يا زمان «الصفا» في الإمارات.. لقاء «الزجاج» والرصاص؟! 

وسط الجمود السياسي الذي يسيطر على الوضع في لبنان “الغارق” بمشيئة “حزب الله”، في حرب مشاغلة للعدو مساندة لغزة كما يقول، جاءت زيارة وفيق صفا رئيس وحدة الإرتباط والتنسيق في “حزب الله” للإمارات العربية المتحدة – بطائرة خاصة ومواكبة أمنية إماراتية لافتة – لترمي حجراً كبيراً في المياه الراكدة وتكسر هذا الجمود، بما شكَّلته وحملته من مفاجآت عدة، للصديق قبل الخصم في كلا المعسكرين. 

المفاجأة الأولى، كانت في الزيارة بحد ذاتها نظراً لطبيعة العلاقة بين الطرفين منذ سنوات طويلة، ووقوفهما على طرفي نقيض من أحداث المنطقة، ككل تَنَاقُض “الزجاج ” والرصاص، إن جاز التعبير.

المفاجأة الثانية، هي في توقيتها في ظل الحرب القائمة في غزة، ومواقف كلا الجانبين منها، وهي مواقف متباعدة حد العداوة والإتهامات من قِبَل الحزب للإمارات – أقله في الإعلام التابع له – بالخيانة، بسبب الخط البري الذي أقامته لإمداد إسرائيل بالبضائع، تعويضاً لها ورداً على ضربات الحوثي للسفن التجارية، المفاجأة الثالثة هي شخصية الزائر وفيق صفا، بما يمثل من دور أمني في “حزب الله” الذي تعتبره الإمارات تنظيماً إرهابياً. 

ليس هناك في السياسة من عدو دائم أو صديق دائم هناك فقط مصالح دائمة

في الأسباب الموجبة لهذه الزيارة، كان السبب المعلن هو قضية المعتقلين اللبنانيين في سجون الإمارات منذ عدة سنوات، بدعوى القيام بأعمال مخلة بالأمن يقف وراءها “حزب الله”، الذي كان يخوض حرباً غير مباشرة مع كل من الإمارات والسعودية في اليمن، ومن منا ينسى خطابات السيد حسن نصر الله وتهديداته لدولة الإمارات، حد نعتها بأنها دولة من “زجاج”. هذا السبب بالتأكيد سبب وجيه، إلا أنه بإعتقادي لا يمثل سوى رأس جبل الجليد في هذه العلاقة المستجدة، التي تؤكد مقولة ونستون تشرشل، بأنه ليس هناك في السياسة من عدو دائم أو صديق دائم هناك فقط مصالح دائمة، مصالح هي التي تسوس وتنظم العلاقات السياسية بين البشر. 

مجرد تصدر “حزب الله” لمهمة كهذه، يُعتبَر بمثابة إعتراف منه بتبعية هؤلاء المعتقلين له تنظيمياً، وليس فقط طائفياً، بعد أن كان يعتبرهم مجرد مواطنين أبرياء

في هذا الإطار، قد يكون من السذاجة السياسية الإعتقاد بأن ملف المعتقلين – على أهميته – هو الدافع الوحيد لهذه الزيارة المثيرة للإهتمام والجدل، سيما وأن مجرد تصدر “حزب الله” لمهمة كهذه، يُعتبَر بمثابة إعتراف منه بتبعية هؤلاء المعتقلين له تنظيمياً، وليس فقط طائفياً، بعد أن كان يعتبرهم مجرد مواطنين أبرياء، معتقلين لأسباب سياسية، وهذا ثمن لا يمكن للحزب أن يدفعه من دون مقابل، فكيف إذا كان هذا الأمر يحدث بين دولة الإمارات، بما لها من وزن كرأس حربة لمشروع التطبيع والسلام مع إسرائيل في المنطقة، عبر تصدُّرها إبرام إتفاقيات أبراهام في أيلول من العام 2020، وبين “حزب الله” بما له أيضاً من وزن إقليمي، كرأس حربة لمشروع الممانعة والمقاومة في المنطقة، في مواجهة مشروع التطبيع والسلام مع إسرائيل، فضلاً عن دوره كقوة آمرة متحكمة ومقررة في لبنان، في مواجهة القوى الداخلية وتحركات الخماسية الدولية، التي تضم من الجانب العربي – في إستبعاد واضح للإمارات – كل من السعودية ومصر وقطر الخصم التقليدي واللدود للإمارات، وهو الأمر الذي قد يكون أزعج الإمارات، التي تسعى منذ سنوات للعب دور كبير في المنطقة، بحيث لا يخفى على أحد، بأنها كانت ولا تزال تمثِّل رأس حربة “الثورة المضادة” ضد قوى الربيع العربي، بدءاً بمصر مروراً بسوريا واليمن وليس إنتهاءاً بليبيا وتونس، كذلك دورها في كل من أثيوبيا والصومال وإريتريا وجيبوتي، فضلاً عن نفوذها الكبير في جنوب اليمن، وهو دور أثار حفيظة حليفتها السعودية، بحيث لم تعد العلاقات بين الطرفين بالحرارة التي كانت عليها، إبان الأزمة مع قطر في العام 2017. 

هذا الدور قد ترى الإمارات بأن هناك من يريد إبعاده عن لبنان، في حين قد تكون أرادت هي من خلال علاقتها مع النظام السوري وتعويمه عربياً، أن يكون ممراً لها إلى لبنان، وهو ما تدعمه التقارير التي تحدثت عن دور ما للنظام السوري، في محاولة ترتيب العلاقة بينها وبين “حزب الله”، فهل تسعى الإمارات مثلاً لدور في لبنان عن طريق توسيع اللجنة الخماسية لتضمها مع إيران، التي جرى الحديث سابقاً عن إمكانية ضمها لها فتصبح 5 + 2، وهذا دور قد يؤمنه لها “حزب الله”؟

 هذه واحدة من الإحتمالات، التي قد يرى فيها “حزب الله” لبنانياً خطوة لفرض توازن مع النفوذ السعودي من جهة، و”زكزكة” في مكان ما للدور القطري من جهة أخرى، في ظل الصعوبات التي يعانيها في علاقاته مع القوى السياسية اللبنانية، على خلفية تعطيله إنتخابات الرئاسة اللبنانية وحرب غزة، خصوصاً مع حليفه المسيحي السابق التيار الوطني الحر، وهنا نفتح قوسين لنشير إلى “إحتضان” الإمارات كذلك للرئيس سعد الحريري على أراضيها، وإن كان هذا الموضوع حتى الآن على الأقل، لا يعدو كونه نشاط تجارياً بعيداً عن السياسة. 

قد يرى “حزب الله” أيضاً – وهذا هو الأهم برأيي – في الدور الإماراتي، نافذة أو قناة لتبادل الرسائل مع الإسرائيليين والأميركيين

إقليمياً قد يرى “حزب الله” أيضاً – وهذا هو الأهم برأيي – في الدور الإماراتي، نافذة أو قناة لتبادل الرسائل مع الإسرائيليين والأميركيين، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة بعد “طوفان الأقصى” والحرب على غزة، وما يبدو عليه الأمر بأن دور “حزب الله” في هذه المعركة عبر المشاغلة، قد إنقلب إلى ما يشبه “تورط” وحرب إستنزاف للحزب، في ظل محاولات إيران منذ اليوم الأول للحرب للنأي بنفسها عنها، وهو ما بدا واضحاً في التسريب الإيراني، لمجريات الإجتماع الأخير لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، مع الأمين العام للحزب، بحيث وصل الأمر بالسيد نصر الله حد القول، بأن الحزب لن يورط إيران في الحرب، وأنه سيخوضها وحده إن لزم الأمر، وهذا تطور غير عادي في المنطقة، ولبنان وحتى في العلاقات بين الطرفين، وهنا تجدر الإشارة إلى التقارير الصحافية التي أشارت إلى تسريب لم يكن مرغوباً به، من طرف ما لخبر زيارة وفيق صفا للإمارات، وهذا إن صح قد يكون له معانٍ كثيرة، ما يطرح السؤال عن إمكانية وجود جناح في الحزب غير راضٍ عن الزيارة، وهو إحتمال وارد على عادة كل الأحزاب، وحتى الأنظمة الحديدية منها والعقائدية، التي تضم عدد من الأجنحة المتصارعة، وما حدث في إيران أيام فضيحة “إيران غيت” يؤكد ذلك، كذلك معاناة لبنان مع مراكز القوى وأجنحة النظام السوري، ما زالت ماثلة للأذهان. 

هذه النافذة الإماراتية، قد يكون “حزب الله” بحاجة ماسة إليها في هذه الظروف، التي قد ترسم حدود المنطقة لسنوات مقبلة، نظراً لما تتمتع به هذه الدولة، من علاقات وثيقة جداً مع الطرفين الأميركي والإسرائيلي، بحيث يبدو أن مشروعهما واحد، في المنطقة العربية والشرق الأوسط. 

أسئلة وإحتمالات كثيرة تطرحها هذه الزيارة، ولا يمكن لأحد بالطبع أن يجزم بصحتها من عدمه. يبقى أن نقول وبصراحة تامة، بأن مصالح اللبنانيين – الشيعة منهم بشكل خاص – وعقولهم، هم الضحية لكل هذه السياسات غير المفهومة، التي دفع اللبنانيون ثمناً باهظاً لها على مدى السنوات الماضية، من دون أن يفهموا – وإن كانوا يعرفون – لماذا كان هذا التهجم والعداء مع الدول الخليجية كافة، وغيرها من الدول العربية والأجنبية، الذي لم نجنِ منه سوى العزلة العربية والدولية، كما لا يفهمون اليوم سبب هذه العودة للإمارات، وكيف سيبرِّر “حزب الله” لبيئته أولاً وللبنانيين ثانياً، هذا التحول الكبير في المواقف، خاصة مع الدولة الأكثر حماسة للتطبيع والسلام مع إسرائيل، خصوصاً في ظروف المعركة، وفي ظل المجازر وسياسة التطهير العرقي، التي تمارسها إسرائيل حد إلغاء غزة من الخريطة تقريباً؟

 لا نقول هذا مزايدة لا على الحزب ولا على الإمارات، لكنها أسئلة منطقية وموضوعية، إنما تنبع من وجع وألم على سياسات أودت بالبلد إلى الهاوية، بحيث بتنا نتصدر قائمة الدول التعيسة في العالم، ونقبع في أسفل سلم الدول النامية، التي تتقدم وتنمو بسرعة قياسية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، فهل من جواب؟ 

السابق
بحجّة التنظيف.. سيّدة تدخل المنازل وتستبدل أموال بأخرى!
التالي
بالفيديو: مجزرة الجنوب تابع.. عداد الشهداء الى ارتفاع و«الحزب» يُقاتِل مُسيرة!