رسائل الى السفيرة الأميركية الجديدة في لبنان (3): لسنا أولويتكم!

السفير هشام حمدان

سعادة السّفيرة

فاتورة إعادة الإعمار في لبنان: عاش اللّبنانيّون في بحبوحة خلال ستينيّات القرن الماضي. كان الدّخل القوميّ في لبنان، أعلى منه في كوريا الجنوبيّة. لم نكن نفكّر بالحرب. ولم تكن الإيديولوجيّات، بما في ذلك الإيديولوجيا الشّيوعيّة، أو الدّينيّة، تستهوي اللّبنانيّين. لبنان خاض حربا وحيدة ضدّ إسرائيل وذلك عام 1948، وبناء لقرار جامعة الدّول العربيّة.

تحوّل الإتّفاق بالتّالي، إلى قاعدة ملزمة في العلاقات بين الجانبين، بحيث يتعرّض أيّ منهما لإجراءات زجريّة (عقوبات) من مجلس الأمن، في حال مخالفته له

وقّع لبنان والدّول العربيّة الأخرى، اتّفاق هدنة مع إسرائيل، عام 1949. أقرّ مجلس الأمن هذا الإتّفاق وفقا للمادّة 40 من الفصل السّابع من ميثاق الأمم المتّحدة. وقد تحوّل الإتّفاق بالتّالي، إلى قاعدة ملزمة في العلاقات بين الجانبين، بحيث يتعرّض أيّ منهما لإجراءات زجريّة (عقوبات) من مجلس الأمن، في حال مخالفته له. تمّ كلّ ذلك، برعاية مطلقة من الولايات المتّحدة، والإتّحاد السّوفياتي، وبريطانيا، وفرنسا والصّين (الوطنية آنذاك). إلتزم الجانبان تلك الإتّفاقيّة.

كانت الحياة على جانبي الحدود طبيعيّة والنّاس تعيش بطمـأنينة وسلام. إعتمد مجلس الأمن إثر حرب عام 1967، القرار 242، تاريخ 22 تشرين الثّاني/نوفمبر 1967، كحلّ للصّراع العربي الإسرائيلي. قبل لبنان القرار. إعتبرت إسرائيل أنّه انتهك اتّفاق الهدنة. رفض مجلس الأمن ذلك. أكّد أنّ ألإتّفاق ما زال ساري المفعول. قامت إسرائيل عام 1968، بالهجوم على مطار بيروت، فدان مجلس الأمن بالإجماع، إسرائيل، وأمرها بموجب ألقرار 262، تاريخ 31 كانون الأوّل/ديسمبر 1968، بتعويض لبنان. قام لبنان مكرها، عام 1969، بتوقيع اتّفاق القاهرة المشؤوم. لم يجد لبنان بدّا، تحت ضغط الدّول العربيّة ، وخاصّة سورية، وبعد تدخّل الرّئيس المصري جمال عبد النّاصر، من توقيع هذا الإتّفاق. هدّدت عدّة دول عربيّة بالتّدخّل لدعم الفلسطينيّين إذا قام الجيش اللّبناني بعمل عسكريّ ضدّهم. ألّب الضّغط العربي قوى السّاحة الإسلاميّة، والأحزاب الإيديولوجيّة الدّاخليّة، ضدّ الحكومة. وقف المسيحيّون وأطراف إسلاميّة معتدلة، إلى جانبها.

سمح الإتّفاق بممرّ للفلسطينيين، في العرقوب للمشاركة ب”الثّورة”ضدّ الإحتلال الإسرائيلي لآراضيهم

برزت المخاوف من الحرب الأهليّة. لطالما دعا الزّعيم السّياسي الرّاحل ريمون إده، إلى حياد لبنان، لكنّ الولايات المتّحدة وفرنسا، لم تدعما هذا المطلب. كان من الممكن تجنيب لبنان كلّ الأحداث اللّاحقة، لو أنّ واشنطن دفعت بفكرة الحياد مع الإتّحاد السّوفياتي، كما حدث عام 1955، عند تبنّت حياد النّمسا لتحريرها من الإحتلال السوفياتي، وعام 1948، حين تبنّي حياد فنلندا لمنع اجتياح الإتّحاد السّوفياتي لها. وعد الرّئيس المصري بفرض عدم تدخّل فلسطيني في شؤون لبنان الدّاخليّة. فتمّ في 3 تشرين الثّاني/نوفمبر 1969، التّوقيع على الإتّفاق، بغية تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان. سمح الإتّفاق بممرّ للفلسطينيين، في العرقوب للمشاركة ب”الثّورة”ضدّ الإحتلال الإسرائيلي لآراضيهم.

شكّل هذا النّصّ، انتهاكا لاتّفاق الهدنة. كان من المفترض أن يقوم مجلس الأمن باتّخاذ تدابير ضدّ لبنان، لوقف هذا الإنتهاك. لم يفعل. لم يكن لبنان، من أولويّات واشنطن، وما زال خارج أولويّاتها. ففرنسا هي كانت وما زالت، المعنيّة أوّلا بهذا البلد.

حوّل اتّفاق القاهرة لبنان، إلى ساحة حرب مفتوحة بين إسرائيل وحلفائها

طغت الحرب الباردة على المسار القانوني لعلاقات لبنان وإسرائيل الذي يؤطّره إتّفاق الهدنة. ورأى أصدقاء لبنان في الغرب، أنّ الفرصة مؤاتية للإنتهاء من المشكلة الفلسطينيّة من خلال جمعهم في لبنان. دفع لبنان غاليّا ثمن اتّفاق القاهرة. كان الغرض من هذا الإتّفاق المشؤوم، شرب كأس مُرّة لمنع شرب كأس أمرّ، هي الحرب الأهليّة. حوّل اتّفاق القاهرة لبنان، إلى ساحة حرب مفتوحة بين إسرائيل وحلفائها، والدّول العربيّة، وخاصّة سورية، وحلفائها.

وقعت الحرب الأهليّة أيضا، واستمرّت خمس عشرة سنة. إلتأم مجلس الأمن، للنظر في اجتياح إسرائيل للبنان عام 1978. ناشد غسّان تويني المجتمع الدّولي تحرير لبنان. فالحرب الجارية على أراضيه، هي حروب الآخرين. لم يشارك لبنان في أيّ من الحروب التي حصلت على جبهته الجنوبيّة. تبنّى المجلس القرار 425. قبل لبنان هذا القرار، ورفضته المنظّمات الفلسطينيّة. لبنان صار مركز صراع بين حقوقه في السّيادة الوطنيّة، وحقوق الإنسان للشّعب الفلسطيني.

وقّع اللّبنانيون اتّفاق الطّائف. بدأت إعادة الإعمار في البلاد. فمن دفع الفاتورة؟ دفعها الشّعب اللّبناني.

قام المجلس النّيابي اللّبناني في 21 أيّار/مايو عام 1987، بإلغاء هذا الإتّفاق. وقّع اللّبنانيون اتّفاق الطّائف. بدأت إعادة الإعمار في البلاد. فمن دفع الفاتورة؟ دفعها الشّعب اللّبناني. زادت أعباء إعادة الإعمار من مديونيّة البلاد. قام السّياسيّون بتحميل الأجيال اللّبنانيّة القادمة، أعباء جريمة لم يرتكبوها.

ترى هل كان يمكن لقادة لبنان، تحت ظل، الإحتلال السّوري المفروض عليهم برعاية واشنطن، أن يطالبوا بالتّعويض؟ نأمل أن تنظر واشنطن بحقنا بالتّعويض.

السابق
المواجهات تتراجع جنوباً.. وعائلات تتفقد منازلها
التالي
مخاطر البحر الاحمر.. الحوثيون يضربون سفينة اميركية ويصفونها بـ«الأهداف المعادية»