«تحالف» السياسة والدين «ينقض» على الشعب المسكين!

يتبدّى الدور الذي تؤديه الأنظمة السياسية، في تشكيل الجانب النفسي من حياة مواطنيها و قولبته، إن صحّ التعبير، جلياً و أيضاً حاسماَ. و يعود السبب في ذلك إلى أن النظام السياسي أو لنقل السلطة السياسية، تعدّ مسؤولة عن وضع النظام التربوي بما يتناسب مع إيديولوجيتها. ولا يخفى من أنها، بغضّ النظر عما كانت ديمقراطية أم لا، تسعى إلى ضبط شعبها والتحكّم به، بما يخدم الحفاظ على هويتها واستمراريتها و تماسكها. و كأنها، من خلال “سيستامها” التربوي، تعمل على تعزيز نرجسيتها. بتعبير أدق، ترى السلطة السياسية عموماً، وسيّما الاستبدادية، في هذا “السيستام” امتداداً لأناها الهشّ. وكلّما تمكّنت من إرهاق شعبها، كلّما ازدادت صلابة على حسابها. ومن هذا المنطلق، تعدّ “صانعةً” لمجتمع عليل و سقيم.

تعمّدت السلطة السياسية عبر أربابها “الطائفيين” تحويل شعبها إلى “مضطرب” و جعلته ضحية لهستيريا دين-سياسية جماعية


و أما فيما يتعلّق بواقعنا اللبناني، فإن مقاربته من زاوية سيكولوجية، تقودنا بشكل واضح إلى ملاحظة التأثير القوي للسلطة السياسية، في التسبّب بالاضطراب النفسي لشعبها، وجعله مستلَباً ليس فقط ذهنياً، و إنما نفسياً. إذ يشكل هذا الواقع نموذجاً يمكن اعتباره “مثالياً” عن خلق “كائنات” مضطربة و تائهة!…
تعمّدت السلطة السياسية، عبر أربابها “الطائفيين”، تحويل شعبها إلى “مضطرب”، و جعلته ضحية لهستيريا دين-سياسية جماعية عبر توظيفها للحياة السياسية، بعد أن لجأت إلى “عجنها” بالدين، وبرعت في استلابه و برمجته.
و أتى تشريع السلطة السياسية، لنشوء الأحزاب الطائفية و إنشاء المدارس التابعة للطوائف، ليشكّل استراتيجية أساسية لتجذّر هويتها الطائفية، عبر الانقضاض على الانتماء الوطني، الذي يشكّل بدوره ركيزة المواطنية.
فيما يتعلق بالأحزاب الطائفية، فإنها عمدت إلى إطلاق نشوة ايديولوجية عظامية هذيانية، عبر ما اعتبرته انتصارات و انجازات، في سبيل الحفاظ على الوطن و سيادته ومقاومته. هذا عدا عن استغلالها للحالة الاقتصادية الصعبة، التي تسبب بها غياب السياسات الاجتماعية. وأما بالنسبة إلى المدارس “الطائفية”، فعزّزت بدورها الانتماء الديني، و أسهمت في جعله ملجأً وهمياً للهروب من الفقر والحرمان.

الاحزاب الطائفية فإنها عمدت إلى إطلاق نشوة ايديولوجية عظامية هذيانية عبر ما اعتبرته انتصارات و انجازات في سبيل الحفاظ على الوطن


و سعت السلطة أيضاً، إلى توظيف المناسبات الدينية و “رواياتها”، و جعلتها فرصة لتشكيل ما يسمى بالقطعانية، عبر الخطابات و الأناشيد و الولائم التي تمتد على الطرقات … ولم تسلم هذه المناسبات من تزوير لأحداثها أو تضخيمها، في سبيل العمل على تعمية الفكر، و جعله أسير تخلف اجتماعي. كما عمدت إلى خلق الشعور بالحرمان والعوز والتهميش، بعد أن نهبت ما نهبته على حساب المواطن، وأوقعته تحت ثقل ضغط نفسي و رهينةَ سلبية تجاه ما يحيطه من أحداث و أزمات.
كان من الطبيعي، أن يؤدي تزاوج السلطة السياسية والدين، إلى هستيريا دين سياسية جماعية، بحيث تتحول الانفعالات العاطفية الكدرة، و الضغط النفسي الناجم عن عملية الاستلاب والإفقار والتهميش، إلى سلوكيات مضطربة و مرضية. و يظهر ذلك من خلال “استعراضات” جماهيرية، تتخذ وظيفة التفريغ الانفعالي، و تنشط فقط في كل مرة يتمّ التحريض الدين- سياسي لترهيب الآخر.
نجحت السلطة السياسية في لبنان في تدجين السواد الأعظم من اللبنانيين، و تحويلهم إلى راقصين مُنتَشين على الوتر الديني، من خلال “المقدّس” و “الإلهي”، وباتت تحرّكهم كدمى في كل مرة يشعر أربابها بالخوف على مصالحهم وامتيازاتهم، بعد أن نهبت منهم إيمانهم بالقدرة على التغيير، في سبيل الخلاص من بؤرها الدين- سياسية
ويبقى السؤال ، متى سينقذ هذا السواد نفسه، من براثن سلطة سياسية تحالفت مع الدين للانقضاض عليهم؟

السابق
كيف افتتح سعر صرف الدولار صباح اليوم؟
التالي
هرّبا مئات الأشخاص من ليبيا إلى إيطاليا واليونان