدية بها. لكن البلدية استمرت رغم ما يؤكده المصدر عن خلافاتٍ و”نكس عهود” وقعت بين أديب حرب المرشح على لائحة “العائلات” ومحمد شمص المُرشح على لائحة حزب الله، إذ كان الاتفاق بين حرب وشمص أن يتبنى حرب ترشيح شمص لرئاسة البلدية. وهذا ما يعتبره بعض المقربين من شمص “انقلابًا” على الاتفاق.
انتخابات العام ٢٠٢٥:
كالعادة تشهد شعث معركة انتخابية حامية هذه المرة أيضا. للمرة الأولى في تاريخها تشهد بلدية شعث تحالفا بين حزب الله وحركة أمل في لائحة موحدة هي “لائحة التنمية والوفاء” في مواجهة لائحة “عائلات شعث” التي عمل أديب حرب على تشكيلها، وهو الذي يعد رأس حربة في مواجهة الثنائي الشيعي، فأديب حرب الذي كان مرشحا دائما في مواجهة حزب الله، هو اليوم مرشح في مواجهة تحالف الحزب والحركة معًا.
تضم لائحة الثنائي ١٨ عضوا: شحادة حسين الحاج حسن، عباس حسن الحاج حسن، عمادي مهدي الحاج حسن، وسيم غازي حرب، علي ابرهيم العطار (الرئيس الحالي)، فادي أحمد العطار، محمد عوض العطار، علي حسن شمص، بلال عارف شمص، حسن محمد علي شمص، علي ناصر العرب، علي قاسم العرب، زين أحمد العرب، علي محمود المصري، حسين محمد العرب، علي زين العابدين أحمد العايق، علي غسان زعيتر، عباس مصطفى مسرة.
أما لائحة العائلات التي أعلن عنها الثلاثاء الماضي فكان ملفتًا فيها تحالف أديب حرب ومحمد شمص فيها ما يعكس بحسب مراقبين أن اتفاقًا قد تم بينهما، وتحالفهما مع علي الحاج حسن في لائحة “العائلات”. فالأسماء الثلاثة أعلاه “مشاريع رئاسة” بحسب الكثير من المراقبين. وتضم اللائحة إضافة إلى الثلاثة أعلاه كلًا من: عباس علي العطار، عباس محمد العطار، حيدر محمد العطار، ضياء علي العطار، عبد الحكيم عبد الهادي العرب، ناصر محمود العرب، أحمد مصطفى العرب، إبراهيم حسن العرب، علي مهدي العرب، علي حسين مسرة، بدري ابراهيم عاقصة، محمد أحمد زعيتر، خضر محمد سيف الدين، محسن حسن عاصي، سمير شحادي شمص.
مآلات الانتخابات:
تشهد الانتخابات الحالية معركة تقوم بالدرجة الأساس على معيار العائلة أكثر من معيار الحزب، حيث أن المراقب للوضع في البلدة يمكن أن يتلمس توجها واضحا لدى العائلات المختلفة للتصرف كـ “إبن العائلة” وإعلاء العصبية العائلية على العصبية الحزبية. والأمر الذي يزيد المعركة اشتعالًا هو توجه آل العرب إلى انتخاب لائحة العائلات بنسبة كبيرة جدا، مع بروز عامل جديد في المنافسة وهو أن اديب حرب وعد آل العرب برئاسة البلدية لمدة سنتين الأمر الذي يعد انتهاكا للعرف القائم في البلدة والذي يقضي بأن لآل العرب نيابة رئاسة البلدية فقط، ولا يمكن أن يكون الرئيس من آل العرب نظرا للتوزيع الطائفي لسكان البلدة. وبينما يعتقد المراقبون أن لائحة “العائلات” غير متفقة في ما بينها على وصول شخص من آل العرب إلى رئاسة البلدية، يعتبر المؤيدون للثنائي الشيعي أن هذه الانتخابات اقرب ما تكون إلى “الاستفتاء على خط المقاومة ونهجها” ويُصرون على العرف الذي يمنع تولي رئاسة البلدية من قبل شخص من آل العرب.
لم تزل مسارات الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات في شعث، إذ يُجمع الكثير على أن المعركة الانتخابية هذه الدورة ستكون من أشد المعارك ضراوةً في تاريخ البلدة والمحافظة. وبينما يتخوف البعض من وقوع اشكالات أثناء العملية الانتخابية نتيجة الاحتقان العائلي الموجود، يرى البعض الآخر أن المسألة ستتم بشكل صعب على اللائحتين لكن دون اشكالات تذكر. يبقى الترقب سيد الموقف في شعث، بانتظار أن تقول الصناديق الكلمة الفصل.