«طوفان الأقصى» عقاب نتنياهو «الالهي».. والأميركي!

قبل أشهر قال الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريح للصحفيين في آذار الماضي، إنه لن يدعو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض قريبا، ولم يخف بايدن في تصريحاته معارضته سياسات الحكومة الحالية بشأن الاستيطان في الأراضي الفلسطينية و”الإصلاحات القضائية” المثيرة للجدل، التي تدفع بها رغم احتجاجات المعارضة العارمة.

كما جهر الرئيس الأمريكي في وصف الحكومة الحالية بأنها “الأكثر تطرفا في إسرائيل”، مع تلميح بأن سبب ذلك هو وجود وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير ووزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش فيها.

اميركا تستغل عملية طوفان الاقصى لمعاقبة نتنياهو وعزله من مشهد السلام القادم

هذا الرفض الاميركي الدبلوماسي الاول من نوعه الذي اصاب اهم دولة حليفة لواشنطن خارج الناتو وهي اسرائيل، لم يأتِ لاسباب شخصية تتعلق ببايدن ونتنياهو، انما هو بسبب المسار الذي اتخذه الاخير ضرب فيه عرض الحائط مسلمات وخطوطا حمراء، اهمها تحالفه “البغيض” مع الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وإقناعه بـ”صفقة القرن” التي من شأنها تصفية القضية الفلسطينية لصالح اسرائيل، وتقضي على حلّ الدولتين الذي تتبناه الولايات المتحدة ويدعمه المجتمع الدولي منذ عقود.

الاستنجاد بأميركا

ولكن ما ان انجلت الغبرة نهار الاحد أول أمس، عن الخسائر الكارثية التي حلّت باسرائيل ومستوطناتها في غلاف غزة، مع مقتل واسر آلاف المستوطنين على ايدي حركة حماس، واتضح عدم جهوزية الجيش الاسرائيلي لمعركة مباغته، حتى هرع نتنياهو واتصل مرتين بالرئيس الاميركي بايدن، طالبا منه الدعم العسكري والسياسي من اجل عمل عسكري شامل في غزة، يغيّر مجرى الحرب ويمحو عار الهزيمة التي تكبها، غير ان التصريحات الاميركية التي أظهرت حرص واشنطن رسميا على امن اسرائيل، اكتفت بارسال حاملة طائرات الى البحر المتوسط لاظهار ضعف اسرائيل وحاجتها للحماية الاميركية، مع العلم ان الجيش الاسرائيلي لا يحتاج لطائرات حربية، بل يحتاج لمد سلاحه الاميركي بالذخائر اللازمه، والسماح له بالتوغل البري داخل حدود مدينة غزة لحسم المعركة، وهو ما لم يأذن به بايدن، قاطعا بذلك حبل الانقاذ الوحيد لمستقبل السياسي لنتنياهو، الذي عليه ان يواجه الفشل العسكري وحده، ثم يتحمل الهزيمة ويستقيل.

يتوقع ان يسمح المجتمع الدولي بعملية عسكرية حاسمة تغير الشرق الاوسط كما قال نتنياهو، وانما سوف يأذن بعملية عسكرية محدودة تعيد التوازن الميداني بين حماس والجيش الاسرائيلي

وبذلك لا يخفى ان اميركا تستغل عملية طوفان الاقصى، لمعاقبة نتنياهو وعزله من مشهد السلام المقبل، وكان صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، اول امس الأحد، إن “محادثات التطبيع بين السعوديين والإسرائيليين، بوساطة واشنطن، يمكن أن تكون جزءًا من سبب مهاجمة حماس لإسرائيل خلال عطلة نهاية الأسبوع”.

ويشرح مراقبون ان اميركا تدعم هذا التطبيع، ولكن مشفوعا بسلام لا تريد اعطاء مجده لنتنياهو، تريد لحدث السلام مع العرب ان يوقّع مع حلفائها اليساريين والمعتدلين في اسرائيل، وليس مع اليمين المتطرف الذي يتزعمه نتنياهو المتحالف مع اليمين الاميركي الذي يتزعمه ترامب، والذي يصرّ على بناء مستوطنات جديدة، دون الالتفات الى حلّ الدولتين المكرس بموجب القرارات الدولية، والذي تدعمه واشنطن تاريخيا.

مستقبل الحرب

بعد ان استفاق من هول مباغتة هجوم “طوفان الاقصى”، الذي قادته حماس مخلفة الاف القتلى والجرحى، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، امس الاثنين، إن رد إسرائيل على هجوم حماس سيغيّر الشرق الأوسط! وأضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي في البيان: “ما ستمر به حماس سيكون صعبا وفظيعا. لقد بدأنا للتو حملة الرد”. و قال متحدث عسكري اسرائيلي: “ننصح سكان قطاع غزة بالتوجه الى مصر”.

ولا يتوقع المراقبون ان تكون الحملة الاسرائيلية الثأرية المرتقبة على غزة حاسمة لسببين رئيسين: الاول هو وجود مئات الرهائن الاسرائيليين، داخل المنازل في الاحياء السكنية الشعبية المكتظة بالسكان، والتي من المفترض لاحقا التفاوض لاطلاق سراحهم بوساطات دولية، وثانيا لأن التأييد الدولي لاسرائيلي في معركتها هذه مشروطا بمحدودية هذه العملية وبما لا يقوّض الحلول السلمية.

فقد صدر البيان الخماسي الاميركي الاوروبي المشترك قبل ساعات جاء فيه ” سندعم اسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها وندين حماس وافعالها الارهابية المروعة”، غير ان البيان عينه عاد وقال” اننا نقر بتطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة وندعم اجراءات متساوية لتحقيق الحرية والعدالة للإسرائيليين والفلسطينيين”.

اقرأ أيضاً: «طوفان الأقصى» بين الإنجازات والتهديدات و«السيناريوات»!

وهنا يُلاحظ ان هذا البيان الصادر عن الدول الغربية الكبرى، وان كان يدعم اسرائيل آنيا من اجل الدفاع عن نفسها حسب قولهم، الا انه يعود ويرسم ضمنا لنتنياهو وصانعي القرار في الدولة العبرية، حدودا لا ينبغي تخطيها، وهي عدم الحسم العسكري، افساحا في المجال لتقدم الحلول السلمية “بما يضمن تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة وتحقيق الحرية والعدالة للاسرائيليين والفلسطينيين”.

وطبقا لتلك المعطيات لا يتوقع ان يسمح المجتمع الدولي بعملية عسكرية حاسمة تغير الشرق الاوسط كما قال نتنياهو، وانما سوف يأذن بعملية عسكرية محدودة تعيد التوازن الميداني بين حماس والجيش الاسرائيلي من اجل التفاوض في مرحلة ما بعد الحرب، لاطلاق سراح الرهائن والاسرى اليهود، مقابل اطلاق الاسرى الفلسطينيين من السجون الاسرائيلية كما هو متوقع.

غير ان السؤال يبقى، هل يستسلم نتنياهو لهذا السيناريو المرسوم، وهو يعلم ان نهاية هذا السيناريو ستكون ايضا نهاية حياته السياسية في حال ازاحته من المشهد، بتحميله مسؤولية التقصير في حرب “طوفان الاقصى” وتسببه بتكبيد بلاده خسائر عسكرية وبشرية هائلة غير مسبوقة؟

الايام القليلة المقبلة كفيلة بالاجابة على هذا السؤال، مع ورود معلومات ان يوم الجمعة المقبل سيكون موعد الهجوم الاسرائيلي الثأري ضدّ غزة وشعبها.

السابق
فيديو يظهر حجم الدمار.. الجيش الاسرائيلي يقصف غزة بألف طن من المتفجرات!
التالي
الأمم المتحدة تستنكر.. الحصار الكامل لقطاع غزّة محظور بموجب القانون الدولي