جوزاف عون رئيسا للجمهورية اللبنانية، في لحظة تحول تاريخي غير مسبوق، منذ ما بعد اتفاق الطائف. انتخب الرئيس الجديد بعد حرب “غير مسبوقة” على جنوب لبنان، كما وصف الرئيس نبيه بري خلال جلسة الانتخاب اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، الذي شكل رافعة من رافعات صعود “حركة امل” و”حزب الله”. هذان الحدثان لا يمكن وصفهما، الا بحدثين “كبيرين” غيرا في المعادلة السياسية اللبنانية، التي نقلت “حزب الله” من مرحلة “انا من يختار رئيس الجمهورية الى من يشحذ ضمانات من رئيس الجمهورية” الذي لم يذكر كلمة “مقاومة” في خطاب القسم، بل تعهد بانهاء كل سلاح خارج حصرية السلاح الشرعي.
ما “بهلوانية” الجلسة الثانية التي ضمنت “التوافق” لعملية انتخاب الرئيس، الا تعبيرا عن هذا التقهقر الذي اعاد “حزب الله” الى مشهده الطبيعي في المشهد السياسي
اعاد الرئيس عون الأمر الى الدولة في خطابه، والجيش هو الموكل اليه حماية الحدود، وما “بهلوانية” الجلسة الثانية التي ضمنت “التوافق” لعملية انتخاب الرئيس، الا تعبيرا عن هذا التقهقر الذي اعاد “حزب الله” الى مشهده الطبيعي في المشهد السياسي، اي حزب يحتكم على خمسة عشر نائبا في البرلمان، خرج من النفخة السياسية التي حكمت سلوكه السياسي منذ العام ٢٠٠٥، من سياسة فرض الحكومات وفرطها، من فرض رئيس الجمهورية والتعطيل، وبات يبحث عن ضمانات، يدرك انها لن تتجاوز شروط الدولة، بل قصارى ما يطلبه اليوم هو عدم التهميش، لادراكه ان المظلة العربية والدولية فرضت مسارا، يقوم على تعزيز كل ما يتصل بالدولة ومؤسساتها، ونبذ كل ما له علاقة بالدويلة او الميليشيا، وهو مسار يرتبط بفتح الباب امام فرص انقاذ فعلي للبنان سياسيا واقتصاديا، وفرص الخلاص من الاحتلال الاسرائيلي، وتنظيم العلاقة مع سوريا الجديدة، وترتيبات الحدود عموما، هي الفرصة المتاحة التي يعلم “حزب الله”، ان لافرصة سواها مع الفشل المريع للمشروع الايراني، في سوريا ولبنان على الأقل.
يدرك حزب الله اكثر من سواه ان رفضه، سيزيد من كوارثه وكوارث بيئته
لبنان تحت وصاية دولية والضغط الدولي لانتخاب عون، كما عبرت اوساط “حزب الله” عن حد من الامتعاض، فان ذهاب نوابه للاقتراع لجوزاف عون، يؤكد سعي الحزب الى الدخول تحت المظلة الاميركية والسعودية، وايجاد مكان له، واذا كان “حزب الله” قادر على الرفض ومقاطعة جلسة الانتخاب، لكنه يدرك اكثر من سواه ان رفضه، سيزيد من كوارثه وكوارث بيئته، في مرحلة بات يدرك هو نفسه ايضا ان اعادة اعمار ما دمر، لا يمكن لايران ان تبنيه، بل لابد من السعي لدى العرب والغرب ان يعينوا لبنان، لاعادة اعمار الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وغيرهما…
الاستجداء الذي وصل اليه لبنان من اجل مساعدته، كاف لأخذ العبر من كل الارتكابات، من الفساد والنهب الى تلك التي ارتكبت من حرب الاسناد وحرب مساندة نظام الأسد، وغيرها من العراق الى اليمن، وصولا الى معاداة الكل (يعني الكل) بدء من الشعب اللبناني.