«إسرائيلُ المُتَخَيَّلة»: أسطورةُ نَبذِ «هاجر وإسماعيل» التّوراتيّة وَأَدَتِ «العصرَ الأمُومِيَّ»!

الاقصى

حقيقتانِ ساطِعتانِ هُما : حقيقةُ نهاية ( أو على نحو الدّقّة وَأدِ ) ” العصر الأموميّ ” ؛ وحقيقة ظُهور ( أو على نحو الدّقةِ ، أيضاً ، خَلقِ ) ” العصر الأبويّ” . يُمِيطُ عنهما اللثام  ( أي النهاية والظهور ) ،بِكَشفً  يمتاز بجلاءٍ عِلميّ ، ما بعده جلاء ، الكتاب الجديد ، الصادر ، حديثاً ، عن دار”  رياض الريّس ” في بيروت ، في طبعةٍ أولى 2023 ، تحت عنوان : ” إسماعيل وهاجر ( ألقبيلةُ المَنبوذَة ) – إسرائيل المُتَخيَّلة : مساهَمَةٌ في تصحيح التاريخ الرّسمي لمملكة إسرائيل القديمة ” .

وهذا الكتاب الجديد ، هو المجلّد الثاني / ألكتاب الثالث من المجلّد الضّخم الموسوم ب” إسرائيل المتخَيَّلة ” ، للمفكّر والباحث العراقي فاضل الربيعي المتخصّص في المثيولوجيا ( عِلم الأساطير ) ودراسات الكتاب المقدّس واللغة العِبريّة .

تاريخٌ رسميّ مزيَّف

ويظهر من قراءة هذا الكتاب ، أنّ الكاتب قد أراد منه التّمحوُر حول الأسطورة التوراتيّة لِطَردِ ( نَبذِ ) إسماعيل وأمّه هاجر ، من كنف إبراهيم . لكنّ الباحث اكتشف ، من خلال بحثه المعمَّق ، في موضوعه هذا ، أنّ التاريخ الرّسميّ لمملكة إسرائيل القديمة ، وهو التاريخ الذي وضعه اللاّهوتيون الإستشراقيّون ، ما هو إلاّ تاريخٌ مُزَيَّف لأنّه مُخالِفٌ / مُناقِض – تماماً – للتاريخ الأصلي لهذه المملكة ، زيّفه هؤلاء – بقصدٍ واضح – من خلال تفسيراتهم المُضلِّلة لطبيعة مكان وظروف زمان هذه الأسطورة ، من أجل تغييب حقيقتها التاريخية الواقعية والصّحيحة . لذا ، فإنّ هذا الأمر حتَّم على الربيعي أن يقوم بتصحيحٍ لا بدّ منه لهذا التاريخ المُلَفَّق الذي وَجَدَهُ يُخالِف – تماماً – مضمون النّصّ العِبريّ ( الأصلي لهذه الأسطورة التوراتية ، التي تستوي في هذا الكتاب بؤرةً كاشفة للتزييف المُتَعَمَّد الذي تعرّض له هذا التاريخ .

تَنقِيحٌ مُضَلِّل لنَصّ التوراة

فلقد كانت عملية طرد ( نَبذِ ) إبراهيم لزوجته هاجر وابنها إسماعيل ، مجرد قصّة دينيّةٍ رمزيّة ” لا ينبغي المبالغة في قيمة مضمونها ” ( على حدّ قول الكاتب في الصفحة 10 ) ؛ لكنّ اللاهوتيين التوراتيين / الإستشراقييّن ، المفسِّرين لقصص ” العهد القديم ( التوراة ) تلاعبوا – زوراَ وبهتاناً – بمضمون نصّ الأسطورة عبر تنقِيحٍ.

الإنتساب إلى الأم ليس تقليداً يهوديّاً صافياً وإنه تقليد قبَلي   عربيٌّ قديم

 مُضلِّلٍ ليؤدّي غرضه أو هدفه الذي وُضِع من أجله . لذلك فإنّهم ” اخترعوا ” من أجل التّوصّل إليه تاريخاً مزيَّفاً بالكامل . وهذا التاريخ المزيَّف ، كان الهدف منه ” التّأكيد المُخادِع ” بالطبع – ومن خلال الإيحاء الرّمزي – على أنّ هذا التاريخ الذي تشكَّلت وقائعه من خلال هذا الطرد ( ألنَّبذ) قد جرت أحداثه في فلسطين ؛ بينما جرت أحداثه الحقيقية / الواقعية برمّتها على أرض جغرافية اليَمَن القديم ، أي أنّ أحداثه التي يستعرضها هذا الكتاب ،بنزاهةٍ وموضوعيّة عِلميّةٍ تحليليةٍ ، وبتفصيلٍ موسَّع ، قد جرت في مكانٍ / زَمَنِيٍّ ، لا يمتُّ بأيّة صلةٍ تربطه بجغرافيّة فلسطين .

التاريخ الحقيقي لمملكة إسرائيل القديمة

ومن هنا ، فلقد كَتَبَ فاضل الربيعي تَصَوُّرَه ( تَخَيُّلَهُ ) لمملكة إسرائيل القديمة التي قامت على الجغرافيّة اليمَنيَّة / مبنىً ومعنىً . فتصوُّرُهُ هذا جاء مبنيَّاً على يَقِينِيَّةٍ بحثِيّة تاريخية ، بمعلوماتها ومعطياتها العِلمية ، مُظهِراً التاريخ الحقيقي للدولة الملَكِيّة الإسرائيلية القديمة ، بِسردِ أحداث هذا التاريخ ووقائعه الحقيقية ، التي استقاها ، لا تخيُّلاً بل وقائعيّاً ، إذ إنّه استمدّها من مصادرها ومراجعها الأصلية التاريخية الحقيقية ، بتنوّعات أشكالها التّدوينيّة ( وأخَصُّها النّقوش الأثريّة ) . 

مملكة إسرائيل القديمة التي يُصَحِّح هذا الكتاب تاريخها الرسمي هي مملكة سبأ الموحَّدة التي قامت على أرض اليمن منذ 650 ق. م. وحتّى عام 605 ق. م.

وعلى ذلك فإنّ هذا الكتاب الذي نهض كامل مضمونه على أرضيّةٍ نقديّة ( تفكيكيّة لألغاز التاريخ الإسرائيلي التوراتية المسكوت عنها ) . وهذه النّقدية تتّسم ،( بما لا يَدَع مجالاً لأيّ شكٍّ عِلميّ ) بإقناعيَّةٍ وهّاجة تَضَع الحقائق الجوهرية التي يضمّها هذا الكتاب ، ” عاريةً ” بصدقيَّتها الدامغة على الأصعدة القانونية / الرسمية والحياتية الأكيدة والثّابتة بأبعادها كافّة . نقول : إنّ هذا الكتاب يضع حقائقه هذه ، أمام القارىء الحصيف ، سواءٌ أكان متخصّصاً أم غير متخصّص ( وهذا ما يتميّز به أسلوب تقديمها الذي استخدمه الباحث في معالجة موضوعه الشّائك في هذا الكتاب ) . ومن هنا نوضح أنّ هذا الكتاب الذي يقول كاملُ مضمونه بأنّ هذه هي المَعالِم الجغرافية والتاريخية ( المكانية والزمانية ) الحقيقية لمملكة إسرائيل القديمة ، والتي هي – وعلى ما يُحدِّد شخصيّتها  وهُوّيتها – هي مملكة ” سَبَأ وحِمير ” ( الإسرائيلية / اليهودية ) الموَحَّدة . فهذا الكتاب يُعِيدُ تأصيل المكوِّنات  الفعلية لإسرائيل المُتخَيَّلة من خلال المقارَنة الدّاحِضة ( وبِعِلمِيّةٍ عَمليّة ) لمملكة إسرائيل المزعومة مِن قِبل اللاّهوتيين الإستشراقيين . ذلك لأنّ إسرائيل القديمة ليست فلسطينيّة على الإطلاق ؛ بل هي مملكة سَبَأ اليمَنِيّة الموحَّدة ، أي الدولة المَلكيّة التي تأسّست في العام ( 650 ق. م. ) ؛ وتلاشت عن المسرح التاريخي عام 605( ق.م.) .

مضمون الكتاب

ولقد جاء تناوُلُ موضوعِ هذا الكتاب عبر : “مدخلٍ أنثربولوجي لقراءة أسطورة إسماعيل وهاجر ” ؛ وسبعة فصول وخاتمة . أما فصول هذا الكتاب فتمحورت ، وبالتّعاقُب حول : ” الإله السّميع ” ؛ و”إسماعيل والإسماعيليّون ؛ و” طقوس الحج في النّقوش السّبئيّة سُمع إيل وشبيهه إسماعيل ” ؛ و” كيف تبلورت اليهوديّة كشريعة مناهضة للموسوية ” ؛ و” ماذا عن الملك الإسرائيلي السبئي يهوقيم ؟ – شجرة أنساب الخليل . ” ؛ و” دموع هاجر في مأرب – نقدُ الرواية الإسلامية عن إسماعيل . ” ؛ و ” نون وما يسطرون – مقاربة جديدة بين نقش النصر وسِفر يشوع . ” . واما خاتمة هذا الكتاب فتجمع نصوصاً وتحليلاتٍ للنقوش المسندية والنقوش الآشورية . ” .

مغزى اسطورة ” هاجر وإسماعيل

ومما جاء في مدخل هذا الكتاب ، نقتطف مما يقوله الكاتب : ” بوسعنا من المنظور الأنثربولوجي ، أن نرى إلى أسطورة ” إسماعيل وهاجر” التوراتية ، بوصفها قصة دينية تروي تصورات القبائل القديمة في الشرق العربي عن اللحظة التاريخية التي جرت فيها عملية إزاحةٍ منظَّمة ( بفتح الظاء ) للنظام الأموميّ ، وتمهيد السبيل إمام بزوغ العصر الأبويّ . يتجلّى جوهر هذه القصّة من خلال فكرة أنّ إبراهيم تخلّص فجأةً ، ودون سببٍ منطقيّ من زوجته هاجر ، وقام بطردها مع إبنها البكر . منذ هذه اللحظة سوف تختفي صورة الإلهة الأم / والإبن البكر في القصة التوراتية ، لتحلّ محلّها صورة الإله / الأب والإبن ، المهيمنان على العائلة ، أي صورة إبراهيم وإسحاق ، محلّ صورة هاجر وإسماعيل . بهذا المعنى ،

ستبدو لنا القصة التوراتية ، وكأنّها تُلخّص اللحظة التاريخية التي انهار فيها العصر الأمومي ، حين حلّ محلّه العصر الأبوي ، لكن ومن هذا المنظور أيضاً ، ستبدو لنا وكأنّها تروي ما هو أبعد من هذا المضمون . إنّ قصّة الطرد قد تُمثّل من المنظور الأنثربولوجي ، تصوّراً قديماً عن التوتّرات التي نشبت داخل فضاء المعتقدات الدينية الأولى في مجتمع ” النقيل البدائي ” ( أي المجتمع القديم قبل تشكّله ” القبَلي ” النهائي كجماعاتٍ سُلالية ) .

ويضيف الكاتب هنا قائلاً ” … فإنّ التوراة تروي فكرة هزيمة العصر الأمومي ” طرده ” وحلول العصر الأبوي البطريركي ، وكل ذلك من خلال قصّةٍ رمزية لا ينبغي المبالغة في قيمة مضمونها . وبهذا المعنى كذلك ، يكون عصر الإلهة الأمّ / الإبن قد أصبح فعليّاً أمام لحظة الزوال النهائي مع الطرد الرمزي ، وبالتالي بزوغ عصر الإله الأب / الإبن وتدشين العصر الأبويّ ” الإبراهيمي ” الذي سوف يهيمن على التاريخ البشريّ حتى اليوم .

كما ويعلن الباحث في مدخل هذا الكتاب أيضاً قائلاً : إنّ ” ما ترويه قِصّةُ التوراة عن طرد إبراهيم لهاجر ليس أكثر من قصةٍ رمزية / دينيّة تُلخِّص فكرة موت ” العصر الأمومي ” وحلول ” العصر الأبويّ ” .

ويؤكّد الباحث على أنّ اللحظة التاريخية التي انهار فيها العصر الأمومي ليحلّ محلّه العصر الأبوي  ، ” كانت هذه اللحظة هي لحظة التّحوّل التاريخي النهائي للبَشريّة . فلقد انتهى عصر الأم وبدأ عصر الأب ، وهذا هو- وعلى حدّ قول الباحث –  مغزى طرد( نبذِ ) هاجر وإسماعيل ” .

نهض كامل مضمون هذا الكتاب على أرضيّةٍ نقديّةٍ تفكيكيّةٍ لألغاز التاريخ الإسرائيلي التّوراتيّة المسكوت عنها

وهذا المغزى ما هو إلاّ رحِم ولادة السؤال الجوهري الآتي ، الذي يحمله الغلاف الأخير لهذا الكتاب كما ويحمل الإجابة عليه : لكن : ” متى انتصر النظام الأبوي على النظام الأمومي في المجتمعات القبلية القديمة ؟ والجواب هو : ” إننا لا نعرف على وجه التحديد متى حدث ذلك ، لكنّ رواية التوراة في سِفر التكوين عن طرد هاجر وابنها إسماعيل ، يمكن أن تدلّنا على مكان وزمان وقوع هذا الحدث الذي سيكون تأثيره بمنزلة أكبر انقلاب في التاريخ البَشريّ  . لقد أصبحنا منذ لحظة الطرد هذه أبناء الأب ، ولم نعد أبناء الأم ( على ما تضيف الإجابة ) والتي تضيف أيضاً :” إنّ استمرار تقاليد الإنتساب إلى الأم عند العرب القدماء ، حتى وقت متأخّر قُبيل الإسلام ، يؤكد لنا أنّ الإنتساب إلى الأم ليس تقليداً يهوديّاً صافياً ، وأنّه تقليدٌ قبَليّ عربيّ قديم . وتضيف الإجابة أيضاً أنّ قصة طرد إبراهيم لهاجر وابنها ” كانت موضوعاً رومانسياً مشوّقاً عند اللاهوتيين الغربيين من أعضاء صندوق آثار فلسطين في لندن . لذا راحوا بكل وسائل التضليل المفضوح يضعون القصة ضمن التاريخ الفلسطيني لأجل الترويج لفكرةٍ مزيّفة عن وصوله إلى فلسطين ، وبطبيعة الحال ، فإنّ القصة التوراتية في نصّها العِبري تنسف كلّ الأسُس التي قام عليها هذا  التّلفيق” .

السابق
جمعية الدفاع عن حدود لبنان البرية والبحرية: لكشف ملابسات حفر توتال في البلوك 9!
التالي
«حزب الله» يطلق صاروخه الخامس على مواقع اسرائيلية اليوم..وقصف مدفعي على قرى جنوبية!