في مشهد يفوق الخيال على «شاشة العسكرية».. طفل يحبو «موقوفاً» ووالداه الروسيان يُحاكمان لتنفيذ مهمة «غريبة» في الضاحية!

المحكمة العسكرية

طفل يحبو، يلاعبه الموقوفون من وراء القضبان، ويداعبه المحامون كلما اقترب منهم، يبادلهم بإبتسامة طفولية بريئة، يقف على رجليه بمساعدة والدته ليدنو تارة من القوس وطورا يدور حول والده. ..مشهد غير مألوف في قاعة المحكمة العسكرية.

فالطفل الذي لم يبلغ بعد عامه الاول، خطف الانظار من والديه الروسيبن الموقوفبن بتهمة التجسس لصالح العدو الاسرائيلي في منطقة الضاحية الجنوبية، ف”مَثُل” معهما امام المحكمة، كما “سُجن” مع والدته منذ توقيفها ووالده، في تموز الماضي، اثناء مغادرتهما مطار رفيق الحريري الدولي بعد فشل”مهمتهما”الغريبة.

كان الطفل”يصول ويجول” في قاعة المحكمة ، غير عالِم بما يدور من حوله ، تحاول والدته المتهمة اللحاق به، تهدّئه كلما بكى عندما يغلبه النعاس، تناوله الرضاعة حين يشعر بالجوع..إنشغال الوالدة بطفلها لم يمنعها من التركيز على ما كان يدلي به زوجها امام المحكمة اثناء استجوابه، مصوّبة عيناها بإتجاهه حين كان يبرّئها من جرم التدخل بتهمته، ويداها تمسك بالطفل لمنعه من بعثرة الملفات العائدة للمحامين.

على هذه الحال بقي الطفل لاكثر من ساعة، مدة استجواب والديه غير مدرك لمصيرهما، وبالتالي مصيره قبل ان تنطق المحكمة مساءً برئاسة العميد الركن خليل جابر، بالحكم على يوري بالسجن مدة ثماني سنوات اشغالا شاقة مع تجريده من حقوقه المدنية، وإخراجه من البلاد بعد تنفيذ العقوبة، فيما اعلنت المحكمة براءة الزوجة ليليا، من جرم التدخل بالتجسس لصالح العدو الاسرائيلي.

كانت مهمة الروسي يوري في لبنان، الدخول الى احدى الشقق الواقعة في محلة الضاحية الجنوبية، والاستيلاء على كامل الاوراق بداخلها، الرجل لم يفلح بالمهمة،وإنْ كان قد نجح في فتح باب الشقة الخارجي لكنه لم يستطع الولوج اليها لوجود باب ثان فشل في نزع قفله.

وابلغ مشغله هاتفيا بذلك الذي طلب منه مغادرة المكان وإبقاء باب الشقة الخارجي مفتوحا. ورغم فشله فان يوري تقاضى مبلغ 5 آلاف دولار من مشغله، الذي قال عنه انه من جنوب افريقيا وكان يحدّثه باللغة الانكليزية.

يرفض الزوج توصيف ما قام به ب”المهمة” انما مجرد عمل امّنه له مشغّله بعدما بطلب عمل على “الشبكة السوداء”(دارك ويب)، نافيا ان “يكون مشغله يدعى”ريكو” او ان يكون ملمّا بالسياسة اللبنانية او بمعرفته بان المنطقة التي قصدها لها خصوصية امنية”.

باللغة الروسية ادلت الزوجة ليليا في البدء بأقوالها، التي تولى ترجمتها الى العربية المترجم المحلف طارق شومان، فأنكرت معظم ما ورد في افادتها السابقة حول معرفتها المسبقة وقبل اشهر بمهمة زوجها في لبنان قائلة انهما”حضرا الى لبنان للراحة”، ولم تر اي عدّة احضرها معه زوجها الى “بلد الراحة”، زاعمة ان قفل باب غرفتهما في الفندق اللذين مكثا فيه تعطل ، وان زوجها احضر “العدّة” لتصليحه.

يرفض الزوج توصيف ما قام به ب”المهمة” انما مجرد عمل امّنه له مشغّله بعدما بطلب عمل على “الشبكة السوداء”(دارك ويب)

وتروي انه في احدى الليالي السبع التي امضياها في الفندق، غادر زوجها المكان قرابة السابعة مساء وعاد بعد منتصف الليل، ولم تبدُ عليه اي علامات غريبة، “كان بحالة عادية”، تقول ليليا، التي زعمت انها لم تر زوجها يقوم بتصوير اي اماكن في لبنان.

طلب القاضي الحجار في مرافعته اعتبار عناصر جرم التعامل متوافرة بحق المتهم الروسي وإنْ لم يكن قد ذكر الجهة التي عمل لصالحها


لم يكن إنكار الزوجة هو الوحيد امام المحكمة، انما أنكرت ايضا ان يكون زوجها قد خضع لتدريبات في بلاده على فتح الاقفال” كان يتدرب من اجل العمل “.

وعندما سألها رئيس”العسكرية” العميد الركن خليل جابر، هل اخبرك ان المكتب او الشقة تعود لحزب الله، اجابت بحسب الترجمة:”ما هو حزب الله”، ليوضح لها رئيس المحكمة بانه”تنظيم” فردت قائلة:”انا لا اهتم بالسياسة ولا اعرف”.
“لا اعرف” ،جواب ألزوجة هذا إنسحب على معظم اجوبتها، لتكرر نفيها بعدم علمها المسبق بما قام به زوجها ، “هو اخبرني بعد ان نفّذ المهمة ولم يذكر امامي ان العملية هي لصالح الموساد الاسرائيلي”.

هزّت الزوجة رأسها بالنفي لدى سؤالها عما اذا كانت على علم ان مشغل زوجها طلب منه خلال زيارتهما الى لبنان في العام 2021 معلومات عن مصنع يقع على طريق المطار، كاشفة ان زوجها احضر معه اربع هواتف الى لبنان ولم يكن يستعمل منها سوى اثنين في روسيا.

إقرأ ايضاً: الحركة «شريك مضارب» للحزب..وكادر عسكري لـ«جنوبية»: لسنا أتباعاً وعقيدتنا مختلفة!

وباستجواب يوري نفى مروره بأي ضائقة مالية قبل سنوات ، كما انكر ان يكون قد عمل لصالح الشرطة الروسية في توقيف تجار المخدرات .وعندما سئل عن المدعو الكسندر اجاب:”اعرف الكثير من الالكسندرات، فعن اي الكسندر تسألون”.وعندما اوضح له رئيس المحكمة ان المقصود في السؤال هو الشخص الذي درّبه على فتح الاقفال، فأجاب حينها:”لا انفي اني تدربت على فتح الاقفال انما لهدفين ، الاول لل”بزنس” والثاني للحصول على عمل.واكد سفره الى عدة دول بإستثناء الامارات العربية المتحدة . اما من هو ريكو، فقال عنه:”لا اعرف، انا كنت اتواصل مع شخص كان يبحث لي عن عمل “، وهل ان هذا الشخص طلب منك فتح باب الشقة في الضاحية فأجاب المتهم :”اجل”.موضحا:”قالوا انها مكتب وليست شقة وانا استطلعت المكان قبل تنفيذ العمل “. اضاف المتهم انه بوصوله الى المكان شاهد جمهرة في الشارع ، وفهم ان هناك تظاهرة احتجاجا على حرق قرآن في اوروبا”.

“لا اعرف”جواب ألزوجة هذا إنسحب على معظم اجوبتها، لتكرر نفيها بعدم علمها المسبق بما قام به زوجها


و”يوم المهمة” في 23 تموز الماضي”توجهت من الحمرا حيث يقع الفندق بسيارة تاكسي ونزلت منها قبل وصولي الى محلة الكفاءات واكملت مشيا على الاقدام”، ويضيف انه بوصوله الى المكان المستهدف، واثناء محاولته فتح الباب خرج احد الجيران فهرب الى الطابق الاعلى، طلب منه مشغّله الذي رفض ان يُطلق عليه اسم ريكو لانه”ما في ريكو”، ان ينتظر قليلا ثم يعاود المهمة، وبالفعل وبعد مغادرة”الجار” قام المتهم بالتوجه مجددا الى الشقة ونجح في فتح الباب الاول لكنه لم يستطع فتح الباب الثاني.
سئل المتهم عن”هارد ديسك” في الشقة واذا ما استحصل عليه، فاكد بانه لم يستطع الدخول الى الشقة ، ثم قال”ليست شقة انما مكتب، وطُلب مني ان آخذ الاوراق الموجودة فيه، كل الاوراق”.
وهل شاهدت راية لحزب الله على المبنى الذي قصده فاجاب المتهم:”انا لم اعرف عن حزب الله الا بعد انتهاء التحقيق معي”.اضاف :”انا لا انفذ مهمات وانما عمل”.
استوقف جواب المتهم رئيس المحكمة ليسأله ما هو هذا العمل بإقتحام شقة فأجاب:”لم يكن باعتقادي ان الامر له علاقة بالسياسة ، وفهمت ان الاوراق المطلوبة مني لها علاقة باعمال تجارية ، وانا اعرف انه عمل غير قانوني”. وبسؤاله:”هل انت غير ملمّ الى هذا الحد بالسياسة” فقال:”في الزيارة الاولى امضيت وزوجتي معظم الاوقات على شاطىء البحر وفي المرة الثانية لم اهتم لما يحصل في البلد كونه كان لدي صعوبة في اللغة”.
وفي رده على سؤال لممثل النيابة العامة القاضي هاني حلمي الحجار، عن طبيعة الاعلان الذي وضعه على “الشبكة السوداء” قال المتهم انه يتعلق بالبحث عن عمل ، وان هذا العمل بمفهومه هو “عمل رمادي” وليس عملا غير قانوني.
كان المتهم يتواصل مع الذين يعمل معهم عبر تطبيق “تلغرام”، موضحا انه سبق ان اوقف في بلاده ثلاث سنوات وستة اشهر بجرم السرقة.اما عن سبب اقتنائه اربعة هواتف فقال ان الاول هو للتصوير اثناء السياحة والثاني للعمل والثالث قديم الصنع امام الرابع فهو عبارة عن”جزدان مصاري”.
وبسؤاله اكد انه اعلم زوجته بالمهمة بعد ان انتهت. اما لماذا استخدم قبعة ونظارات وقفازات اثناء المهمة ثم رماها لاحقا في مكب للنفايات، فاجاب المتهم انه رمى القبعة لانها “لم تعجبني” وان النظارات لم تكن للنظر، وعندما دخل الى المكتب بعد فتحه الباب الاول شعر بالارتباك فارتدى القبعة “كي لا تكشف هويتي”.ومن الكاميرا في المطار، قال المتهم انهم تعرفوا عليه عندما اوقف وزوجته.
عن المهمات التي نفذها لفتح اقفال في بلدان اخرى قال المتهم”رحت عا بلد مش حابب قول اسمو”، وتحفظ على تسميته، وعندما اعتبر القاضي الحجار ان جواب المتهم هو دليل ضده عدل المتهم عن رأيه، وقال ان البلد هو كرواتيا وان الشخص الذي كلفه بالمهمة في لبنان هو نفسه الذي كلفه بالمهمة في كرواتيا، وقد تقاضى مقابل ذلك 4500 دولار. وافاد ان زوجته لم ترافقه في هذه المهمة التي نفذها خلال العام 2023 لان ابنهما كان بعد لم يتجاوز الثلاثة اشهر.
عملية كرواتيا “نجحت” على عكس عملية لبنان، وتقضي بتصوير رقم هاتف فندق وارساله عبر الفايسبوك الى مشغله، وعندما استوضحه الحجار عما اذا طلب منه مشغله فتح قفل باب ما، اجاب المتهم:انا صورت رقم الفندق كإثبات اني موجود فيه، وعندما ابدى القاضي استغرابه لتقاضيه 4500 مقابل ذلك اجاب :”اخذت من الفندق كمبيوتر”.هذا يعني انك سرقت”، سئل المتهم، فأجاب:”نعم”.واردف:”لم انفذ اي مهمة لغاية امنية انما لتنافس تجاري والاستيلاء على اغراض لصالح الجهة المنافسة، قال المتهم ذلك اوليا واجاب امام المحكمة على ذلك:”ليس بالتأكيد انما احتمال فكّرت به”.
الادعاء على المتهم كان شمل ايضا تهمة محاولة احراقه الشقة، لكن قاضي التحقيق منع عنه المحاكمة لهذه الجهة لعدم توافر الدليل، قال المتهم عن هذا الامر انه لم يكن يعرف به ولم يعلم بهذا الموضوع سابقا ، وان مشغله قال له:”خود كل الاوراق الموجودة بالشقة ولن تفهم بها لانك لا تعرف ان تقرأها”.
سأله القاضي الحجار:”هل تريد ان تتعامل معك المحكمة كشخص حاول الدخول الى الشقة وليس كعميل لصالح الموساد”، اجاب:”انا لا اعرف ما اقوله انما ما طلبوه مني كان يجب ان انفذه”.
وهل انت ملّم بالقوانين اللبنانية التي تعاقب على الكسر والخلع ويمكن ان تكون عقوبة هذا الفعل اشد من التعامل، اجاب المتهم:”لا اعلم بالقانون اللبناني”.واستطرد:”انا لم ادخل الى الشقة”.

كانت مهمة الروسي يوري في لبنان الدخول الى احدى الشقق الواقعة في محلة الضاحية الجنوبية والاستيلاء على كامل الاوراق بداخلها الرجل لم يفلح بالمهمة


استوقف رئيس المحكمة المناطق التي قصدها المتهم خلال فترة زياراته الثلاث للبنان والتي تقع بمعظمها ضمن نطاق الضاحية الجنوبية اي “في محيط المقاومة” وسأله عن السبب ، فأجاب:”ان الحديث عن ارقام هواتف متنوعة غير صحيح وانا تواجدت في منطقة الحمرا حيث يقع الفندق، ولا اعرف ان للمنطقة خصوصية امنية”.

“لا ابعاد امنية لعملي” كرر المتهم ذلك، لكن مكوثه في فندق في الحمرا وقيامه بمهمة في الضاحية وشراءه “العدّة” من المنصورية، أليس ذلك للتمويه، سئل المتهم، فقال انه كان بحاجة الى “خّر بّر” ولم يعثر عليه الا في المنصورية.
وبعد ان طلب القاضي الحجار في مرافعته اعتبار عناصر جرم التعامل متوافرة بحق المتهم ، رأى انه يمكن تكوين قناعة لدى المحكمة ان المتهم يعمل لصالح العدو وإنْ لم يكن قد ذكر الجهة التي عمل لصالحها، واعتبار عناصر جرم السرقة متوافرة .كما طلب اعتبار زوجة المتهم شريكة في المهمة التي من اجلها حضرا الى لبنان .

وكيل المتهم اعتبر بانه لم يثبت تعامل موكله مع العدو ما يولّد الشك لدى المحكمة طالبا اعلان براءته والا منحه الاسباب التخفيفية بالاكتفاء بمدة توقيفه

اما وكيل المتهم فاعتبر بانه لم يثبت تعامل موكله مع العدو ما يولّد الشك لدى المحكمة طالبا اعلان براءته والا منحه الاسباب التخفيفية بالاكتفاء بمدة توقيفه، فيما طلب وكيل المتهمة ليليا ابطال التحقيقات الاولية كون موكلته لم تفهم ما كُتب في محاضر تلك التحقيقات فضلا عن انها وقّعت على افادتها بحضور مترجم لم يحلف اليمين القانونية .
وبسؤال المتهم عن كلامه الاخير، قال:”ما تعاقبوني انا لم اذهب الى اسرائيل ولم أكلّف باي مهمة امنية وزوجتي لم تكن تعلم بالعملية قبل تنفيذها”.

اما زوجته فطلبت العودة الى بلدها مع ابنها “فانا لست مذنبة ولم اخالف القانون”.

وسألها رئيس المحكمة ممازحا:”وهل تريدين إبقاء زوجك هنا اجابت:”كل الاحترام لكم اذا تركتم زوجي”.

احد شوارع الضاحية الجنوبية
السابق
الحركة «شريك مضارب» للحزب..وكادر عسكري لـ«جنوبية»: لسنا أتباعاً وعقيدتنا مختلفة!
التالي
العلاقات السعودية-الايرانية تتقدم..رسالة من الملك وولي عهده الى رئيسي!