حرب غزة: من يفتح الافق السياسي؟

هنية السنوار

حدثان بارزان، اعادا الاعتبار لمقتضيات القانون الدولي والدبلوماسية، بعد أن سيطر لسنوات خلت، المنطق الذي يقول بأن القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الخصم، وقد وحّد هذا الواقع ما بين الاعداء، في تبني المنهج نفسه، أي اسرائيل و”حركة حماس”.

الحدث الاول، اعلان المدعي العام للمحكمة الجزائية الدولية كريم خان، عن مطالبه للمحكمة لاعتقال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وبحق قادة “حماس” اسماعيل هنية ويحي السنوار ومحمد الضيف. اما الحدث الثاني، فتمثل في اعتراف ثلاث دول اوروبية، النرويج وايرلندا واسبانيا، بدولة فلسطين، وقد تلقف وزير الخارجية الفرنسية هذا التصرف بإيجابية لافتة بقوله :” إن هذه الخطوة ليست محظورة على بلاده، انما الوقت ليس مناسبا راهنا”. ما يعني ان المبدأ مقبول، بانتظار أن يحين الوقت الفرنسي المناسب.

بعد تنفيذ عملية ” طوفان الاقصى”، اندفع الاسرائيليون بقوة غير مسبوقة للقضاء على “حماس”، وقاموا بحجب كل الحلول السياسية، باعتبار أن الدولة العبرية تدافع عن نفسها، والوقت ليس للسياسة، بحيث أن القادة الاسرائيليين أنفسهم، وقعوا في “حيص بيص”، لناحية الاتفاق حول الاجابة عن سؤال، الذي يريد العالم اجمع جوابا عنه: ماذا في اليوم التالي للحرب، لكون الجهد والخطط الاسرائيلية، منصبة على الحسم العسكري وتحقيق النصر الكاسح، الذي يبدو بعيدا الى حد الآن؟

الجواب عن اليوم التالي للحرب لن يكون الا جوابا سياسيا وعبر السياسة حصرا وإن حققت اسرائيل النصر الكاسح على حماس فهي ملزمة بالعودة الى السياسة

وبعد مرور كل تلك الاشهر الطويلة من القتال الضاري، والذي راح ضيحته الالاف من الشعب الغزاوي بين قتيل وجريح، فضلا عن معاناة النزوح الدائري داخل قطاع غزة، هربا من القتل الذي لا يميز بين المقاتلين والمدنيين، فقد ثبت أن الحل لن يكون عسكريا وأن الطرفين ملزمان بالعودة الى جادة السياسة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لفتح الافق، امام الحلول وايقاف تلك المأساة الدموية.

فالجواب عن اليوم التالي للحرب، لن يكون الا جوابا سياسيا، وعبر السياسة حصرا، وإن حققت اسرائيل النصر الكاسح على حماس، فهي ملزمة بالعودة الى السياسة، باعتبار أن فكرة إعادة احتلال غزة مرفوضة دوليا وعربيا، وهي مهمة اسرائيلية دونها عقبات ويصعب تنفيذها، كما أن الامر نفسه يسري على “حركة حماس”، التي لا يعني لها الجواب عن اليوم التالي، سوى العودة الى ما قبل 7 تشرين، لناحية اعادة سيطرتها على القطاع، من دون الاكتراث لا للدمار الهائل، ولا للمستوى اعداد القتلى في صفوف سكان غزة. وهذا المطلب الحمساوي، يدل على انفصام عن الواقع، ويخلو من حس السياسة، ولا يمكن تحقيقة ولو في احلام قادتها المربكين.

إقرأ ايضاً: خامنئي يجمع «مجلس حربه» بعد «وداع رئيسي»..واسرائيل تتوعد بـ«أرض محروقة» جنوباً!

لقد كان من خارج قدرتنا على التصور، بأن نصل الى يوم نجد فيه أن رئيس وزراء اسرائيل، يواجه اتهاما بارتكاب جرائم حرب من محكمة دولية، بحجم الحكمة الجنائية الدولية، فهذا الامر يعتبره علم التاريخ، حدثا فارقا ما قبله ليس كما بعده. فعلى المستوى النظري، هناك اكثر من 143، يمكن ان تنفذ بحقه مذكرات الاعتقال، وهذا بحد ذاته انتصار للقانون الدولي، ولمفهوم العدالة الانتقالية، التي لا حصانة امامها لأي شخص مهما علا شأنه وتقدم منصبه. فالصورة أصعب على التصديق: بنيامين نتياهو ووزير دفاعه مطلوبان للعدالة كمجرمي حرب!

كان من خارج قدرتنا على التصور، بأن نصل الى يوم نجد فيه أن رئيس وزراء اسرائيل يواجه اتهاما بارتكاب جرائم حرب من محكمة دولية بحجم الحكمةالجنائية الدولية

ايضا نزل الاعتراف الثلاثي بدولة فلسطين، كالصاعقة على اسرائيل، التي قامت بسحب سفرائها من تلك الدول، وهذا الاعتراف يشكل اشارة دولية على أن الامور آخذة في التبدل لغير صالح اسرائيل التي كانت تظن انها دولة محصن امام المساءلة والمحاسبة وإذا بها تقع في شر اعمالها، خصوصا في ظل حكومات اليمين المتطرف التي اطاحت بكل منجزات السلام العادل، الذي يقوم على الاعتراف بدولة فلسطينية قابلة للحياة في مقابل تحقيق الامن الذي تبحث عنه اسرائيل.
القضية الفلسطينية كانت ضحية لسيطرة منطق العنف والعنف المقابل، كمصلحة مشتركة بين طرفين لا يريدان للحلول السياسية أن تفرض نفسها، فعنف هذا الطرف يبرر عنف ذاك الطرف، لتنمو بعدها اللغة الشعبوية، التي تحرك العواطف وتهدر الفرص في تحقيق السلام المنشود، الذي سبق للعرب مجتمعين في قمة بيروت لجامعة الدول العربية أن قدموه على صيغة مباردة تاريخية، عجز الجانب الاسرائيلي عن تلقفها.

لقد اثبتت الاحداث ان للسياسة والسلام قوى عربية حية وقادرة على ابقاء الامل في انجاز تسوية تاريخية وحماية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة

لقد اثبتت الاحداث، ان للسياسة والسلام قوى عربية حية وقادرة على ابقاء الامل، في انجاز تسوية تاريخية، وحماية حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، فلا يمكن للقضية الفلسطينية ان تسلك مسارها الصحيح، في ظل التقليل من الدور العربي، وهو دور يصعب تخطيه مهما كانت التحديات، وامام هذا الواقع، ليس امام “حركة حماس، وغيرها من القوى المتشددة، إلا ان تعلي من شأن الوحدة الوطنية الفلسطينية، والعمل على توحيد الضفة والقطاع، على اعتبار أن هدف اسرائيل الاستراتيجي الفصل بينهما.

فمنطق الاشياء يؤكد، ان فتح الافق السياسي امام الشعب الفلسطيني، يبدأ من الانفتاح على الدور العربي، الذي يعمل دون تبجح، على دعم القضايا العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية، وما على القوى الفلسطينية مجتمعة سوى الاقتناع بمسألتين: دعم الموقف العربي والثقة به، وأن اسرائيل تربك وتحاصر امام منطق السلام، وتنجو وتحرر في ميدان الحروب والقوة.

النزوح مستمر في غزة
النزوح مستمر في غزة
السابق
بالفيديو: عشرات الصواريخ من لبنان نحو الجليل الأعلى انتقاما لقتل «الأستاذ»
التالي
بالفيديو: حزب الله «يثأر» لشهيده محمد فران..واسرائيل تقصف عيترون ووادي حامول!