عندما يتعرض «وجه» لبنان لأبشع عملية تشويه.. بمبضع «حزب الله»!

علي الامين
ماذا تبقى من وجه لبنان الحضاري والثقافي والتعددي، حاضن القضية الفلسطينية والمقاومة اللبنانية، بعد إمعان "حزب الله" في تشويهه وتغيير معالمه؟! سؤال يقض مضاجع اللبنانيين، وهم يشهدون على ضياع كيانهم ودولتهم، وسلخهم عن محيطهم العربي لمصلحة الفارسي، الذي تتمادى ذراعه الأساس في لبنان، ببذر الشقاق والتفرقة بين أبنائه، ومناصبتهم العداء، بدل التوحد ضد عدوهم الحقيقي.

تظهر مآلات الاحوال اللبنانية اليوم، ان الدولة بكل ما تمثله، عرضة للانتهاك المتمادي، في تفريغ المؤسسات الدستورية وتطويع القضاء، وفي ادارة الظهر، لكل ما يتصل بحقوق المودعين المسلوبة في المصارف، وفي مصادرة السيادة بما هي سيادة القانون، وفي دفع اللبنانيين الى الهروب من لبنان، من خلال الاصرار على الاستهانة بحقوق المواطن وكرامته عبر إفقاره، الى تقويض اي محاولة للاصلاح، وفتح الابواب على الاستثمار الطائفي والمذهبي لحماية منظومة السلطة، التي لا تتقن الا حرفة المحاصصة والنهب، باستعادة خطاب الحرب والفرز الفئوي، والعصبيات المدمرة للدولة.

ازاء كل هذا المشهد المعلوم والملموس، بل القاتل، لما يمثله لبنان مجتمعا ومؤسسات وفضاء للتفاعل الحر، وقد كان منارة مشعة على محيطها في الثقافة والمعرفة والفنون، ومرتعا للحرية التي مهما قيل فيها من نقد وانتقاد، انتجت هوية لبنانية  كان الانفتاح والتفاعل مصدر قوتها، في اعلاء دور لبنان الحضاري، وفي دعم قضايا الشعوب وفي مقدمها القضية الفلسطينية، التي كانت بيروت وكان لبنان عموما، نافذتها على العالم العربي والغربي، ولا يمكن اختصار النضال الفلسطيني في لبنان  بسقوط احزابه في امتحان الحروب الداخلية، وفي دق الاسافين في الدولة، التي كانت ملاذا لفلسطين حين عزّ الملاذ العربي.

ثمة وجه آخر فلسطيني صميم، اغنى الهوية اللبنانية واغتنى بها، في الاقتصاد والثقافة وفي الصحافة والاعلام والسياسةوالاجتماع، وساهم في نهضة لبنان، فالشراكة اللبنانية الفلسطينية تبدّت من مطار بيروت، الى بنك انترا و كازينو لبنان، الى عدد من المصارف التي اسسها فلسطينيون، الى الجامعة اللبنانية والجامعة الاميركية وغيرها، الى اليد العاملة في قطاعات شتى منذ اللجوء الفلسطيني عام ١٩٤٨، الى عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حتى بداية الحرب عام ١٩٧٥.

غزة لبنان

نهضة لبنان ارتبطت بمحيطه العربي، وبكفاءة المعادلة السياسية، التي نجحت في توفير شروط قيام نموذج، لدولة تميّزت في محيطها، وامتلكت شروط جذب الهاربين من انظمة التخلف والقمع، من اقتصاديين ورجال فكر وثقافة وفنون وصحافة، ما جعل من بيروت منبرا يتطلع اليه كل عربي.

لبنان انجز مقاومة وطنية فاعلة ضد الاحتلال، لان مساحة الحرية فيه لم يصادرها ديكتاتور او مستبد

الحرية النسبية، التي وفرتها طبيعة الوظيفة اللبنانية السياسية والاقتصادية من جهة، والتنوع الطائفي وتوازناته في النظام السياسي من جهة ثانية، اتاح للبنان ان يكون مؤثرا في محيطه العربي، “لوثة” الحرية كانت عنصر قوة مؤثر في المجتمعات العربية، والأهم ان لبنان انجز مقاومة وطنية فاعلة ضد الاحتلال، لان مساحة الحرية فيه لم يصادرها ديكتاتور او مستبد، ولأن الانتماء للبنان كان في الوعي العميق، عنصر قوة واعتداد، وهو ما يفسر كيف ان المقاومة اللبنانية، بمختلف اوجهها نجحت في دحر الاحتلال بين عامي ١٩٨٢ و١٩٨٥، عن ٨٠ بالمئة من الاراضي التي احتلها عام ١٩٨٢، فيما عجزت الدول المحيطة باسرائيل ان تحقق مثل هذا الانجاز، من سوريا الى مصر والاردن، لا لشيء، الا لأن لبنان كان ميدانا حيويا محكوما، بالحرية والتنوع والانتماء لهذه الارض وفضائها الخلاق.

وجود الكنيسة المارونية والمسيحيين على وجه العموم، كان وما زال الأكثر ارتباطا وجوديا بالكيان اللبناني

لبنان الذي تأسس كدولة في العام ١٩٢٠، بتردد من النخب المسلمة وحماسة النخب المسيحية، ما لبث هذا التأسيس ان بدأ يترسخ ويجتذب اليه النخب على اختلافها، هذا الوطن اللبناني تحول مع الوقت، الى حقيقة يفتخر حتى اولئك الذين يمعنون هدما في اركان دولته، وهذا “اللبنان” الذي يعود للبطريرك الياس الحويك، فضل الدفع نحو قيامه كدولة، جعل من بكركي الأكثر اندماجا، بل مكونا عضويا لهذا الكيان، ليس انتقاصا من مساهمات المسلمين، في بناء الكيان وترسيخه في فضاء من حريات، لم يعهدها كل ابنائه في زمن السلطنة العثمانية، بل لأن وجود الكنيسة المارونية والمسيحيين على وجه العموم، كان وما زال الأكثر ارتباطا وجوديا بالكيان اللبناني، بخلاف الآخرين الذين يبقى ما يدغدغ مشاعرهم وتطلعاتهم المشروعة وغير المشروعة، بالانتماء الى مكونات اوسع من الوطن، بما هو طائفي او مذهبي او قومي، على رغم ان لبنان ونهائية الكيان، هي خارج اي جدل فعلي، بل بات لبنان حقيقة في وجدان شعبه.. كل الشعب.

بكركي
بكركي

ثمة حاجة الى فهم لبنان ومصدر التميّز والقوة فيه، اذا لم يكن خلف السلاح من يحمي النموذج اللبناني بتنوعه حاميا لدولته

لم يظهر “حزب الله” في كل ما سلكه في الثقافة والفكر وفي السياسة، انه يتواءم مع النموذج اللبناني، بمعناه الايجابي والتفاعلي، ليس الشكلي بل العميق، اذ لا يكفي العداء لاسرائيل وشهر السلاح في وجهها، ليصبح هو المحدد والمقرر والناظم، والمعيار الذي يقاس به، ثمة حاجة الى فهم لبنان ومصدر التميّز والقوة فيه، اذا لم يكن خلف السلاح، من يحمي النموذج اللبناني بتنوعه حاميا لدولته، بما هي تعبير صادق عن ارادة الشعب وتطلعه، مدركا ان تميزه اذا وجد، فان شرطه وسببه لبنانية لا يمكنه تفاديها، وان انكساره او فشله، هو ايضا يكون نتاج لبنانية، رذلها او ادار الظهر لها.

الراعي وفد حزب الله
الراعي مع وفد من حزب الله

الدولة هنا تحضر، اذ ان اللبنانيين يكتشفون اليوم وفي الأيام المقبلة اكثر، كم ان تهميش الدولة وتهشيمها، لا يعوضه تفوق طائفي ولا فئوي، ولا استقواء خارجي، ولا سلاح فتاك او صواريخ او براعة عسكرية، وان سيادة الدستور، وحماية التنوع وتفاعله في اطار القانون، قوة في وجه المحتل، وتراجع النهب والفساد وتقديس المال العام تحد للعدو، واحترام الانسان وحريته كمواطن، وحقه في انتاج سلطة تمثله، يرهب العدو، وقوة لبنان في ما يتحد اللبنانيون عليه، ولو كان ناقصا، والبناء على الوحدة افضل وارقى واغنى واستر، من العزف المنفرد، ولو على ايقاع سمفونية اقليمية او دولية، وادعاء تمثيل الله وكامل الحق والحقيقة.

السابق
بعدما دعا الطلاب لأخد «حرامات النوم» الى المدارس.. اليكم ما اعلن عنه وزير التربية اليوم!
التالي
الجبهة مشتعلة.. و«عين» الجنوب على إتفاق غزة!