حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: سباق التفاهة

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

توسعت حدقات عيون آلاف اللبنانيين وتحسسوا اجفانهم، وهم يتابعون رحلة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي في طائرة مروحية تسافر الى منصة الحفر في البلوك رقم 9، وعلى الرغم من ان الرئيسين قد ظهرا وهما يتمنطقان بعدة غطس وتنفس من اقنعة موصولة بانابيب من الاوكسجين، اضافة لوجود فريق حماية متخصص من الغطاسين ورجال الانقاذ البحري، الا ان غالبية المواطنين كانت تنتظر او تتمنى حدثا دراميا يوقف المهزلة المصورة، ويطيح بالطائرة وركابها، وقد امتلات وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل مؤسف، بالدعوات لان تسقط الطائرة بمن فيها في البحر!!! لا سمح الله…

كما شاعت سلسلة من المزحات الساخرة، حول عدم جدوى استخراج الغاز والنفط، اذا كانت هذه المنظومة السياسية، ستتولى الاشراف والتنسيق لاستخراجها وانتاجها وتسويقها.

شاعت سلسلة من المزحات الساخرة حول عدم جدوى استخراج الغاز والنفط اذا كانت هذه المنظومة السياسية ستتولى الاشراف والتنسيق لاستخراجها وانتاجها وتسويقها

كما توالت تغريدات ناشطين سياسيين من مواقع مختلفة، تفيد ان النفط والغاز في ظل الفساد، لا ينتج بحبوحة ولا يحل ازمات لبنان المالية ومديونية خزينته العامة، فثمة بلدان نفطية كنيجيريا مثلا والعراق، تعاني ازمات اقتصادية ومالية لاتقل خطورة عن ازمات لبنان، فيما انبرى خبراء جادون الى التوضيح، ان حجم العائدات المالية للثروة الغازية والنفطية، لن تتعدى حجم الودائع المالية التي كانت موجودة في النظام المصرفي اللبناني، والتي وصلت الى ١٢٠ مليار دولار بالنقد الاجنبي، اضافة الى كتلة مالية بالليرة اللبنانية توازي ٧٠ مليار دولار، وان المنظومة السياسية والمالية والادارية التي سرقت هذه الودائع، قد اعدت نفسها لسرقة مداخيل الثروة النفطية، عبر مراسيم اصدرتها تلزم الشركات العالمية توتال وايني والقطرية، الحاصلة على امتيازات الاستخراج والتسويق، بان تتقاسم ارباحها مع شركات خدمات لبنانية ( ٥٣ شركة)، قامت الاطراف السياسية اللبنانية بتأسيسها في سنغافورة، برساميل لا تتعدى الف او بضعة الاف من الدولارات، وتعود ملكيتها لبطانة قادة الاحزاب الطائفية وابنائهم.

 وقد افاد احد الخبراء ان المداخيل المتوقعة من الثروة النفطية، في حال اكتشافها وفي حال اكتمال مراحل الانتاج والتسويق، لن تكون متاحة الا بعد ثماني سنوات من الاكتشاف، ولن تُدخِل الى خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار سنويا، وان هذا المبلغ على مدى ثلاثين سنة، لن يردم الفجوة المالية لمصرف لبنان والبالغة ٧٣ مليار دولار اميركي…

ما سر الوقوف على منصة الحفارة، هل هذا امر ضروري حقا؟!

غني عن القول، ان البدء في حفر بئر استكشافي للغاز، لا يمكن ان يعتبر عيدا وطنيا؟! فهل رايتم ايها اللبنانيون في حياتكم، اميرا كويتيا او قطريا او ملكا سعوديا او بحرانيا او حاكم نيجيري او رئيس حكومة نرويجي، يقف على منصة حفارة ويدلي بتصريحات، يمنن بها شعبه ببدء استكشاف ثروات بلاده الوطنية، وكأنه استقدمها من بيت اهله او اوجدها في باطن الارض نتيجة بركته وكراماته؟!

احد الخبراء افاد ان المداخيل المتوقعة من الثروة النفطيةلن تكون متاحة الا بعد ثماني سنوات من الاكتشاف ولن تُدخِل الى خزينة الدولة أكثر من ملياري دولار سنويا

لم تجر قبلا المهزلة هذه، الا مرة واحدة في لبنان، في البلوك رقم ٤ قبالة بحر البترون، حيث ذهب ميشال عون وصهره جبران باسيل “المعجزة” الى حفارة اخرى، قامت بحفر بئر هناك،  يومها اعلن باسيل ان لبنان اصبح دولة غاز ونفط، ثم طبع كتابا لطفله يرسم له الانجازات المستقبلية وينبئه بقيام مشاريع هائلة، لكن وعوده حتى لابنه لم تكن الا خديعة، ما حصلنا عليه حقا لم يرد في كتابه لطفله; ما حصلنا عليه انهيار مالي واقتصادي، افلاس النظام المصرفي وسرقة الودائع، انهيار نظام الاستشفاء والصحة، شلل في الادارة واجهزة الرقابة، كارثة دمرت القضاء، وانهيار النظام التعليمي، فقدان العملة الوطنية ل ٩٨ % من قيمتها، تدني القدرة الشرائية لرواتب الدولة، تفاقم الهجرة والبطالة والفقر، ووقوع ٨٤ % من اللبنانيين تحت خط الفقر…

بالعودة لبئر البترون، فقد وجدت الشركة ان الحوض الذي حفرت به، لا يحتوي غازا يمكن استغلاله، فتركت البئر بعدما تيقنت من عدم جدواه، واصر باسيل على وجود الغاز في البئر، مبرزا دليلا لا يمكن رده او التشكيك به! وهو “انف” سكارليت حداد واستشعارها لرائحة الغاز، التي تيقنت من وجوده وجدوى استخراجه.

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية»: حرب روسيا-أوكرانيا.. أزمة عنقودية

هل كانت سكارليت هذه المرة على منصة الحفر ايضا في البلوك رقم ٩، فقد تحتاجون الاستعانة بانفها ايضا.

ما هو ضروري قوله اليوم، هو ان الوقوف على الحفارة، هو آخر ما يطلبه اي لبناني من اي من مسؤولي المنظومة، سواء كان نائبا او قاضيا او جنرالا في جهاز امني، او وزيرا او رئيس وزراء او رئيس برلمان!

الوقوف على الحفارة هو آخر ما يطلبه اي لبناني من اي من مسؤولي المنظومة سواء كان نائبا او قاضيا او جنرالا في جهاز امني او وزيرا او رئيس وزراء او رئيس برلمان!

 فقبل الوقوف على منصة البئر ليفتح الرئيس بري مجلس النواب، ويجري انتخابات لرئيس الجمهورية وليطبق الدستور ولا ينتهكه، والوقوف على منصة البئر، صحيح انه يذكرنا بوجوده لكنه يدينه لتغييبه دوره، ولا يعفيه من واجباته، وقبل ان يقف الرئيس ميقاتي على منصة الحفارة، ليقوم بادنى واجباته، وليعمل على فتح الدوائر المالية والعقارية، وتفعيل الجمارك وادارة السير، وليوقف السرقات في قطاع الاتصالات، وليمنع التهرب الجمركي، ليتأمن للدولة مداخيل تبطئ  افلاسها وتمنع تفككها…

قبل الوقوف على منصة البئر ليفتح الرئيس بري مجلس النواب ويجري انتخابات لرئيس الجمهورية وليطبق الدستور ولا ينتهكه

قبل ان يقف اي مسؤول او وزير او قاض او جنرال، على منصة الحفارة لممارسة الوقاحة والفصاحة، ليقم بوظيفته ويطبق القانون ويفعل سير عمل المرافق العامة التي يديرها.

المأساة ليست فقط بالفصحنة التي يحتسبونها فصاحة، والمأساة الحقيقية هي في اعلام يستطيب نقل اعلى درجات الوقاحة والتفاهة…

حين تتم الدعوة لدورة البطولة في ممارسة التفاهة، ولنيل الجائزة الاولى في سباق “من يكون تافها اكثر”، تقضي الحصافة  ان لا تسعى للفوز بالمرتبة الاولى فقط، بل ان لا تشارك في السباق اصلا. وليحتفظ بالجوائز عون وصهره.

السابق
أسرار الصحف ليوم الخميس 24 آب 2023
التالي
جنود الرب «يظهرون» مجدداً من بوابة «مكافحة المثليين»..ورفض لـ«الوجه المسيحي لحزب الله»!