إدارة بايدن والحذر من «وحدة الساحات»

جو بايدن

جاءت عملية ” طوفان الاقصى” غير المسبوفة، التي نفذتها حركة “حماس” في السابع من اكتوبر من العام 2023، في ظل ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن الديمقراطية، التي يصفها الكثير من السياسيين والمحللين الاميركيين بأن هذه الادارة، هي امتداد عملي لادارة الرئيس الاسبق باراك اوباما، الذي وضع استراتيجية مفادها الانسحاب من الشرق الاوسط، أو وضعه كبقعة جيوسياسية في المرتبة الثانية على سلم الاولويات الاميركية، إنما أراد جعل هذا الانسحاب سبيلا ميسرا، لتعزيز النفوذ الايراني في المنطقة.

هذه الادارة هي امتداد عملي لادارة الرئيس الاسبق باراك اوباما الذي وضع استراتيجية مفادها الانسحاب من الشرق الاوسط


وهذا ما اكدته الوقائع، لا سيما من خلال ما رشح من تسريبات حول هذا الموضوع، وذلك بهدف تشجيع ايران على الدخول في الاتفاق النووي، كي يسجل له أنه في عهده، قد توصل لحل تفاوضي لأصعب واخطر ملف يواجهه المجتمع الدولي. وقد كشف مؤلف كتاب ” العالم كما هو” بن رودس، الذي كان احد المستشارين البارزين في عهد باراك اوباما، تواطؤ هذا الاخير مع النظام الايراني، لتحقيق خدمات متبادلة على حساب دول المنطقة وتحديدا العربية منها.
غني عن التذكير بأن الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، قد قامت بعد احداث 11 ايلول/ سبتمبر عام 2001، بغزو دولتين هما افغانستان والعراق. افغانستان للقضاء على حكم طالبان، المتحالفة مع تنظيم القاعدة، لمحاسبتهما عن تلك الهجمات الارهابية. وبعد هزيمة طالبان وهروب قادة “القاعدة” الى الدول المجاورة ومنها ايران، اخرجت إدارة الرئيس جورج بوش الى العلن، خططا لغزو العراق بحجة الاسلحة غير التقليدية التي يمتلكها العراق، ليتبين لاحقا زيف تلك الادعاءات. وقد غلّف الرئيس جورج بوش حروبه الخارجية، بغلاف قيمي واخلاقي بقوله: ” إن التاريخ دعانا الى التحرك بهدف جعل العالم اكثر سلاما واكثر حرية، ولن نفوّت هذه الفرصة”. فدفع العالم العربي ثمن هذه الحروب من امنه واستقراره، حيث اطلقت العنان لإنفلات الاحقاد الطائفية والمذهبية.


فهذان الحدثان، أي اسقاط طالبان واحتلال العراق، قد جاءا لمصلحة ايران بنسبة مئة بالمئة، وهذا ما يفسّر التعاون الامني غير المعلن بين ايران والولايات المتحدة في الحربين المذكورتين، كما أعلن ذات مرة الرئيس الايراني السابق احمدي نجاد. ومن نافل القول، إن للسياسة الخارجية الاميركية ثوابت تجاه ايران، انطلاقا من موقعها الجيوسياسي المهم، الذي وعته جيدا الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة.
وقد عبّر اكثر من رئيس اميركي عن اهمية ايران للانتصار على اعداء الولايات المتحدة وفي مقدمهم الاتحاد السوفياتي، تلك الدولة المهمة التي تربط بين اسيا وافريقيا واوروبا، فضلا عن تحكمها بمضيق هرمز الذي يربط مياه الخليج العربي بالمحيط الهندي، وهذا الوعي الاستراتيجي الاميركي يبدو ممتدا الى يومنا هذا، ويدلُّ على ذلك سلوك الولايات المتحدة تجاه ايران، وهو سلوك استيعابي ومغاير تماما لتعاطيها مع الكثير من الدول، التي كانت تصنّفها في خانة الاعداء، كالعراق وليبيا وغيرهما من الدول.
وبعد احداث “الربيع العربي” الذي تم تحويله الى حروب اهلية وطائفية، بأخطاء الشعوب التي قامته به، وايضا عبر سياسات دولية مقصودة، كُشف منها الكثير، وباتت تداعياتها بمثابة تأكيدات على أن ثمة توجهات خفية، أريد منها بث الفوضى والمخاوف في العالم العربي، لإبقاء دوله في حالة رد فعل ودفاع عن وجودها، واهدار طاقاتها وثرواتها في ازمات لا طائل منها، بغية اتاحة المجال امام مشاريع توسعية على حساب منطقتنا العربية، ومنها المشروع الايراني.
فعندما نفذ الرئيس باراك اوباما وعوده بالانسحاب من المدن العراقية، تمكنت ايران من احكام السيطرة على السياسة العراقية، والتأثير في تشكيلات حكوماته بحسب مصالحها، حتى ولو كانت مخالفة لنتائج الانتخابات النيابية. وبعد قيام انتفاضة الشعب السوري، التي دعت الى اسقاط نظام بشار الاسد الحليف الايراني الموثوق، تدخلت ايران مباشرة في ذلك البلد العربي وساهمت عبر مليشياتها بدعم النظام السوري، لإدراكها أن خسارة الجغرافية السورية، ستؤدي الى تهافت نفوذها، لكون سوريا الدولة والنظام يشكلان واسطة العقد للمشروع الايراني في المنطقة.
وقد تزامنت كل تلك الاحداث، مع وجود الرئيس باراك اوباما على رأس الادارة الاميركية، الذي لم يخفِ يوما اعجابه بإيران وسياساتها، ما أتاح لهم التدخل في اكثر من بلد عربي عبر “فيلق القدس” الجناح العسكري للحرس الثوري، وأصبحنا أمام تفاخر إيراني بأنهم باتوا يسيطرون على اربع عواصم عربية. وكان الملك الاردني عبدالله، اول من تحدث عن “هلال شيعي” تقوده ايران، يمتد من طهران، فاليمن ليصل الى بيروت، مرورا بالعراق وسوريا. وما كان هذا ليحدث لولا رضى اميركي، بمعنى آخر، حتى لو لم ترع ادارة الرئيس اوباما الاندفاعة الايرانية، فإنها على الاقل قد غضّت الطرف عنها لعدم تعارضها بالاساس مع المصالح الاميركية، وإن كان هناك عداء لفظي بين الطرفين.
وبعد وقوع عملية “طوفان الاقصى” تقدمت مقولة “وحدة الساحات” على مقولة “الهلال الشيعي”، وكلتا المقولتين تقومان على بُعدٍ جيوبولتيكي خطير، يعكس سيطرة الميليشيات على الدول المركزية، اكثر من يعي خطورته الولايات المتحدة نفسها. فكيف تنظر إدارة الرئيس الاميركي جو بايدن الى هاتين المقولتين، وكيف تتعامل معهما انطلاقا من استراتيجيتها في المنطقة؟
وكيف تعايشت ادارة الرئيس الاميركي جو بايدن مع مقولة “الهلال الشيعي”، الذي يؤكد على أن المذهبية باتت اداة رئيسة من اداوت السياسة الخارجية الايرانية، وكيف اثارت حرب غزة مخاوفهم ربطا بمقولة وحدة الساحات؟

اسقاط طالبان واحتلال العراق، قد جاءا لمصلحة ايران بنسبة مئة بالمئة وهذا ما يفسّر التعاون الامني غير المعلن بين ايران والولايات المتحدة


إن “وحدة الساحات” بخلاف فكرة الهلال الشيعي، قد تعيد استنهاض الدول والشعوب العربية، فبعد اكثر من عقدين من الزمن، على الاستراتيجية الغربية، التي وسمت شعوب المنطقة العربية بغالبيتها السنية بالارهاب، وقامت بعقاب جماعي، وقامت بالمساهمة بإسقاط انظمة، بشكل او بآخر، فأضعفت الدور العربي الضعيف اصلا، وكفّت تأثيره في قضايا الشرق الاوسط، وتحديدا القضية الفلسطينية، التي هي قضية عربية قبل أت تكون قضية اسلامية. فما يتعرض له الفلسطينيون من حرب ابادة، قد دفع العرب مجددا الى واجهة الاحداث، وأحيا دورهم في حل القضية الفلسطينية على نحو عادل، انطلاقا من حل الدولتين عبر المبادرات التي يطلقونها، فضلا عن استنهاض مشاعر الشعوب العربية، وهذا ما يخيف كثيرا الدول الغربية، التي تعايشت مع تعاظم الدور الايراني في المنطقة، على حساب الدور العربي.
وكان ذو دلالةٍ، التصريحات الاميركية حول نفي أي علاقة لإيران بعملية “طوفان الاقصى”، وقد سبقت بذلك نفي الايرانيين انفسهم، الذين عادوا والتقوا مع الاميركيين على منتصف الطريق، بعد نفي المرشد الايراني علمه المسبق بالعملية، او ضلوع بلاده في ذلك الهجوم.
ايضا إن الضغط الاميركي الذي بات اكثر ملموسية على اسرائيل، لتكريس هدن انسانية وادخال المساعدات، انما يأتي، ليس فقط، لمراعاة مزاج الناخب الاميركي، الذي بات يظهر تعاطفه مع شعب غزة المظلوم، بل أيضا تجنبا لرد فعل عربي شعبي ورسمي، يكرّس نفسه مجددا ويعيد حضوره وتأثيره على مستوى الاقليم، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وامكانية استرجاعها عربيا، وهذا ما يخيف اصحاب المشاريع التوسعية المسكوت عنها اميركيا.

السابق
٣ عناصر لحزب الله.. اسرائيل تستهدف سيارة قرب مدرسة في الغندورية!
التالي
وائل الدحدوح يعود إلى الشاشة بعد ساعات من استشهاد إبنه.. مستمرون رغم الوجع