لبنان ولقمان..«شريكان» عصيان على الموت!

لقمان سليم

ثَلَاثُ سِنِينَ؛ مَنْ عَدَّهَا بِعُمْرِ الزَّمَانِ فَلَحْظَةٌ، أَوِ اثْنَتَانِ عَلَى سَبِيلِ إِبْرَاءِ الذِّمَّةِ. وَمَنْ عَدَّهَا بِعَدَّادِ الأَيَّامِ فَأَلْفٌ وَمِئَةٌ إِلَّا خَمْسَةٌ بِعَدِيدِ حُرُوفِ اسْمَيْهِمَا؛ لُبْنَانَ وَلُقْمَانَ! مُسْتَثْنَيَانِ مِنْ ثُلَّةِ مَا يُسْتَثْنَى مِنَ الأَوْطَانِ، وَمَنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الآخِرِينَ الذِينَ لَهُمُ الكَثِيرَ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ!

عَلَى ذِمَّةِ الغَرَابَةِ، غَرَابَةِ المَعْنَى، ثَمَّ مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنِ اشْتِرَاكِهِمَا، لُبْنَانَ وَلُقْمَانَ، فِي وَزْنِ اسْمَيْهِمَا وَفِي زِنَتَيْهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ. إِشْتِرَاكَاتٌ تُكْرِهُ مَنْ يَقْفُو صُوَرَهَا عَلَى التَّفْكِيرِ مَلِيًّا قَبْلَ الإِجَابَةِ عَنْ سُؤَالٍ يُلْقَى فِي نَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ؛ «أَيُّهُمَا لُقْمَانُ وَأَيُّهُمَا لُبْنَانُ؟». لَيْسَ هَيِّنًا عَلَى أَحَدِنَا أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَهُ لِلْآخَرِ حَتَّى صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ! لَمْ يَعُدْ غَرِيبًا، فِي هَذَا الشَّرْقِ البَائِسِ، أَلَّا يَرْضَى الوَطَنُ مِنْ عَاشِقِيهِ إِلَّا دَمَهُمْ. إِنَّمَا الغَرِيبُ، الذِي لَنْ يَكُونَ أَنَّى كَانَ إِلَّا غَرِيبًا، هُوَ العَاشِقُ الذِي يَهَبُ دَمَهُ! مَرَّةً أُخْرَى، لَمْ يَعُدْ غَرِيبًا عَلَى هَذَا الشَّرْقِ أْنَّ عَاشِقِي الأَوْطَانِ غُرَبَاءٌ فِي أَوْطَانِهِمْ. لَا شَيْءَ يَعْدِلُ غُرْبَةَ لُقْمَانَ فِي لُبْنَانَ إِلَّا غُرْبَةُ لُبْنَانَ فِي لُبْنَانَ!

لَيْسَ هَيِّنًا عَلَى أَحَدِنَا أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ اثْنَيْنِ (لبنان ولقمان) وَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَهُ لِلْآخَرِ حَتَّى صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا الآخَرَ!

شَرِيكَانِ هُمَا؛ لُبْنَانُ ولُقْمَانُ! شَرِيكَانِ فِي فَرَادَتِهِمَا التِي لَا تُشْبِهُ إِلَّاهُمَا؛ فِي جَمَالِ بَسَاطَتِهِمَا وَجَلَالِ عُمْقِهِمَا؛ فِي لُبْنَانِيَّتِهِمَا وَلُقْمَانِيَّتِهِمَا؛ فِي شِرْكَتِهِمَا مِنَ الأَلَمِ ونَصِيبِهِمَا مِنَ التَّعَالِي فَوْقَ الأَلَمِ نَفْسِهِ؛ فِي حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ القَتْلِ وَفِي عِدْلِهَا مِنَ الخُلُودِ. شَرِيكَانِ هُمَا فِي عِصْيَانِهِمَا عَلَى المَوْتِ! وَلَيْسَ ثَمَّةَ، بَيْنَ مَوَاضِعِ وِحْدَةِ وُجُودِهِمَا، مَا هُوَ أَشَدُّ فِي حَتْمِيَّتِهِ مِنْ إِحْقَاقِ العَدْلِ؛ عَدْلِهِمَا! فِي الأَرْضِ كَمَا فِي السَّمَاءِ؛ فِي هَذِهِ الأَرْضِ التِي لَمْ تُكْرَهْ بَعْدُ عَلَى أَنْ تَمِيدَ بِالقَاتِلِ الذِي لَا يَعْرِفُ إِلَّا القَتْلَ؛ فِي هَذِهِ السَّمَاءِ التِي لَمْ تُعَلَّمْ بَعْدُ كَيْفَ تُطْبِقُ بِكُلِّ أَجْرَامِهَا عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ بِكُلِّ إِجْرَامِهَا؛ وَفِي تِلْكَ السَّمَاءِ القَائِمَةِ بِالحَقِّ والعَدْلِ، يَا لُقْمَانُ، سَتَقُومُ عَدَالَتُكَ لَا مِرَاءَ. عَدَالَتُكَ التِي هِيَ عَدَالَتُنَا؛ نَحْنُ الذِينَ لَنْ نَمَلَّ مِنْ إِكرَاهِ الأَرْضِ عَلَى أَنْ تَمِيدَ بالطَّاغِيَةِ والطُّغْيَانِ، كُلِّ الطُّغْيَانِ، وَعَلَى أَنْ تَرْتَوِي مِنْ دِمَاءِ أَبْنَائِهَا الشُّهَدَاءِ.

إقرأ أيضاً: «القصاص» الأميركي يتمدد من العراق الى اليمن..و«بهلوانيات» حكومية لـ«شرعنة» نهب الودائع!

وَلَنْ نَسْأَمَ مِنْ تَعْلِيمِ السَّمَاءِ كَيْفَ تُعَانِقُ الأَرْضَ مِنْ فَرْطِ الغَضَبِ؛ غَضَبِنَا، وكَيْفَ تَفْتَحُ عَيْنَيْهَا اللَّتَيْنِ أَغْلَقَتْهُمَا ذَاتَ أُفُقٍ مُكْفَهِرٍّ. وَلَنْ نَكُفَّ عَنْ طُغَاةِ الأَرْضِ وَطُغَاةِ السَّمَاءِ حَتَّى نُذِيقَهُمْ، وَطُغْيَانَهُمْ، بَعْضًا مِنْ تَمَرُّدِنَا وَثَوْرَتَنَا. إِذَّاكَ، يَا لُقْمَانُ، نَكُونُ أَهْلًا لِأَنْ تَسْقُطَ السَّمَوَاتُ وَتَنْشَقَّ الأَرْضُ مِنْ أَجْلِ عَدَالَتِنَا.

يَكْتُبُ لُقْمَانُ عَلَى غَيْمَةٍ بَيْضَاءَ مُسَافِرَةٍ إِلَيْنَا أَنْ «عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ لِئَلَّا يَمُرَّ مَا كَانَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَوْ كَأَنَّهُ لَا مَسْؤُولِيَّةَ عَنْهُ»

ثَلَاثُ سِنِينَ؛ مَنْ عَدَّهَا بِعَدَّادِ الجَرِيمَةِ فَجَرَائِمُ لَا قِبَلَ لِأَحَدٍ بِعَدِّهَا. ثَمَّةَ مَنْ يَقْرَأُ فِي الكِتَابِ: وَإِنْ تَعُدُّوا جَرَائِمَ القَاتِلِ لَا تُحْصُوهَا! جَرَائِمُ وَجُرْحٌ وَاحِدٌ يَنْزِفُ مِنْ أَوَّلِ جَسَدٍ جُرِحَ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ. دَمٌ وَاحِدٌ لَا يَنِي يُذَكِّرُ العَالَمَ، كُلَّمَا أُنْسِيَ، أَنَّ الطَّاغِيَةَ سَقَطَ مُذْ طَغَى؛ وَأَنَّ السَّيْفَ أَبَدًا يُهْزَمُ كُلَّمَا نَازَلَ فِكْرَةً وَنَازَلَتْهُ؛ وَأَنَّ كَاتِمَ الصَّوْتِ لَا يَكْتُمُ مِنَ الحَقِّ شَيْئًا؛ وَأَنَّ القَتَلَةَ سِيمَاهُمْ فِي أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ أَثَرِ الحِقْدِ؛ وَأَنَّ الصَّمْتَ عَيْنُ الجَرِيمَةِ؛ وَأَنَّ السُّؤَالَ أَوَّلُ العَدْلِ.

ذكرى اغتيال لقمان سليم 3
إحياء ذكرى اغتيال لقمان سليم الثالثة امس

عَوْدًا عَلَى لُبْنَانَ وَلُقْمَانَ والخُلُودِ الذِي اقْتَسَمَاهُ كَحَبِيبَيْنِ يَقْتَسِمَانِ قَطْرَةَ الحَيَاةِ التِي لَا مَوْتَ بَعْدَهَا؛ هُنَاكَ، فِي مَكَانٍ مَا بَيْنَ تِلْكَ السَّمَاءِ وَهَذِهِ الأَرْضِ، لَحْظَةَ رَأَى لُقْمَانُ «فِي الأُفُقِ المُكْفَهِرِّ: السَّمَاءُ تُغْمِضُ عَيْنَيْهَا»؛ آنَذَاكَ، سَاعَةَ لَمْ يَتْرُكِ السَّمَاءَ تُغْمِضُ عَيْنَيْهَا وَحْدَهَا، فَأَغْمَضَ عَيْنًا وَأَبْقَى أُخْتَهَا تُحَدِّقُ فِينَا مِنَ المَا وَرَاءِ البَعِيدِ القَرِيبِ؛ يَكْتُبُ لُقْمَانُ عَلَى غَيْمَةٍ بَيْضَاءَ مُسَافِرَةٍ إِلَيْنَا أَنْ «عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ لِئَلَّا يَمُرَّ مَا كَانَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، أَوْ كَأَنَّهُ لَا مَسْؤُولِيَّةَ عَنْهُ»، وَأَنْ كُلُّكُمْ عَائِدٌ إِلَى التُّرَابِ فَاجْعَلُوا لَكُمْ مَكَانًا فِي الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى، وَيُوَقِّعُ رِسَالَتَهُ بِبَسْمَةٍ تَهْزَأُ بِكَاتِمِ الصَّوْتِ وَ«خَفَافِيشِهِ».

السابق
«حزب الله» ينعى شهيدين جديدين على «طريق القدس»!
التالي
بالصور: إنفجار غامض لصهريج غاز في مقنة يقتل مواطناً ويجرح امه وحالتها خطيرة!