«رهاب» المرأة الحرة «يجلد» رؤيا حشمتي!

حقوق المرأة

شكّلت الحداثة و مابعدها، مرحلة مفصلية في تاريخ المجتمعات البشرية، بحيث حملت معها تحولات مهمة انسحبت على المستويات كافة، الاجتماعي و الاقتصادي والتربوي و السياسي… وعبرت بها إلى التقدّم والازدهار والانفتاح، وأوصلتها إلى الرفاهية واحترام حقوق الانسان. ويشكّل ما يشهده العالم اليوم من انجازات علمية وغيرها، دليلاً دامغاً على السعي الحثيث والدؤوب إلى التجديد. لكن في مكان آخر، بيّن واقع الكثير من المجتمعات التقليدية، و سيّما الذكورية منها النقيض، بحيث عكس عجز هذه المرحلة الحاسمة عن اختراق أنظمتها، وتغييرها بما يتماشى مع كل ما هو حديث. لقد ارتأت هذه المجتمعات التمسّك بالرجعية ، والتخلّف فوقفت بقوة وصلابة وحزم في وجه الحداثة، محاولة بذلك إعادة إنتاج ما يسمّى “بالعفن” الاجتماعي و الثقافي.
وتدفعنا مقاربة أعمق لهذه المجتمعات إلى القول، بأن نهجها يشكل أوالية دفاعية اتبعته، بغية حماية هويتها التقليدية وصون نرجسية ايديولوجيتها الفاشية. ومما لا شكّ فيه، أن الدافع من وراء هذه المقاومة ضد الحداثة، يتمثل في وجود “سيستام” أو نظام، يرى مصلحته في الإبقاء على التخلّف كحصانة له، و لاستمراريته، و تماسكه. لذلك، فهو يحارب الحداثة من خلال ما هو متاح له من وسائل، و خصوصاً باسم الدين.

يعود السبب في ذلك إلى معاناته من رهاب المرأة الحرة أي تلك التي تأبى الخضوع و الخنوع


وشكّل السعي إلى قمع المرأة و النَيل من حريتها، محدّداً أساسياً في هذا “السيستام”، ويعكس مقاومة نظامه الدين- سياسي الذكوري للحداثة. ويعود السبب في ذلك إلى معاناته من رهاب المرأة الحرة، أي تلك التي تأبى الخضوع و الخنوع. و يظهر هذا الرهاب من خلال ما ينتهجه باسم الدين، من اضطهاد وقمع عبر سلوكيات مَرضية عدوانية، كالجلد و السجن و التشويه، بالإضافة إلى ملاحقة المرأة في الشارع، و في العمل و أينما وجدت. وهنا لا بدّ من التذكير بما تعانيه النساء السودانيات من اغتصاب وانتهاك لأجسادهنّ في السجون، وغيرهنّ في أماكن أخرى، تستهدف المجتمعات الذكورية من خلال أنظمتها البوليسية الفاشية حرية المرأة الخاصة و العامة، وتعمل على ترهيبها.

تتبدى الخطورة الأكبر في تطويع الكثير من النساء في هذه المجتمعات من خلال دفعهنّ إلى التواطؤ ضدّ أنفسهنّ والتماهي مع ذكورية النظام و قوته


وتتبدى الخطورة الأكبر في تطويع الكثير من النساء في هذه المجتمعات، و تجنيدهنّ نفسياً وأمنياً، و استخدامهنّ في قمع من تتمسّك بحريتها، من خلال دفعهنّ إلى التواطؤ ضدّ أنفسهنّ، والتماهي مع ذكورية النظام و قوته.
وإذا ما قاربنا أكثر السلوك العدوانيّ الذي ينتهجه نظام ما تجاه شعبه بشكل عام، لوجدنا أنه فاقد الثقة في نفسه و في قوته، و عاجز أيضاً عن كسب احترام مواطنيه كافه. لذلك نراه يخاف الديمقراطية و الحوار، لأنهما يظهران هشاشته، و “بشاعة” إيديولوجيته.
ويشكلّ النظام الإيراني نموذجاً مثالياً عن الظلم الذكوري، الذي ما زال يمعن في قمع حرية المرأة محتجاًّ بما يسمّيه المحافظة عليها وعلى عفّتها. وكأنه “يسوّق” المرأة التي تتخلّى عن حجابها، على أنها مصدر الانحلال الأخلاقيّ و الفسق و الفجور. ولا يأتي جلد رؤيا حشمتي بأربعة و سبعين جلدة، لأنها لم تلتزم بالحجاب، إلا دليلاً على رهاب هذا النظام من المرأة الحرة. و يجب عدم إغفال مسألة هامة في هذا السياق، و تتمثل في أن الجلد يرتبط بسلخ الجِلد، وهو سعي لاواعٍ و عدوانيّ، إلى تغيير الفرد من خلال نزع جلده عنه و إلباسه آخر!…
و يقودنا التحليل السيكولوجي إلى القول بوجود قوتين في هذه الواقعة المؤلمة، تتمثل الأولى بالسوط، أي أداة الجلد، و هو رمز ذكوري و “قضيبي” يمثل إخضاع المرأة و إنزال العقاب بها. و تتمثل القوة الثانية في شعر المرأة، و هو رمز أنثوي يجسّد حريتها . و في هذه الحال، يمكن الحديث عن صراع وجوديّ بين اتجاهين يسعى يسعى كلّ منهما إلى البقاء!… و لا يخفى أن كل هذا، يشير إلى المعاناة من رهاب المرأة. و يعكس خوفاً حاداً و هلعاً و قلقاً من حريتها واستقلالها و تقدّمها . لكنه يشكل بالمقابل، قمع المرأة دليلاً واضحاً على رفضها أن تكون خاضعة و مطواعة، و أداة متعة أو لعبة جنسية .

انتهاك حياة المرأة وحريتها يشكّل هدفاً للمجتمع الذكوري الذي يزاوج بين الدين والسياسة


وبالعودة إلى الإضرار بالعفة، فإنه يشكل بحد ذاته إحدى سمات النظام الذكوري، الذي يرفض وجودها لديه، فيسعى إلى اسقاطها على المرأة.
خلاصة، إن انتهاك حياة المرأة وحريتها، يشكّل هدفاً للمجتمع الذكوري، الذي يزاوج بين الدين والسياسة ، و يحيط نظامه بهالة قدسية، ليبرر لنفسه استخدام اسوأ أساليب القمع المتاحة لديه.
فإذا كان تماسك النظام لا يقوم إلا بالثأر للعفّة…فيا لثأرات العفّة؟!.

السابق
للمرة الاولى منذ بدء العدوان.. وائل الدحدوح يُغادر غزة!
التالي
اسرائيل تُوسّع حزامها الناري جنوباً..و«لعب» ايراني على حافة الهاوية مع واشنطن!